الدور الأمريكي وانتصارات الدولة في العراق والشام
11 شعبان 1436
محمد زاهد جول

كشفت الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إلى روسيا الاتحادية يوم الأربعاء 21/5/2015، واجتماعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، العديد من الأسرار، لعل من اهمها تذمر الحكومة العراقية من الحكومة الأمريكية، وأن أمريكا قد خذلت حكومة العبادي، بحسب تصريحات أو تلميحات سمعت من العبادي أو المقربين منه، وان هذا الخذلان الأمريكي للعراق إما عن طريق اتهام الحكومة الأمريكية بعدم تقديمها للمعدات العسكرية المتطورة، التي تمكنها من مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، أو باتهام الحكومة الأمريكية بعدم بذل جهود عسكرية كافية عن طريق قوات التحالف الدولي الذي شكلته قبل عشرة أشهر، لتحد من قدرات تنظيم الدولة على مواصلة تقدمه العسكري، فضلًا عن القضاء عليه.

 

 

العبادي أكد من موسكو أن "العراق يعول على تطوير التعاون مع الاتحاد الروسي في مكافحة الإرهاب"، في وقت تشهد فيه علاقات الجانبين "حالة من الدفء والارتياح"، بينما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: إن "الشركات الروسية تعمل في العراق وتنفذ في أراضيه مشاريع كبيرة، ويدور الحديث عن استثمارات بقيمة مليارات الدولارات"، وقال بوتين:" إننا نعزز العلاقات فيما يخص التعاون المدني والعسكري التقني".

 

 

وإضافة لذلك فإن العبادي ومنذ لحظة وصوله إلى العاصمة الروسية موسكو، التقى رؤساء ثلاث شركات روسية كبرى للنفط والغاز، وهذا يؤكد أنه يواصل سياسة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، بتوثيق سياسة الحكومة العراقية التابعة إلى ايران مع روسيا، فإيران تريد إرضاء روسيا بوتين التي تهتم بالمليارات أكثر من اهتمامها بالقيم الإنسانية والمبادئ القانونية العادلة، ترى روسيا بأنها تستطيع توفير سيوله مالية لها، مقابل دعمها للسياسة الإيرانية مع الغرب أولاً، وأنها ستواصل دعم بقاء بشار الأسد في مواصلة حربه التدميرية لسوريا وشعبها، إضافة إلى بداية تعاون روسي مع محور إيران، في اللحظة التي تخطط فيها ايران لتوسيع نطاق الأعمال التخريبية في اليمن ومنطقة الخليج.

 

 

هذا ما يمكن سماعه من بعض النواب العراقيين المؤيدين للعبادي بقولهم إن "أهمية هذه الزيارة تكمن في أنها تأتي في وقت يخوض فيه العراق حربًا شرسة ضد الجماعات المسلحة، ويحتاج إلى تنوع مصادر التسليح وعدم الاقتصار على دولة دون أخرى"، وكشف محلل آخر أن "العبادي يعتزم إبرام صفقة سلاح مع روسيا بمبلغ 4.5 مليارات دولار"، وقال آخر: "إن الصفقة التي يسعى العبادي لتفعيلها مع الجانب الروسي، تتعلق بمنظومة الدفاع الجوي، ومروحيات (صائد الليل)، وصواريخ، وقطع غيار، ودبابات ومدرعات، تحتاجها القوات العراقية في عملياتها (لدحر الإرهاب من البلاد)".

 

 

إن التذمر الذي تبديه حكومة العبادي من السياسة الأمريكية غير خافٍ، وما زيارة العبادي إلى موسكو إلا دليلاً واضحاً، والبحث عن الأسلحة الروسية دليل آخر، على أن نوعية وكمية الأسلحة التي تقدمها أمريكا للحكومة العراقية غير كافية، ولكن الحكومة العراقية وحيدر العبادي لم تفكر بالأسباب التي تجعل أمريكا تتخاذل مع حليفها العراقي المعلن، وهو الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي، وليس الحكومة العراقية وجيشها وقواتها الأمنية الرسمية فقط، وإنما دعم وتبني أمريكا العلني لإعطاء المليشيات الطائفية السيستانية المسماة بالحشد الشعبي، التي يتزعمها الجنرال المكعب هادي العامري، فهو جنرال في الحرس الثوري الايراني أولاً، ثم جنرال في ميليشيات بدر ثانياً، وأخيراً جنرال لميليشيات الحشد الشعبي السيستانية، فأمريكا اعلنت تأييدها لميليشيات الحشد الشعبي السيستانية للمشاركة في محاربة تقدم مقاتلي الدولة الاسلامية في الرمادي، تحت شرط وهمي هو تعاونهم مع الحكومة العراقية.

