جدل في تركيا حول أمن الانتخابات
28 رمضان 1436
إسماعيل ياشا

النظام الديمقراطي يعني مشاركة المواطنين في إدارة البلاد وصنع القرار وممارسة حقهم الدستوري في اختيار ممثليهم في البرلمان من خلال انتخابات حرة ونزيهة تتجلى بها إرادة الشعب. وبالتالي، لا بد من توفير أجواء آمنة وسليمة يستطيع فيها الناخب أن يدلي بصوته لأي حزب يريده وبكامل إرادته لإجراء انتخابات خالية عن شوائب التزوير. وإلا لا يمكن الحديث عن الديمقراطية حتى ولو وضعت صناديق الاقتراع أمام الناخبين وأجريت الانتخابات، لأن نتائجها لا تعكس إرادة الشعب.

 

 

الانتخابات البرلمانية التي أجريت في تركيا في السابع من الشهر الماضي انتهت، ولكن الجدل حول أمن الانتخابات ومزاعم التزوير في بعض المناطق ذات الأغلبية الكردية لم ينتهِ بعد، لأن النتائج الرسمية التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات أظهرت أن هناك مئات القرى في المناطق الشرقية أدليت فيها الأصوات كلها لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، دون أن يحصل أي حزب آخر على صوت واحد.

 

 

كانت نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت في عموم البلاد إلى 86.43 بالمائة، إلا أن هذه النسبة ارتفعت في تلك القرى التي صوَّت فيها الناخبون كلهم لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، إلى 100 بالمائة، ولم يمتنع أو يغب أحد من الناخبين عن التصويت، بل في بعض الصناديق كان عدد الأصوات أكثر من عدد الناخبين المسجلين. وكان مجموع الأصوات التي ألغيت في هذه الانتخابات تجاوز 1.3 مليون صوت، ولكن صوتا واحدا لم يتم إلغاؤه في تلك القرى، بل جميع الأصوات أدليت بشكل صحيح.

 

 

هذه المعطيات أثارت الشكوك وعلامات الاستفهام حول احتمال التزوير لصالح حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات في تلك المناطق، إلا أن النتائج الرسمية التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات نهائية ولا يمكن الطعن فيها بعد إعلانها. وبالتالي فإن الهدف من إثارة الموضوع الآن والنقاش حول أمن الانتخابات هو لفت الأنظار إلى مكامن الخلل لاتخاذ التدابير اللازمة في الانتخابات القادمة.

 

 

التزوير في الانتخابات التركية شبه مستحيل لوجود مراقبين من الأحزاب السياسية في مراكز الاقتراع يتابعون سير عمليتي التصويت والفرز، إلا أن الحديث يدور حول تهديد حزب العمال الكردستاني في تلك المناطق ممثلي الأحزاب الأخرى بالقتل إن قبلوا القيام بمهمة المراقبة في الانتخابات، بالإضافة إلى تهديد سكان القرى بالمعاقبة إن صوَّت أحد منهم لصالح حزب آخر غير حزب الشعوب الديمقراطي.

 

 

هناك انتقادات توجَّه إلى الحكومة بشأن التساهل في توفير الأجواء الآمنة لإجراء الانتخابات والتغاضي عن الضغوط التي يمارسها حزب العمال الكردستاني على الناخبين في المناطق الشرقية ذات الأغلبية الكردية سواء خلال الحملات الانتخابية أو خلال عميلة التصويت. ويأتي جزء من هذه الانتقادات من أكراد إسلاميين مؤيدين لحزب العدالة والتنمية، ويقول هؤلاء إن الحكومة تركت المنطقة -إن صح التعبير- لحزب العمال الكردستاني خوفا من فشل عملية السلام الداخلي. وفي ظل هذه النتائج والانتقادات، خرج قياديون من حزب العدالة والتنمية يتحدثون في تصريحاتهم عن شكوك وتجاوزات شابت الانتخابات، وكأن الحكومة ليست مقصِّرة في تحمل مسؤوليتها وأن غيرها هو المسؤول عن توفير الأجواء المناسبة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

 

 

المعارضة يمكن أن تشتكي من عدم قيام الحكومة بما يجب لضمان أمن الانتخابات وسلامتها، ولكن الحكومة ليس من حقها أن تشتكي من ذلك، لأنها هي المسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الناخبين حتى يدلوا بأصواتهم لصالح الأحزاب التي يؤيدونها بإرادتهم الحرة دون التعرض للضغوط والتهديد.

 

 

حزب الشعوب الديمقراطي المسموح له بالعمل السياسي في تركيا، يعتبر أحد أجنحة حزب العمال الكردستاني، وبعبارة أخرى فإنه الحزب السياسي الوحيد الذي له جناح مسلح. ولحل جذري ومنافسة عادلة بين الأحزاب السياسية في جميع أنحاء تركيا، لا بد من تخلي حزب الشعوب الديمقراطي عن جناحه العسكري، وهو أمر يبدو مستحيلا في الظروف الراهنة، أو يعلن حزب العمال الكردستاني عن إلقاء السلاح، على الأقل في الأراضي التركية، وعدم ممارسة الضغوط على الناخبين لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، وإلا لا يمكن الحديث عن إجراء انتخابات تعكس إرادة الشعب في جميع مناطق البلاد.

❍  @ismail_yasa

 

المصدر/ العرب القطرية