..وجاء " نصر الله" المأزوم؟!
17 شعبان 1436
منذر الأسعد

ما الذي أخرج حسن نصر الله في المرحلة الأخيرة، عن تقيته المذهبية التي حرص طويلاً على التشبث بها، لخداع المغفلين من المسلمين؟ وما السر وراء إسفافه في شتم خصومه؟
ما من شك في أن نصر الله خطيب ماكر يختار كلماته بدقة، بالرغم من سخرية الناس من نطقه غير السليم لحرف الراء..وقد أسعفه   في تكوين هالة حوله، إعلام مكثف يغلو فيه إلى درجة تستفز أي عاقل، وبخاصة في فترة تطبيل قناة الجزيرة لـ"مقاومته" للعدو الصهيوني!! وإذا كانت الغشاوة قد زالت  بعد مكوثها سنوات عن عيون علماء كبار من وزن الشيخ القرضاوي، فإن بعض "الإسلاميين" ما زالوا مُخَدَّرين يهرفون عن تقارب لا وجود له إلا في عقولهم المغيّبة.

 

 

كان نصر الله حتى فترة قريبة، يتظاهر بالسرور لوجود أصوات شيعية تعارضه، لأن ذلك-بزعمه- يثبت أن الصراع سياسي وليس طائفياً!! لكنه في كلماته الأخيرة، بات يشتمهم ويتهمهم بأنهم شيعة "السفارة الأمريكية"!!
كان نصر الله يلمّح إلى بلدان عربية وقياداتها، بأسلوب موارب،  غير أنه أصبح مؤخراً يطلق شتائمه السوقية مستهدفاً دولاً وزعامات كبرى..
إهلاك نصف الطائفة من أجل الطاغية!!

 

 

لم يكن الأسلوب المختلف جذرياً، هو المتغير الوحيد في مسار خطب نصر الله، فقد نحا في المضمون نحواً مبايناً لكل وعوده الفارغة عن "نصر إلهي" مزعوم، ولتهديداته الجوفاء بسبابته،  ولافتخاره بإنجازات لا أصل لها، إلا إذا كانت نذالة ذبح المدنيين في القصير ثم في سائر أنحاء سوريا، مفخرة في أعراف الصفويين الجدد كما يؤكد سلوكهم منذ سلطهم "الشيطان الأكبر"على مقدرات العراق وشعبه لأنه : "عدوهم الأول" !!

 

 

فللمرة الأولى يتكلم نصر الله صراحةً عن تهديد وجودي للشيعة!! إذ جاء في كلمته بمناسبة "يوم الجريح" قوله:
(الخطر الذي يتهددنا هو خطر وجودي شبيه بمرحلة الـ1982)..ولأن المريب يكاد يقول : خذوني، تحدث عن: (مرحلة جديدة لا مكان فيها للإحباط بيننا،  وهي مرحلة سنستخدم فيها كل قوتنا وكل إمكاناتنا لمواجهة التكفيريين... لا نهتم لتوهين الإنجازات التي تحققها معاركنا ويقوم البعض بإنكارها. )
ثم هيّأ قطيعه نفسياً لتقبل مزيد من الهزائم فقال:  (ولو سقطت كل المدن،  فلن يحبط هذا الأمر عزيمتنا،  ويجب أن تكون معنوياتنا مرتفعة وحالتنا النفسية قوية)..
وأراد تحضير جمهوره لتقديم مزيد من الهالكين في مقاتلة الشعب السوري الأعزل، فقال لهم: (هذه الحرب لو "استشهد" فيها نصفنا وبقي النصف الآخر ليعيش بكرامة وعزة وشرف سيكون هذا الخيار الأفضل. بل في هذه المعركة،  لو استشهد ثلاثة أرباعنا وبقي ربع بشرف وكرامة سيكون هذا أفضل. إن شاء الله،  لن يستشهد هذا العدد. ولكن الوضع يحتاج إلى تضحيات كبيرة لأن الهجمة كبيرة،  .. والكل الآن في المعركة ضدنا)..
غاب الوعيد للسوريين بالحسم- يعني إبادتهم لإبقاء الطاغية- وحل محله التلويح بإمكان سبي الشيعيات!!