 

 

إن على حيدر العبادي أن يبحث عن الأسباب التي تجعل السياسة الأمريكية تحارب معه ومع الحشد الشعبي السيستاني، بل ومع قوات الحرس الثوري في تكريت، فبينما كانت قواتهم البرية تقاتل على الأرض كانت طائرات سلاح الجوي الأمريكي تغطي تقدمها العسكري، وتقصف أهداف الدولة الاسلامية، ثم وجدت أمريكا تتخاذل في صد هجوم الدولة الاسلامية على الرمادي، فإما أن أمريكا عاجزة عن ذلك، أو أن مصالحها الاستراتيجية هي تحويل الحرب في العراق وسوريا إلى حروب دائمة ومتواصلة لعدة عقود وليس سنوات، كما وصفها بشار الاسد والمتحدث باسم الحشد الشعبي عبدالكريم نوري، بأنها معارك كر وفر، فمعارك هذا الشهر لصالح الحكومة العراقية وميليشياتها الطائفية، والشهر التالي لقوات الدولة الإسلامية وميليشياتها المسلحة، وهكذا.

 

 

ومن الغرابة أن يقال بأن أمريكا عاجزة عن استئصال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، فضلًا عن وقف تقدمه أو تحجيم تواجده في أماكن معينة، وبالتالي فإن مصالح أمريكا الاستراتيجية هي التي تقف وراء هذه المعارك المتعاقبة والانتصارات المتبادلة بين الطرفين، فإذا اقتنعت الحكومة العراقية ومحورها الإيراني بأكمله بأن هذا هو السبب، فعليها أن تدرك أن روسيا لا تعارض هذه الاستراتيجية الأمريكية، بل إن أمريكا وروسيا متفقتان على مواصلة الحروب والمعارك في سوريا والعراق واليمن وما بعدها أخطر، إذا امتدت المعارك إلى الخليج العربي أيضاً، فأمريكا وروسيا مستفيدتان من حروب استنزاف المنطقة الغنية بالنفط والدولارات، بل إن أحد الأسباب المتوقعة من تعجيل توقيع الاتفاق النووي الإيراني، هو توفير مزيد من عشرات ومئات المليارات للحكومة الإيرانية ودول الخليج لمواصلة حروب الاستنزاف في الشرق الأوسط، فمصانع الأسلحة الأمريكية والروسية ستواصل عملها ليل نهار، وسوف تحل مشاكل البطالة والعديد من الأزمات الاقتصادية الكبرى لأمريكا وروسيا.

 

 

هذا الأمر يتطلب من الحكومة العراقية أن تعرف أن روسيا بوتين سوف ترحب بلجوء حيدر العبادي إليها، وسوف توفر له ما يريده من أسلحة بالتفاهم السري أو العلني مع أمريكا، لأن روسيا باعت من قبل صدام حسين إلى أمريكا، ولا يضيرها بيع حيدر العبادي وبيع بشار الأسد وبيع خامنئي إذا اضطرت لذلك، فالعلاقات الروسية الأمريكية مقدمة بالنسبة إلى بوتين، على العلاقات مع محور إيران وغيرها من الدول العربية والإسلامية، ولذلك تبادل أمريكا المواقف الوهمية في تأييد هذا المحور أو غيره.

