الطريق إلى هزيمة أعداء الأمة
15 ذو الحجه 1436
عادل حسن الحمد

تتوالى على الأمة بشائر النصر في كثير من بقاع الأرض، ومن هذه البشائر دخول الجيش الروسي أرض الشام لمحاربة المسلمين، في تحالف مع قوى الشر في الأرض؛ إيران، وأمريكا، واليهود.
وهذه البشارة نستقيها من قوله تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب: 22].

 

 

 

 

 

نعم حوصرت المدينة، وبلغت القلوب الحناجر، وظن المنافقون بالله الظنونا، ولكن أعقب ذلك : ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) [الأحزاب: 25 - 27].
فكيف يتحقق لنا في سوريا ما تحقق للصحابة في المدينة عندما حاصرهم الأحزاب؟

 

 

 

 

 

حتى يتحقق لنا ذلك بإذن الله الذي لا يخلف وعده لابد من أمور نراعيها، منها:
أولا: الذي نصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه في المدينة، هو الله وحده، كما قال نبينا (وهزم الأحزاب وحده)، وهو الذي نرجو منه النصر في سوريا، وحده لا شريك له، فلا نرجو النصر من دول الكفر، ولا من الذين ظلموا، فإنهم لن يغنوا عنا من الله شيئا، قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [هود: 113].
وهذا يستلزم أن نتضرع إلى الله بالدعاء ونستعين به في مواجهة عدونا كما فعل نبينا في غزوة بدر وغيرها، وأن يسود هذا التضرع حياة المجاهدين ومن حولهم من الناس، ويشاع القنوت في الصلوات، حتى نري الله منا فقرا وذلة وانكسارا بين يديه.

 

 

 

 

 

 

ثانيا: الثبات على هذا الدين ومبادئه العظيمة:
القتال في سوريا إما أن يكون لإعلاء كلمة الله في الأرض، أو لهوى من الأهواء البشرية. لأن النبي صلى الله عليه وسلم حصر القتال في هذين الأمرين: فقال: ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) وما عدا ذلك فليس في سبيل الله وإنما هو في سبيل الأهواء والطاغوت، فمن كان هدفه إعلاء كلمة الله في الأرض فليثبت على دين الله حتى الممات، كما قال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 23]، (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) هي محطة الاختبار للمجاهدين في سوريا، فإياكم إخواني والتنازل عن مبادئ الإسلام والرضوخ لمطلب دول الكفر بإقامة دولة علمانية تكون السيادة فيها لغير شرع الله.

 

 

 

 

 

 

ثالثا: الأخذ بأسباب النصر المرتبطة بجماعة المجاهدين وأفرادهم:
أما الأسباب الشرعية المتعلقة بجماعة المجاهدين فعلى رأسها وحدة الصف كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف: 4]، والبنيان المرصوص يصعب اختراقه وهزيمته، وهو محبوب لله، منصور بنصرة الله له.
ويتحقق البنيان المرصوص باجتماع المجاهدين على كلمة الله، والاعتصام بحبله المتين، كما قال سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103].

 

 

 

 

 

 

ولا تجتمع قلوب البشر إلا على دين يحبه الله ويرضاه، لأنه سبحانه يقلب القلوب كما يشاء، وقد امتن على نبيه بتأليف قلوب المؤمنين فقال: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 62، 63]، وقال عن أعداء الله الذين يتحزبون لقتال المسلمين: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) [الحشر: 14].
وهذا السبب الشرعي إما أن يتحقق بين جماعة المجاهدين فينصرهم الله، أو تلحقهم الهزيمة والعياذ بالله، كما قال سبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 45، 46].

 

 

 

 

 

فإذا كان قتال الفئة القليلة من الكفار تحتاج إلى اجتماع الكلمة لهزيمتهم، فمن باب أولى أن تجتمع كلمة المجاهدين لقتال الأحزاب اليوم من قوى الشر؛ روسيا، وإيران، وأمريكا، واليهود.
والسبيل العملي لاجتماع الكلمة عند المجاهدين هو توحيد الأهداف الشرعية الكبرى والاتفاق عليها، وترك الخوض في التفاصيل التي هي محل اجتهاد، والحوار فيها يؤدي إلى المراء والجدل والتنازع.
ألا تستطيع الفصائل المقاتلة في الشام اليوم وضع خمسة أهداف مثلا في القضايا الكلية فتجتمع عليها في مواجهة عدوهم؟!
هذا نموذج لما يتعلق بالأسباب الشرعية المرتبطة بجماعة المجاهدين، أما الأسباب المتعلقة بأفراد المجاهدين، فلابد من تصحيح النية في القتال، فقد سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فقد ينسى المجاهد الهدف الذي من أجله بذل نفسه وماله، وينحرف عن الصراط المستقيم فيتأخر النصر.

 

 

إن الحمية في القتال لفصيل دون آخر لا يحقق النصر. كما أن حصر الحق في فصيل دون آخر نوع من الجهل، وتعميم الخطأ على فصيل بأكمله نوع من الظلم، وهذه صفات لا تليق بالمجاهد في سبيل الله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72]، وإنما جاء المجاهدون من أصقاع الأرض لرفع الظلم عن إخوانهم، بإحقاق الحق وإزهاق الباطل، فكيف يصدر منهم هذا النوع من الظلم لمن جاء مثلهم ليجاهد بنفسه وماله؟!