 

 

حشود لم تمنع الهزائم 
لا شك في أن خطب نصر الله مرآة تعكس ما يجري على الأرض،  فبالرغم من تدفق القتلة الطائفيين من كل أنحاء الأرض،  ومن دعم طهران لبشار بلا قيود، وتواطؤ أمريكا لإجهاض الثورة السورية، طارت إدلب وجسر الشغور من أيدي العصابات الصفوية، وتقدم المجاهدون في مناطق مختلفة، حتى إن النظام وحلفاءه أصبحوا يفكرون بكل جدية في  الفرار من  دمشق نحو الساحل..
فالسباب والتخوين والتخويف من السبي، كلها مؤشرات على حنقه من نتائج المعارك الأخيرة،  من سقوط إدلب المدينة والمحافظة كلها إلا قليلاً،  ومن انتكاسته المزرية في القلمون بعد تبجحه المكثف..
وهو محاولة استباقية لاحتواء بوادر التذمر  في الطائفة في لبنان من ارتفاع عدد قتلاها، ولذلك أصبح حزبه يلاقي  صعوبات جمة في  تجنيد الشباب فصار يجنّد الأطفال..

 

 

وتحدثت مصادر مستقلة عن بداية شح موارده المالية، فبعد أن كان يدفع بسخاء أصبحت الرواتب تتأخر، كما أن الشيعة المعارضين لتبعيته المطلقة لإيران ولجرّه الطائفة إلى مقتلة في سوريا، ارتفعت أصواتهم وباتوا أكثر جرأة في مواجهة طغيانه القائم على الترغيب والترهيب.. وراحوا يسخرون من اتهامه لهم بالعمالة للسفارة الأمريكية ببيروت.. ردوا له الصاع صاعين في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة.. كتبوا له:
#لسنا خونة ولا عملاء..الخونة هم الذين يدعوننا لركوب سفينة حمولتها جثث وضحايا،  وسلاح يستعمل للتهجير والدفاع عن طاغية.
#الخائن والعميل هو الذي يشاركُ على أرض غيره في فعلٍ كريه ولئيم
#الخائن هو الذي يستعمل سلاحه كأداة تطويع للمواطنين ووسيلة قتل وتنكيل لهم
#الخائن هو الذي يستغل الشيعة في حروبه استغلالاً خاليا من أي ورع وأي أخلاق
#الخائن هو الذي يسيء للشيعة وأحوالهم وتعايشهم وعلاقاتهم من دون أن يرف له جفن!!

 

 

احتمال معقول وآخر مخيف
في النظم والمنظمات الشمولية والمغلقة، يجري تقديم كبش فداء في المنعطفات القاسية، لتحميله وزر البنية الفاسدة للنظام أو المنظمة..ولذلك لا يُستبعد أن يقرر خامنئي فجأة إقالة نصر الله من موقعه، سواء أكانت إقالة ناعمة تتضمن "تكريمه" على "مآثره"الدموية، أم كان إزاحة بطريقة ما وتحميل "التكفيريين" المسؤولية،  ولدى هؤلاء من  الرعونة ما يكفي  لكي يتبنوا  أعمالاً كهذه  لم يعلموا بها إلا من الإعلام!!

 

 

الاحتمال الآخر-وهو مبني على استشعار نصر الله لإمكان تحقق الاحتمال السابق- يتمثل في إطلاق موجة اغتيالات دموية وحشية على غرار سجله المخزي في قتل الشخصيات اللبنانية البارزة لدى مختلف الطوائف، وبذلك يخلط الأوراق ربما في المنطقة بأسرها..

 

*****

 

في جميع الأحوال: ولى حسن نصر الله صاحب الانتصارات الإلهية المفتراة، وجاء زمن حسن نصر الله المأزوم، ويليه زمن حسن نصر الله المهزوم بإذن الله..