التحريض على "الإرهاب" في تونس
4 ذو الحجه 1436
خالد مصطفى

لم تستفد تونس من الأخطاء التي وقعت في بلدان عربية أخرى وبالتحديد التوجهات العلمانية في البلاد والتي تسيطر مع الأسف على الحكومة الحالية التي كان من المفترض أن تفتح صفحة جديدة مع التيارات المختلفة وخصوصا التيارات الإسلامية التي عانت بشدة من ظلم نظام بن علي لفترة طويلة وكان أحد أسباب قيام ثورة الياسمين التي تعد الحكومة الحالية أحد نتائجها...

 

الحكومة الحالية نست أنها لم تكن لتأتي إلى سدة الحكم من خلال انتخابات حرة بدون الثورة وانقلبت على مبادئ الثورة وبدأت في إقصاء منظم للتيارات المعارضة لها بحجة مكافحة "الإرهاب" وقامت بعزل عدد كبير من الأئمة "المعتدلين" والتابعين لحركة النهضة المشاركة في الحكومة بوزير والفائزة بالمركز الثاني في الانتخابات البرلمانية فإذا كان هؤلاء الأئمة من "المتطرفين" أو الذين يحثون على "العنف" فلماذا قبلت بمشاركة حركة النهضة في الحكم؟! وكيف تتجاهل ثقة الشعب في الحركة حيث منحها ثاني أكبر عدد من المقاعد؟!..

 

إن التيار العلماني في تونس والذي دعا بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية إلى تعاضد القوى الوطنية من أجل إنقاذ تونس من الوضع الاقتصادي والأمني المتردي بدأ ينقلب على هذه التفاهمات والمبادئ رغم ما تعانيه البلاد من مصاعب جمة وبدا يعود إلى عهد بن علي في طريقة الحكم...

 

إن البلاد التي سارت على نهج تجفيف المنابع من اجل محاربة "الإرهاب" أشعلت المزيد من بؤر العنف وزادت من موجة التطرف والغلو فالحل ليس في كبح الشعور الإسلامي ولكن في تنميته وتهذيبه ونشر الوعي الصحيح...إن موضوع عزل الأئمة في تونس بدون تحقيق واضح وشفاف ومن قبله إغلاق عدد كبير من المساجد أثار موجة كبيرة من الغضب والمطالبة بإقالة وزير الشؤون الدينية الذي يريد شق الصف الوطني في وقت تحتاج فيه البلاد إلى الوقوف يدا واحدة للتغلب على الصعاب... لقد شن زعيم حزب النهضة راشد الغنّوشي هجوما عنيفا على قرارات وزارة الشؤون الدينية وأكد رفضه التّام لها وأشار إلى أن الوزير “ينتهج سياسة الماضي من خلال تجفيف الينابيع”. وتابع “نحن ضد العزل التعسّفي للأئمة وضد العودة إلى سياسة النظام السابق التي يسلكها الوزير القائم، ليس لدينا مشكل مع الوزير ولكن لدينا مشكلتنا مع هذه السياسية التي لا نراها في خدمة الاستقرار أو مجهود محاربة الإرهاب”. ولفت إلى أنّ العزل الذي مارسه الوزير ضدّ الأئمة الذين جاءت بهم الثورة، “عشوائي استند إلى منطلقات إيديولوجية يعود بتونس إلى العهد الماضي، ويعطي صورة عن الحكومة باعتبارها تحارب الدين، وبالتالي يُقدّم خدمة للإرهابيين”، كما عبّر المجلس النقابي الجهوي للأئمة وإطارات المساجد بصفاقس عن “انزعاجه من مظاهر الفوضى والاحتقان الشعبي في عدد من المساجد نتيجة إعفاءات ظالمة ومتعسفة بحق مجموعة من خيرة الأئمّة في البلاد.”...

 

ما يجري في تونس جرى في بلدان عربية أخرى واجهت شيح العنف منذ سنوات طويلة ولم تستطع التغلب عليه حتى هذه اللحظة لأنها اعتمدت الحل الأمني والإقصائي..إن الحزب المسيطر على الحكومة الحالية يحاول أن يحقق مكايب انتخابية بعد فشله في مواجهة الأزمات التي توجهها البلاد فلم يجد أمامه سوى إبعاد المنافسين والتضييق عليهم ومحاولة إلقاء أزمة العنف في أحضان التيار الإسلامي "المعتدل"...

 

إن النكوص على مكاسب الثورات والالتفاف على العهود التي قطعتها الحكومات أمام الشعوب ينذر بعواقب وخيمة ويصب في مصلحة تيارات العنف والغلو ويزيد من وقودها وعلى من لا يصدق النظر في كتب التاريخ.