ما زال الجدل الساخن على أشده بين السعوديين، منذ مباراة السوبر التي أجريت بين الهلال والنصر في العاصمة البريطانية، وظهرت في أثنائها سعوديات متكشفات ومتبرجات.. فقد استمر الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعي –ولا سيما تويتر ذي الشعبية الكبرى في المملكة-، ودخلت أقلام في الصحف المطبوعة على خط القضية، التي شغلت الرأي العام، بالنظر إلى حساسية وضع المرأة ومكانتها في مجتمع مسلم محافظ.
الأكثرية الساحقة استنكرت ما وقع باعتباره خروجاً على أحكام شرعية واضحة وقطعية، وانتهاكاً لثوابت الأعراف الاجتماعية المستمدة من الإسلام، وهو جوهر الهوية للبلد وأهله، ومصدر فخرهم واعتزازهم.
اندفع بعض المتحمسين وبالغوا في إظهار غضبهم، فوقعوا في مخالفات ينهى عنها الشرع المطهر، من شتم وقذف واتهامات جائرة لا يجوز إطلاقها جزافاً.
واستغل مرضى النفوس تلك الأخطاء التي لا يقرها الشرع ويحذّر أهل العلم والدعوة من اقترافها، فحاولوا تزييف القضية ونقلها من موضعها..
أحدهم لم يجد من الحياء ما يمنعه من مخاطبة الساخطين على هذا المنكر الكبير، بقوله: تريدون أن تقولوا بأن صور المشجعات الحسناوات اللواتي ظهرن في مدرجات المباراة اللندنية لا تمثلنا.. هذا صحيح.. إنها تمثل لندن.. قلب العالم النابض والمدينة التي امتزجت بثقافات العالم من شرقه إلى غربه دون أن تتخلى عن إطارها التقليدي العريق!!
ونسي هذا الرويبضة أن لندن لم ولن تمثل المجتمع السعودي المسلم بحال من الأحوال.. فلندن وأشباهها لا تمثل سوى التغريبيين الذين ارتضوا أن يكونوا نسخاً ممسوخة من الأمم الأخرى، ولذلك كانوا وسيبقون يشعرون بأنهم غرباء عن هذا المجتمع..
أحدٌ آخر من المدرسة العليلة ذاتها، كان أكثر صفاقة فأطلق على الشعب المحتج كله وصف (المرجفين) على طريقة: يكاد المريب يقول: خذوني! بل إنه يتهم الجمهور العريض كله بأنهم مجموعة من الجهلة، يسيرون وراء مغرضين يحركونهم لدوافع ذاتية!! وقال-فضّ فوه-: فقد أشاع المرجفون أن ترحيل المباراة إلى دولة أوروبية يستهدف في طياته ضرب كيان الأسرة من خلال الأم والأخت والزوجة بتمكينها من دخول الملاعب الرياضية، وما مباراة الهلال والنصر إلا فخ لإيقاع المجتمع في براثنه مستقبلا.
وقد تم تثبيت هذه الإشاعة في أذهان الكثير ممن يسير وفق ما يسمع (من غير فهم أو تحليل لما يسمع)، وفي نفس الوقت أثبتت ضحالة ورقة وعينا بما يحدث والانقياد للمحرضين، سواء في الجانب القولي أو الفعلي!
وأضاف: ربما يستوعب المرء دوافع المرجفين في توزيع ظنونهم وتجييش المجتمع لأي إشاعة، وفي نفس الوقت يستعصي فهم بعض الجماهير المنقادة لما يقال لها، وهذه النقطة هي التي قصدت بها أن عجلة أكاذيب المرجفين أسرع من وعينا.
وتلك هي صفة المتغربين في كل مكان: اتهام الأمة كلها بالجهل، لأنها تأبى الانصياع لتغريبهم!!
وفي الختام يناقض نفسه عندما يقول: ووجود السيدات المحتجبات والمنقبات تشير أيضا إلى أن الناس أحرار في حياتهم: كيف يعيشون وكيف يتحركون لا يعصمهم إلا دينهم الذي ارتضوه لأنفسهم!! فهو يعترف بأن الحجاب من سمات المتدينات والسفور من صفات غيرهن!!
الكاتب المعروف الأستاذ محمد معروف الشيباني وضع يده على الجرح، وأعاد بإيجاز بليغ وضع القضية في سياقها الصحيح، عندما كتب مقالاً مختصراً جاء فيه:
الغضبةُ الاجتماعية) العارمة التي اجتاحت السعوديين، رجالاً ونساءً، لمستوى التبرج المُشينِ لفتياتٍ قِيلَ إن كلّهُنَّ سعوديات في مباراة السوبر بلندن فاقَ 90% بقياس ردودِ أفعالِ المجالسِ الأُسريّةِ المُتحاورة.
لذا ينبغي شكر MBC ومُخرِجِها الفذّ.. قدَّما للدولة وللمجتمع، لأول مرةٍ، (توْثيقاً) للمستوى المُستهدفِ من مطالبةِ دخول السعوديات ملاعبَنا.
وبذا جَعَلا الحوار الاجتماعيَّ، وتبعاً له القرار السياسيَّ، يَخرجان من دائرة (التنظير) التي يَنْشطُ فيها الليبراليّون إلى (التّوْثيق) الذي يدحضُ التشكيك.
كنتُ أظنُّ التيّار المُنظّمَ أكثر دهاءً.. إذاً لاستأجَر لملعبِ لندن سيداتٍ أكثر احتشاماً وأَلْبَسهُمْ ما يَرتَضيهِ لأُختِه أو ابْنتِه للملعب.. وقتَها كان سيُفْحمُ مُعارِضي فكرتِه اجتماعياً وسياسياً ويُزينُها.. لكنْ أرادوا زيداً وأراد الله عمْرواً.
لذا أرى الفكرة وُئدتْ، بهذا التصرفِ الصّبْيانيِ، لسنواتٍ.
فذاكَ التبرجُ الفاضحُ المُوثَّقُ لا يَرتضيه السعوديّون ديناً وغَيْرةً ومُروأَةً..و لا يملكُ أيُّ قرارٍ سياسيٍ أن يتحمّلَ أوْزاره يوم لا ينفع مالٌ ولا بَنُون.
فشُكْراً لمَنْ (وَثَّقَ) ما أضَلَّهُ الله به على عِلْمٍ أو على جَهْل.