اجتماع فيينا ... نموذج لخذلان ثورة الياسمين
18 محرم 1437
د. زياد الشامي

" ما لنا غيرك يا الله " الشعار الأبرز الذي ردده السوريون منذ بدايات ثورتهم المباركة في شتى المحافظات , والذي يعبر عن خيبة أملهم من الموقف المتخاذل من كثير من دول العالم تجاه حقوقهم المشروعة في التخلص من نظام طائفي ديكتاتوري مستبد وعميل .

 

 

ومع اقتراب مرور خمس سنوات على انطلاق هذه الثورة المباركة , يزداد السوريون يقينا بهذه العبارة , بعد أن محصت هذه السنوات حقيقة موقف كثير من الدول العربية والغربية التي كانت تزعم سابقا أنها صديقا لهذه الثورة , أو مؤيد لها ولو بالكلام فقط , أو حتى محايد أو غير متواطؤ عليها .

 

 

نعم ...لقد كشفت هذه السنوات الشداد على الشعب السوري الصديق الحقيقي من المتخاذل والعدو , فبينما لم يثبت على موقفه بضرورة إسقاط نظام الطاغية كحل وحيد للأزمة السورية إلا قلة من الدول العربية والإسلامية – السعودية وقطر وتركيا – تراجعت مواقف بعض الدول العربية – كمصر والأردن – تجاه ثورة الياسمين , لتبدو أقرب إلى موقف كل من روسيا وإيران المتمسكة بضرورة بقاء نظام الطاغية لمحاربة ما يسمى إرهاب "داعش" , لتبقى كل من أمريكا والدول الغربية على موقفها النفعي المنافق , الذي يظهر ويعلن ضرورة تنحي الأسد بعد المجازر التي تلطخت بها يداه , إلا أنه لا يمانع بقائه – بل يريد ذلك ويدعمه حقيقة - خوفا من البديل المتمثل بالتيار الإسلامي .

 

 

من هنا لم يكن اجتماع فيينا الأخير إلا نموذجا للخذلان الدولي لثورة الياسمين , واستمرارا لمحاولات إجهاض الجهاد الشامي وإعادته إلى بيت الطاعة من جديد بصورة أو بأخرى .
وباستثناء الموقف السعودي التركي القطري الذي ما زال متمسكا بأدنى حقوق شعب قدم أكثر من نصف مليون شهيد , وأكثر من عشرة ملايين لاجئ , ناهيك عن المعتقلين والمفقودين ..... تجلى مشهد الخذلان – أو ربما التواطؤ على هذه الثورة – في كثير من النقاط التي يمكن إجمالها فيما يلي :

 

 

1- غياب أي حديث عن إسقاط نظام طاغية الشام أو حتى تنحية عن السلطة بأي شكل من الأشكال , وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي "لافرورف" بقوله : " إن المجتمعين لم يتفقوا على مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد " , بل تجاوز الاجتماع هذه النقطة في بيانه الختامي , ليتحدث عن أمور أخرى تشير بوضوح إلى حجم الخبث التواطؤ على ثورة الياسمين أهمها على سبيل المثال :

 

 

• الحفاظ على هوية سورية "العلمانية" وهو ما يعني إجهاض رغبة الشعب السوري في تطبيق الشريعة الإسلامية , و السير بعكس اتجاه الفصائل الإسلامية السورية التي تطمح بنظام إسلامي رشيد كبديل عن نظام الطاغية الاستبدادي .

 

• التنويه بأن مؤسسات الدول ستبقى قائمة , وهو ما يعني رغبة روسيا وإيران ومن ورائها أمريكا والدول الغربية وبعض الدول العربية في الإبقاء على أنظمة مخابرات الطاغية وجيشه الطائفي الهلامي .

 

• التركيز على محاربة ما يسمى "داعش" , والتغاضي عن جرائم روسيا وإيران والطاغية ببلاد الشام , والتي كان آخرها المجازر الوحشية التي ارتكبها يران روسيا والنظام أثناء اجتماع فيينا , حيث استشهد أكثر من190 سوريا كثيرٌ منهم أطفال ونساء , ناهيك عن مئات الجرحى نتيجة أكثر من مئة غارة جوية على الأحياء المكتظة بالسكان المدنيين بحلب , وغارات على سوق شعبي بدوما بريف دمشق , وأخرى على كل من إدلب وحمص .

 

2- ومن علامات خذلان اجتماع فيينا لثورة الياسمين أنها نسخت ببيانها الختامي بنود اجتماع جنيف 1 , والذي كان ينص على عملية انتقالية تفضي إلى إقصاء نظام الأسد عن أي دور في مستقبل سورية , ليكتفي بيان فيينا بدعوة ممثلين عن المعارضة والنظام السوري إلى الاجتماع للتفاوض على تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية "لا تقصي أحدا" ، على أن يعقب تشكيلها وضع دستور جديد وإجراء انتخابات ... وهو ما يعني مشاركة الأسد ونظامه في هذه الحكومة , وعدم النص على استبعاده من العملية السياسية .

 

 

3- ويكفي دليلا على اعتبار اجتماع فيينا نموذجا لخذلان ثورة الياسمن والتواطؤ على إجهاضها احتفاء وسائل الإعلام المؤيدة لنظام الأسد و فرحتها بالبيان الختامي لهذا الاجتماع .

 

فقد احتفت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب بـ"الوساطة" الأمريكية ، ورحبت بدور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري , واعتبرت أن الرابح في اجتماعات فيينا هو نظام الأسد ، بعد أن تجاوز البيان الختامي مصير الأخير ، ناسخا بذلك بيان "جنيف1" الذي شدد على أن لا دور للأسد في المرحلة المقبلة ، ومركزا على ضرورة القضاء على تنظيم الدولة.

 

 

لم يفاجأ الشعب السوري بفشل اجتماع فيينا الذريع , فهو لم يعول عليه في شيء أصلا , كما أن الثوار المجاهدين على أرض الشام لم يعيروه أي اهتمام , فهم مشغلون بالورقة الرابحة الوحيدة التي يمكن من خلالها الوصول إلى هدفهم بإسقاط النظام .

 

 

أما الدول الداعمة بحق لثورة الياسمين , والراغبة بصدق لإنهاء معاناة الشعب السوري عن طريق الحل السياسي الملبي لأدنى حقوقهم المشروعة , فقد أظهر هذا الاجتماع صعوبة إنهاء الصراع بالحل السياسي , ولم يبق إلا الحل الآخر الذي عبر عنه وزير خارجية المملكة السعودية عادل الجبير : " الخيار أمام بشار الأسد هو التنحي عن طريق عملية سياسية أو الهزيمة في ميدان القتال " .