 

 

 

 

 

رابعا: لا تنشغلوا بالمنافقين عن الكافرين:
في غزوة الأحزاب تحرك المنافقون من الداخل يزلزلون الصف، ويخذلون المؤمنين عن القتال، كما أخبر الله عنهم بقوله: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا) [الأحزاب: 12 - 20]

 

 

 

 

أخي المجاهد تأمل هذه الآيات في المنافقين، فقد ذكر الله عز وجل قصة غزوة الأحزاب في 17 آية، خصص منها 9 آيات للحديث عن المنافقين، وبقية الآيات تحدثت عن كل التفاصيل الأخرى في الغزوة، مما يدل على عظم دور المنافقين في الحرب مع الكفار.
هذا الدور الكبير الذي قام به المنافقون في غزوة الأحزاب لم يقابل من النبي صلى الله عليه وسلم بأي شيء أثناء المعركة، بل لم يبين الله لنا تفاصيل موقفهم هذا إلا بعد المعركة، حتى لا ينشغل الصحابة بأكثر من عدو في آن واحد، خاصة أن المنافقين يعملون من داخل المدينة.

 

 

 

 

ثم انظر أخي المجاهد إلى التعقيب الذي جاء بعد هذه الآيات مباشرة، وهو قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21]، أليس لك في النبي أسوة حسنة في ترك الانشغال بالمنافقين أثناء قتال الأحزاب والانشغال بذكر الله كثيرا، أليس الأولى أن تنشغل بالثبات على الحق وتثبيت إخوانك حتى لا تقع أنت وغيرك في التبديل والتحريف لدين الله عز وجل فتحرم ما عند الله من النصر.

 

 

 

 

أما المنافقين فقد يتوبون في يوم من الأيام بسبب ثباتك وإخوانك على الحق، ويتوب الله عليهم ويدخلهم الجنة، فماذا يضيرك من هذا، قال تعالى: ( لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب: 24].
تأمل موقف النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين في إحدى غزواته لما قَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ، لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»..
أيها المجاهدون، أيها المغردون في قضايا الجهاد والمجاهدين، لا ترموا مخالفيكم بالنفاق، ولا تنشغلوا بالخلاف معهم عن عدوكم الذي تكالب عليكم، فإن كانوا منافقين حقا فالله توعدهم بالعذاب أو يتوب عليهم بعد النصر إن شاء، فباب التوبة مفتوح حتى للمنافقين، ولذلك ختم الآية باسمين من أسمائه الحسنى يدلان على سعة رحمته فقال: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)، وإن لم يكونوا منافقين فقد أوقعتم أنفسكم في حرج عظيم غفر الله لكم.

 

 

 

 

 

 

خامسا: اذكروا نعمة الله عليكم:
لقد أنعم الله على المجاهدين في الشام بنعم كثيرة جديرة بأن تذكر ولا تنسى، وتشكر ولا تكفر. ومن هذه النعم توحدكم تحت مسمى جيش الفتح، ففتح الله عليكم إدلب، وتحقق لكم النصر من عند الله، وفرح المسلمون في كل مكان بهذا النصر.
(جيش الفتح) ضم فصائل متنوعة، تركت اسمها لاسمه، وشعارها لشعاره، فهذه نعمة أذكركم بها، فاثبتوا عليها، فقد أغاضت عدو الله وعدوكم، وأرغمت أنوف المنافقين، فهلا حافظتم عليها.
ما ضركم أن تجتمعوا جميعا تحت مسمى جيش الفتح، بقيادة موحدة، وراية موحدة، وأهداف موحدة، امتثالا لأمر الله بوحدة الصف، وتمهيدا لما بعد النصر، وتطهيرا للنفس من العصبية لغير الحق.

 

 

 

 

 

 

سادسا: صفات القادة الذين يستحقون النصر من الله:
قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 159، 160]
هذا التوجيه الرباني لنبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، جاء في ثنايا الحديث عن غزوة أحد، وهو توجيه لكل المجاهدين وخاصة القادة منهم في كل زمان.

 

 

 

 

 

أخي القائد، إن القيادة الحقيقية هي قيادة النفس على شرع الله، وإذا كان جهادك ترجو منه تحكيم شرع الله في الأرض، فليكن أثر ذلك ظاهر في تطبيقك لهذه الآية في نفسك.
أيها القائد، إننا نريد أن نلمس منك اللين في تعاملك مع جنودك، ومع إخوانك القادة من الفصائل الأخرى، لين يجمع القلوب ولا يفرقها، وهو علامة رحمة الله بك فتأمل قول الله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ).
أيها القائد، ثلاث صفات متوالية بعد اللين لابد منها لكل قائد في المعركة؛ العفو، والاستغفار للآخرين، ومشاورتهم.
فالعفو يدل على سماحة النفس، ورغبة في تسديد مسار المخطئ، لا الانتقام منه.

 

 

 

 

 

والاستغفار للآخرين بظهر الغيب يدل على محبتهم ومحبة الخير لهم. وتذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ)، فَكَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَى اللَّهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.
والجهاد في الشام عمل عظيم وكبير لا يتصور أن يتحقق فيه إنجاز ونصر من دون تشاور بين قادة الفصائل، بل ومشاورة أتباعهم.
ثم تأمل أخي القائد ما عقب الله به هذه الآية بقوله: ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فهذه نتيجة الامتثال لأمر الله؛ النصر على الأعداء.

 

 

 

 

 

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفق إخواننا المجاهدين في الشام لما يحب ويرضى وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن ينصر بهم المستضعفين من المسلمين، وأن يحقق على أيديهم تحكيم شرع رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.