لماذا انحسر الاهتمام الإعلامي باللاجئين إلى أوروبا؟!
18 محرم 1437
أمير سعيد

لأول وهلة يبدو أن موجة اللجوء القسري من بلدان سوريا والعراق وأفغانستان والسودان وغيرها من البلدان المنكوبة بسلطة الطغاة إلى أوروبا قد انحسرت، لكن بتتبع يومي للأرقام الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يجد المراقب مشقة في ملاحقة الازدياد المضطرد في أعدادها، بحيث لا يمكنه تصدير رقم في قصته الإخبارية لسرعة ما سيطرأ عليه من تعديل.

 

 

 

 

 

يكفي أن نقول للتقريب أن عدد اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا عبر البحر والبر الآن يكاد يبلغ ضعفي العدد الذي جرى تداوله إبان الاهتمام الإعلامي العالمي اللافت قبل أسابيع قليلة بقضية اللاجئين.

 

 

 

 

 

الإعلام العالمي ليس بريئاً في رفع درجة الاهتمام وخفضها، غير أنه لئلا نكون مجحفين؛ فإن بعضاً من الاهتمام الإعلامي بقضية ما يرتهن بالفعالية السياسية تجاهها، فإذا ارتفعت ارتفع، والعكس، وبعضاً منه متناغماً معها، بحيث يضبطان نفسيهما على إيقاع واحد، بمعنى أن الإعلام يخدم السياسة ولا يواكبها أو يلاحقها فقط.

 

 

 

 

 

 

بعض الاهتمام الإعلامي بقضية اللاجئين لاسيما السوريين منهم انصب على العدوان الروسي وتداعياته على سوريا والمنطقة، رغم أن هذا العدوان قد تسبب في تفاقم وضع اللجوء بدلاً من انحساره مثلما تأملت أوروبا قليلاً، وبعضه انصرف إلى تصاعد انتفاضة السكاكين، إضافة للقضايا العالمية الاعتيادية والطارئة، لكن ثمة ما يلقي بظلال شك على هذا الانصراف عن قضية اللاجئين.

 

 

 

 

 

 

 

ربما لأن أوروبا لم تكن مهتمة بسبب الجانب الإنساني الطاغي في قضية اللجوء، وإنما كانت منزعجة أكثر من كونها مهتمة من قدوم هؤلاء "الغرباء المسلمين"، وهي الآن قد باشرت بعض الحلول التي تفضي إلى تقليل آثار ذلك اللجوء من خلال توزيع "عادل" على الدول الأوروبية يقلل من مخاطر تأثير اللجوء على أوروبا برمتها دينياً بالأساس، خصوصاً أن تعداد اللاجئين في أقصى توقعاته لن يزيد عن 2% من تعداد سكان أوروبا مثلما يؤكد المفكر اليهودي الأمريكي "ناعوم تشومسكي" في مقابلة مع صحيفة حريات التركية (27 أكتوبر الحالي)، حيث يقول: "أوروبا حتى لو سمحت بدخول كل اللاجئين الى أراضيها فإنهم سيشكلون 2% فقط من سكان القارة، وفي هذا الحال يمكن بسهولة التعامل معهم واحتوائهم، أما بالنسبة للولايات المتحدة فالوضع بالنسبة لها أسهل بكثير على صعيد احتواء ومساعدة اللاجئين، اذهبوا الى ولاية بوسطن او فيرمونتا، سترون أنها بلاد فارغة، بإمكانها استقبال الكثير من اللاجئين، اذهبو إلى غرب أمريكا وانظروا، إنها بلاد فارغة، لكن أمريكا لا تستقبل أي من هؤلاء اللاجئين، إن هذا إشارة مهمة على السقوط الأخلاقي للعالم الغربي".. هذا السقوط الأخلاقي الذي يشير إليه تشومسكي ليس مرده "خشية الإملاق"، وإنما الدين؛ فكل مؤشرات وإحصاءات حالات اللجوء تؤكد أن هؤلاء اللاجئين سيسهمون بحل مشكلة شيخوخة القارة الأوروبية، بتوفير يد عاملة رخيصة تدفع بالاقتصاد الأوروبي البطيء إلى الحركة.. وتوزيع اللاجئين بشكل يقلل مما تخشاه أوروبا يجعل وسائل الإعلام تشيح بوجهها قليلاً عن القضية التي تصدرت نشرات أخبار العالم ثم تراجعت، خصوصاً بعد التفاهم المبدئي بين أنقرة وبرلين على إيجاد مخرج للقضية. 

 

 

 

 

 

 

وربما لأن أوروبا مقبلة على جملة من الفضائح الحقوقية الخاصة بالتعاطي مع جموع اللاجئين، خصوصاً مع حلول موسم الشتاء وتأثيراته على اللاجئين الذين لم يجر تسكين كثيرين منهم حتى الآن، وسيعانون ظروفاً استثنائية بالنسبة لهم، ومن جانب آخر، ظهور خروقات مهينة تحدثت عنها المفوضية الأممية بقدر من الخجل تتعلق بالاستغلال الجنسي لنساء وأطفال لاجئين أثناء رحلاتهم المضنية داخل أوروبا أو في مقرات التسكين المؤقت غير المجهزة والمكتظة والتي تعاني من قلة الإضاءات والخدمات، ووجود قسم كبير منهم يعيشون في العراء. (البيانات الرسمية تتحدث على سبيل المثال عن أكثر من 80,000 طفل عراقي لاجئ بين 3 و17 سنة، بخلاف السوريين وغيرهم، يعيش بعضهم بمفردهم).

 

 

 

 

 

 

 

وقد يقال، ليس ثمة في الأمر "تخطيطاً" ولا "مؤامرة"؛ فالأمر لا يعدو أن يكون سببه أن "الإثارة الإعلامية" تتعلق أكثر باللجوء عبر البحر، والذي يأخذ في التراجع مع صعوبة الملاحة في أجواء شتوية، وتفضيل معظم اللاجئين إلى الهروب إلى أوروبا عبر البر، وهو ما قد أصبح رتيباً بعض الشيء ولا يحقق جذباً تسعى إليه وسائل الإعلام، التي تدأب على القفز من قضية إلى أخرى، أكثر إثارة وجذباً..

 

 

 

 

 

مهما يكن؛ فإن انحسار الاهتمام لا يبدو طبيعياً، خصوصاً أن التدفق البشري مستمر وبوتيرة عالية إلى أوروبا، وقد عودنا الإعلام أن يصعد بنا لهدف ويهبط لآخر.. فقريباً، لو تابع "مشاهد بسيط" وسائل الإعلام إبان معارك عين العرب (كوباني) لظنها أكبر من أستراليا، ثم تمضي الأيام به فلا يفهم لماذا غرقت "أهميتها البالغة" الآن في بحور النسيان!