 

 

وهذا الأمر ينبغي أن يكون واضحاً بالنسبة إلى الجنرالات المذهبيين والجنرالات العسكريين، الذين يحرضون على مواصلة الحروب الطائفية في العراق وسوريا، وفي مقدمتهم جنرالات المذهب الشيعي في إيران والعراق وسوريا واليمن ولبنان، فالجنرال المكعب هادي العامري يتذمر من التخاذل الأمريكي مثل العبادي، فقال هادي العامري في تصريح متعلق بخسائر الرمادي: "إن الاعتماد على التحالف الدولي وأمريكا مثل السراب"، وطالب بإجراء تحقيق بسقوط الرمادي وإيقاع العقوبات على المتسببين بذلك، وكذلك جاءت مواقف المرجعيات المذهبية الشيعية في العراق، فقال المرجع المذهبي السيستاني، وهو من أفتى بتأسيس ميليشيات الحشد الشعبي لمحاربة تنظم الدولة الإسلامية عندما أعلنت الخلافة في الموصل في شهر يونيو/ حزيران 2014، في التعليق على هزائم الرمادي هذه الأيام: "يجب وضع الخطط والاستعدادات وتجميع الجهود لوقف انتصارات تنظيم الدولة الإسلامية في الرمادي".

 

 

هذه التصريحات تشير إلى أن الحكومة العراقية وأتباعها الطائفيين في حالة ارتباك وتراجع وخسائر عسكرية أمام تنظيم الدولة الإسلامية، وأنها تريد تحميل مسؤولية ما جرى على الحكومة الأمريكية، علمًا بأنها فشلت في الشهر الماضي، في احتلال تكريت وحدها، بالرغم من جهودها العسكرية لأكثر من شهر، حتى طلبت المساعدة الأمريكية، فتدخلت الطائرات الأمريكية وقصفت مواقع الدولة الإسلامية، وبعد دخول قوات الحشد الشعبي السيستاني إلى تكريت انتقمت من سكان تكريت، متهمة إياهم بدعم تنظيم الدولة لأسباب طائفية، حتى أن المساكن والمحلات التجارية في تكريت لم تسلم من انتقام ميليشيات الحرس الثوري والحشد الشعبي، فدمرت وحرقت ونهبت مدينة تكريت، وكأنها تحارب في عصور الصليبيين والمغول القديمة.

 

 

هذه التصرفات للحكومة العراقية وميليشياتها العراقية والإيرانية تؤكد أنها غارقة في تفكيرها الطائفي، وأنها ضحية الثأر لأحقاد تاريخية قريبة وبعيدة، وأنها أقل وعياً وحكمة من التعامل مع المخططات الأمريكية وبدائلها الروسية، فالسياسة الروسية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، بل وأكثر تحديدًا منذ تولي فلاديمير بوتين دفة السياسة الروسية، هي الوجه الآخر للسياسة الأمريكية، ومن يهرب من أخطاء أو خذلان السياسة الأمريكية إلى الروسية كالمستجير من الرمضاء بالنار.

 

 

في هذا السياق، نذكر بأن الحكومة التركية رفضت الانزلاق وراء الألاعيب الأمريكية، ورفضت المشاركة في العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي، إلا ضمن شروط ثلاثة تساعد على حل مشاكل المنطقة وليس زيادة اشعال النار فيها، وأعلن الجيش التركي أنه لن يرسل جنديًا واحدًا خارج تركيا إلا في حالة دفاعية فقط، لقد أخطأت الحكومة الإيرانية الخامنئية بالانزلاق وراء أوهام الإمبراطورية الطائفية، ووراء الألاعيب الأمريكية التي عزفت لإيران على النوتة الطائفية، ولذلك فإن على الحكومة الخامنئية أن توقف اخطاءها في السياسة الخارجية، وان تترك الدول العربية مع أقلياتها الشيعية للتفاهم والوحدة الوطنية، كما عاشت سابقاً، وعلى الحكومة الخامنئية إن لا تفكر بتوسيع حروبها الطائفية في الخليج العربي وغيره، وإلا فإن جيوش دول عربية وإسلامية أخرى سوف تواجه هذا التخريب، فإيران بحاجة إلى عقل سياسي جديد يوقف دمار المنطقة.  

المصدر : خاص - شؤون خليجية