الإعلام التركي ودوره ضد العدالة والتنمية
6 رمضان 1436
أمير سعيد

لا أعتقد أن الإعلام التركي الأتاتوركي يبتعد كثيراً عن الإعلام المصري المناظر عندما ساهم بتغيير قناعات كثير من المصريين تجاه الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي وأركان حكمه؛ فبخلاف التعاطي الساذج مع القضايا السياسية والاجتماعية، والاستخفاف الزائد بعقلية المتلقي؛ فإن كليهما متسق مع الآخر من حيث الآليات والأدوات المستخدمة في إطاحة النظام المصري، ومحاولة إطاحة التركي المتحالف معه.

 

 

ولعل تشابها يبلغ حد التطابق في كثير من الأحيان ينبئ عن وحدة التوجه والتوجيه الذي يحركهما؛ فسلاح الشائعات المستعمل بغزارة منقطعة النظير في "الديمقراطيات"، والذي لا تجده متبعاً على هذا النحو في أعرق الديمقراطيات الغربية، التي يحترم إعلامها القواعد العامة للتنافس، تستطيع تحسسه في كل وسيلة إعلامية كرست جهدها كله في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية التركية، شأنها شأن الاستحقاقات المصرية المكافئة، بحيث لا تكاد تخلو وسيلة من سيل فائض من الشائعات للنيل من خصومها، بل أعدائها السياسيين.

 

 

الإعلام التركي العلماني في الانتخابات الماضية، وما قبلها، لم ير في المشهد غير أردوغان وحزبه، لم يكد ينتقد أي قوة أو تيار منافس آخر، واتخذ هذه الوسائل غير الشريفة للإطاحة بالحزب ذي الجذور الإسلامية، وزعيمه المؤسس أردوغان:

 

1 – إثارة الشائعات: وهذا توجه تعمد إليه كل وسائل إعلام المارينز في المنطقة، وهي ليست فيه بعيدة عن وسائل الإعلام الغربية في هذا الصدد.
والمبدأ الجوبلزي في هذا معروف: "اكذب اكذب فلابد أن يصدقك الناس يوماً ما"، ولكن يضاف إليه الآن أن إعلام المارينز قد بات أقل تحفظاً في حرق نفسه بالابتعاد عن المصداقية والمعقولية، لأن هدفه الذي يدركه جيداً أنه "خادم للسياسة"، وليس "سلطة رابعة"، فبخلاف ما كان معمولاً به أيام جوبلز وزير دعاية هتلر؛ فإن الإعلام بات قادراً على تغيير جلده بسهولة جداً، إذ ما أيسر أن تغير اسم القناة أو الصحيفة بعد أداء دورها في الدعاية السوداء ضد الأحزاب والقوى ذات التي تعمل على الحفاظ على الهوية وتسعى للاستقلال الحقيقي، وتبدأ بثوب جديد ودور مختلف بعد أي تغيير، سواء أكان انتخابي أو تمهيد لانقلاب بشكل "ثوري".

 

 

ولقد تنوعت قائمة الشائعات التي سبقت الانتخابات البرلمانية التركية داخلياً وخارجياً؛ فأثارت غباراً حول "استقلال القضاء"، و"الاستبداد"، و"الفساد"، وتدنت إلى أن استخدمت فكرة إشاعة طلاء مراحيض القصر الأبيض الذي يتخذه أردوغان مقراً للحكم، بالذهب! إلى قصة الانتخابات المزورة التي أتت بالعدالة والتنمية، والتي يروجها كتاب الكيان الموازي في صحف زمان وحرييت وغيرها، كمثل ما قاله محمد كاميش– صحيفة زمان 8 يونيو: "الادعاءات الواردة حول وقوع تلاعب في نتائج الانتخابات السابقة والتي باتت ظاهرة ومعلومة للقاصي والداني لعبت دوراً إيجابياً في ظهور شعور بالمسؤولية لدى المجتمع والأحزاب".

