أحمد منصور.. قضية عصر أم محنة شخص
12 رمضان 1436
منذر الأسعد

لماذا أخذ توقيف الإعلامي أحمد منصور في ألمانيا 48 ساعة كل هذه الضجة إعلامياً وسياسياً وحقوقياً؟

 

هذا السؤال ذو المظهر البريء يطرحه بعض الناس، بناء على أن مئات الأشخاص يتم اعتقالهم في العالم كل يوم، ولا يخلو هؤلاء من أناس يجري احتجازهم ظلماً..

 

الطالب والمُطالَب والمطلوب!!

وراء تحوّل مسألة منصور من وضع شخصي إلى أزمة كبرى، تكمن ثلاثة عناصر جوهرية، أولها: أنه إعلامي مشهور وتقف وراءه شبكة الجزيرة بثقلها الكبير عربياً ودولياً. والعامل الثاني: أن التوقيف تم في بلد ديموقراطي غربي يفتخر بمؤسساته وبالفصل بين السلطات حيث يتمتع القضاء باستقلال تام –على الأقل كما يزعم أهله!- ولو أن احتجاز أحمد منصور وقع في بلد من بلدان العالم الثالث لكان الأمر مختلفاً جداً..

 

وأما العنصر الثالث فهو سوء سمعة القضاء المصري في الخارج منذ 3/7/2013م.. بصرف النظر عن بيانات الخارجية المصرية وغيرها من أجهزة السلطة التنفيذية، التي تدّعي العكس وتصر على أن القضاء المصري مستقل، لكن ادعاءاتها في نظر الدول الأخرى بما فيها الدول الغربية، التي ثبت أنها مع الانقلاب، ليست سوى شيكات بلا رصيد – بحسب الكاتب والإعلامي جمال سلطان -.

 

الإعلام الفج

خلال الساعات التي كان منصور فيها محتجزاً في ألمانيا، كان أداء الإعلام المصري يخدمه من حيث أراد القائمون عليه أن يسيئوا إليه.. بدا الأمر في نظر المراقب المنصف تشفياً وتصفية حسابات فئوية وشخصية وسياسية، وهو ما اعتمد عليه محامو منصور، لمنع السلطات الألمانية من تسليمه إلى القاهرة.

 

كان الإعلاميون في حالة هستيريا مكشوفة، تشبه – في المخيال الغربي- حفلات مطاردة محاكم التفتيش للساحرات في القرون المظلمة!

 

في المقابل، حظي أحمد بتأييد جارف لدى الإعلاميين الغربيين بعامة، والألمان منهم بخاصة، فضلاً عن هبة المنظمات الحقوقية الغربية والأممية، بما فيها المؤسسات المختصة بالحريات الصحافية.

 

وكان الاتحاد الدولي للصحفيين أكد أنه سيتدخل لدى أعلى المستويات في الحكومة الألمانية للمطالبة بإطلاق سراح منصور, مستخدماً "حقه القانوني العالمي في تمثيل الصحفيين والدفاع عنهم". وقال رئيس الاتحاد جيم بوملحة:إن الاتحاد والنقابات المنضوية فيه، بما فيها نقابتان ألمانيتان تضمان سبعين ألف صحفي، يدينون بشكل كامل ما قامت به الشرطة الألمانية.

 

ذلكم الزخم الهائل، أصبح عنصر ضغط هائلاً على حكومة إنجيلا ميركل، التي أخذت وضع الدفاع الصعب في مواجهة هجوم صارخ، شارك فيه قادة من حزبها الحاكم.

 

صفقة سيمنس؟!

الكاتب البريطاني الشهير وصاحب المشاكسات العروفة روبرت فيسك استنكر توقيف السلطات الألمانية للإعلامي منصور، واعتبره ضربة موجعة لديمقراطية ألمانيا تحت قيادة المستشارة أنجيلا ميركل. وأضاف فيسك في مقال نشرته له صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في 22 يونيو, أن توقيف منصور جاء استناداً إلى مذكرة صادرة مما سماه نظاماً قمعياً حَكَمَ على رئيس منتخب بالإعدام. وربط فيسك بين توقيف منصور والصفقة, التي وقعها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع شركة "سيمنز" الألمانية العملاقة, والتي تقدر قيمتها بنحو ثمانية مليارات يورو، وتساءل "إن كان ثمن هذه الصفقة حرية صحفي؟"

 

أبعد من الشخص وقناته

مع تقديري التام لموقع أحمد منصور في صدارة المشهد الإعلامي العربي-جعلته الساعات الـ48 عالمياً- واعترافي بمكانة قناة الجزيرة وصوتها المؤثّر تأثيراً قوياً وضاغطاً على صُنَّاع القرار، فإن هذه الواقعة تكشف بجلاء أننا ما زلنا في عالَمٍ شديد الهشاشة، حيث يتضح المستوى المتدني من حقوق الإنسان غير الغربي، حتى في بلدان غربية عريقة كألمانيا!!

 

وهنالك وقائع كثيرة تؤكد هذه الهشاشة، وأن حقوق الإنسان ما زالت انتقائية 100% وليست إنسانية كما يزعم تجارها.

 

فإذا كانت ألمانيا المتباهية بديموقراطيتها ترضخ لطلب سلطة من سلطات العالم الثالث، من أجل صفقة مالية، فمنذا الذي سيصدق شعارات حقوق الإنسان إلا بمعنى واحد، هو: حقوق الإنسان الغربي شريطة انتمائه إلى أي ملة غير الإسلام؟!

لذلك كان عنوان هذا التقرير، أنها قضية عصر وليست محنة شخص انتهت بسلام.