يصر المتغربون المنسلخون عن هويتهم وأمتهم، على أن الغرب نموذج للشعور الإنساني الرفيع!! بل إن الهوى الأعمى يدفعهم إلى الافتراء على التاريخ الأممي كله، عندما يزعمون أن التعامل الغربي مع الإنسان بصرف النظر عن دينه ولونه وعرقه، هو تعامل غير مسبوق على امتداد التاريخ منذ أن عرف البشر الكتابة ودوَّنوا الوقائع ووثَّقوا الأحداث.
لذلك فليس من الحكمة مناقشة هؤلاء مناقشة موضوعية، ترى الحقائق كما هي، وليس من خلال نظارات ملوّنة تعكس الأهواء والمصالح، وتلك نصيحة أبي الطيب منذ أكثر من ألف عام:
ومن البلية عذلُ من لا يرعوي ** عن غيّه وخطاب من لا يفهمُ
لكن بسط الأمر وتعرية الأباطيل، تفيد أبناءنا الذين يعكف عبيد الغرب على غسل أدمغتهم، بحكم سيطرتهم بالقوة على مقاليد التعليم والإعلام في أكثر ديار المسلمين.
فهم على طريقة: عنز حتى لو طارت، يتظاهرون بالعمى والصمم، عن إبادات غربية منهجية لملايين البشر، بحسب توثيق مفكرين ومؤرخين غربيين، كنعوم تشومسكي وويل يورانت وأمثالهما من القلة الشجاعة التي صدعت بشهادة الحق في وجه قوى عاتية.
لم تكن إبادة السكان الأصليين في الأمريكتين وأستراليا، عملاً فردياً عابراً، كما لم تكن عملية استئصال المسلمين- واليهود!- من الأندلس حدثاً طارئاً..
والأمر نفسه ينطبق على استرقاق عشرات الملايين من الأفارقة بالقوة النارية، وشحنهم بسفن الأغنام إلى أمريكا.
وأما إقامة الكيان الصهيوني على حساب شعب فلسطين، ودعم سياسته العدوانية والتوسعية، فلا يختلف في المبدأ عن الاحتلال الفرنسي للجزائر والذي كان استيطانياً وحشياً، يريد جعل الجزائر أرضاً تابعة لفرنسا، إلا أن المشروع اليهودي يحظى بإجماع غربي على مناصرته خلافاً لأبجديات الحق والعدل..
وأما غزو العراق وأفغانستان وفيتنام و............... فهو بحسب مزاعم التغريبيين، خطوة لنقل "الديموقراطية" !! مع أن الغزاة أنفسهم يعترفون اليوم بأن تلك أخطاء قاتلة!! ومع أن النظام الذي أقامه المحتل الغربي في بغداد مثلاً نظام طائفي همجي يقتل الناس على الهوية، على يد طبقة سياسية فاسدة تجمع بين الدموية والنهب المنتظم للمال العام والتبعية العمياء للأجنبي الطامع: خامنئي!
لنأخذ شاهداً طازجاً: مأساة المهجَّرين السوريين!!
فالذي صنعها هو نيرون العصر، بتواطؤ غربي لم يعد سراً.
و الغرب هو الذي منع –وما زال يمنع- السوريين من حقهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم –هو حق مشروع حتى بميثاق الأمم المتحدة!-
لا داعي لأن أعرض هنا السلوك الغربي المخزي من تدفق اللاجئين السوريين بقوارب الموت، على أوربا، فراراً من الإبادة الجماعية التي ينفذها صبيهم العميل تحت إشرافهم..
يكفي أن أقول ما قاله روبرت فيسك: إنه عار الغرب!!
وبعد المهزلة المضحكة المبكية، ها هي عواصم الغرب تتنافس في الدعوة المجرمة لإعادة تأهيل هولاكو العصر والزمان: بشار الأسد!
المضحكم/ المبكي أن ألمانيا التي بدت كأنها أقل السيئين سوءاً في تعاملها مع موجات اللجوء السوري، أبت إلا أن تبدو على حقيقتها، عندما اختارت أن تمنح جائزة إريش-ماريا-ريماك للسلام لمجرم الحرب : أدونيس، الذي يعلن بصفاقة عن تأييده لمجازر سفاح الشام، فقط لأنها تستهدف المسلمين وحدهم!!
فأي سلام يخدمه مجرم بهذه الدناءة؟
أليس الذين منحوه الجائزة فاقدين للحكمة، وليسوا معدومي الضمير فقط؟
أمام هذه المفارقات التي لا تنتهي، أجدني أردد –من غير تعمد- قول الحق تبارك وتعالى مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم 0 وأمته من بعده-:
{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } سورة البقرة/الآية 120