 

 

لكن الأخطر، كان تحريض القوى الكبرى على تركيا عبر اتهام حكومتها واستخباراتها بدعم فصائل "إرهابية" و"متطرفة"، لم توفر أي فصيل، حتى تنظيم الدولة الذي اتهم إعلام الكيان الموازي الاستخبارات التركية بدعمه، بما يمثل جريمة قد تصل إلى الخيانة بما تمثله من كشف أسرار دولة، وتعريض أمنها للخطر الخارجي (ثبت كذب مزاعم صحيفة جمهوريت تلك فيما بعد الانتخابات بحسب تحقيقات النيابة العامة التركية)، وكمثل ادعاء صحيفة حرييت التركية بأن "جيش الفتح تديره أنقرة وتموله السعودية"!

 

 

2 – توحيد الهدف، والتقليل من الفوارق الجوهرية بين الأحزاب: وهذا مألوف في كل بلد يوجد فيه حزب إسلامي أو يسعى أن يكون ذا مرجعية إسلامية، إذا يتفرغ الإعلام المارينزي كله له، ويعمد إلى تجاهل كل سلبيات القوى الأخرى برغم أن الإعلام بحد ذاته لابد وأنه يتعاطف مع هذه القوى أو تلك، ولابد أنه يلحظ مآخذات على منافسيها، فكان المنطق يقتضي أن نجد مثلاً إعلاماً ينتمي للحزب القومي التركي يهاجم حزب الشعوب الكردي، لكن هذا كان محدوداً للغاية، وكذا كان منطقياً أن تجد إعلام الشعوب يهاجم حزب الشعب الأتاتوركي الذي قوض أحلام الأكراد، لكن ذلك لم يحصل تقريباً، إذا كان الهدف هو إسقاط حزب أردوغان ليس إلا. فأصبح، أردوغان مستبد، وحزبه يستحوذ على السلطات، وأهله ووزراؤه فاسدون.. الخ

 

 

وهذا شاهدناه في مصر تحديداً حين تشكل جبهة الإنقاذ التي كانت تملك التأثير على وسائل إعلام عديدة، وتملك بعضها، وهي أيضاً تجاهلت الفروق الجوهرية بين هؤلاء "الحلفاء" الذين يكونون كياناً شاذاً، يجمع بين اليسار واليمين، الناصرية والليبرالية.. الخ، لكن هذا التناقض الفج لم يلحظه إعلام مصر حتى أدت جبهة الإنقاذ دورها في إطاحة العدو الحقيقي للجميع.

 

 

3 –  الترهيب من مستقبل تركيا بسبب سياستها الخارجية الحرة: فبعد أن أصبح التحريض الخارجي على عمل الحكومة واتهامها بدعم الإرهاب، وتنظيم الدولة تحديداً، المصنف دولياً كتنظيم إرهابي أعلنت القوى الدولية الحرب عليه؛ فإن الإعلام المارينزي كان حريصاً على ترهيب الشعب التركي من مستقبل تركيا في حكم العدالة والتنمية بأنه سيستدعي تدخلاً خارجياً قد يعرض أمن البلاد للخطر، وحرص الإعلام على مقايضة الاقتصاد التركي المزدهر الذي حققه الحزب معدلات نمو غير مسبوقة به، بالأمن، مثلما فعل نظيره في دول أخرى.

 

 

وبعد الانتخابات..
حرص إعلام المارينز على تهيئة الناخب التركي للقبول بحكومة ائتلافية بين أحزاب متناقضة تماماً في برامجها، وغض الطرف كثيراً عن هذا، وانشغل بإفشال مساعي رئيس الحكومة التركي أحمد داود أوغلو في تشكيل حكومة ائتلافية..
كذا انشغل بالحديث عن أن "منصب رئيس الجمهورية أصبح مفتوحاً للنقاش من الآن فصاعداً. لأن أردوغان هو من وضع استراتيجيات العدالة والتنمية في الانتخابات وسياسة الاستقطاب عبر قيادة حملات انتخابية لمطالبة الشعب بالتصويت لصالح العدالة والتنمية".. كما يقول الكاتب كاميش، ومن يدري؛ فلعل هذا "النقاش" يتطور إلى 33 مليوناً "يملؤون الميادين" من أجل الإطاحة بأردوغان المنتخب بنسبة 51% وهي نفس نسبة فوز د.مرسي، مثلما قرنت مؤسسة دوغان التركية للإعلام (الصهيونية بالحصة الأعلى في أسهمها)..