بغض النظر عن المتورط في الهجمات التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس منذ أيام والتي أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى, وهو حادث مأساوي لا شك في ذلك وقد أدانته العديد من الهيئات والشخصيات الإسلامية, إلا أن أكبر الضحايا في هذا الحادث هم المسلمون الذين وجهت لهم أصابع الاتهام من اللحظة الأولى وسيدفعون الثمن بشكل جماعي ولسنوات طويلة...إن تورط عدد من المنتسبين لدين معين في هجمات ما لا يعني بتاتا أن يعاقب جميع من ينتمون لهذا الدين بهذا الشكل المشين الذي يجري الآن والذي جرى في أعقاب هجمات سبتمبر في أمريكا منذ 14 عاما..
إن استفحال حالة "الإسلامفوبيا" في الغرب وتبني شخصيات سياسية غربية لها وتشكيل أحزاب قائمة على هذا المنطلق المتطرف والاعتداءات التي يتعرض لها المسلمون ومساجدهم ونساؤهم تقوم على نفس المنطق الذي يستخدمه من يهاجم المدنيين الغربيين في بلادهم, وهي تقوي حالة الاحتقان وتزيد من رغبة الانتقام في نفوس الشباب المسلم في الغرب ولعل هذا ما أدى إلى فتنة هؤلاء الشباب بأفكار هذه التنظيمات خصوصا في الفترة الأخيرة وهو ما أربك أكبر أجهزة المخابرات الغربية...إن ملايين المسلمين الذين يعيشون في الغرب منذ عشرات السنين أصبحوا رهائن لدى الغرب جراء هذه العمليات ويتعرضون لهوس مرضي حيث يتم استهدافهم لفظيا وجسديا وتتعرض دور عبادتهم للتدمير ويضيق عليهم في شتى مناحي الحياة من الدراسة للوظيفة للتعامل اليومي الطبيعي ..
إن التعاطف الذي تبديه الدول العربية والإسلامية تجاه الضحايا الغربيين جراء أعمال العنف لا نجده من هذه الدول عندما تستهدف طائراتهم وجيوشهم المدنيين في العراق وسوريا وأفغانستان ولا عندما يقتل المسلمون على أيدي الجيش الصهيوني والمستوطنين اليهود في فلسطين..لماذا لا يتم تحميل اليهود و"المسيحيين" المسؤولية عن جرائم تقوم بها حكوماتهم أو جماعات منهم كما يحدث مع المسلمين؟..
إن توقيت هجمات باريس يثير الشك حول الجهة المسؤولة عنها رغم تبني داعش؛ لأن أوروبا تشعر بورطة شديدة بشأن زحف اللاجئين وتريد التخلص منهم بأي شكل وتتعرض لضغوط كبيرة في هذا الشأن ومثل هذا الهجوم سيكون أكبر مبرر لرفض استقبالهم أو تقليل عددهم ووضعهم في ظروف غير آدمية بحجة الحفاظ على الأمن القومي..
لقد بدأت إرهاصات هذا التوجه عندما أعلنت عدة ولايات أمريكية رفضها استقبال لاجئين وإعلان دول أخرى إغلاق حدودها وهو ما يعني أن يموت الآلاف من الأطفال والنساء المسلمين غرقا أو بردا أو جوعا دون ذنب ارتكبوه بسبب عملية نفذها آخرون قتل فيها العشرات..
هل هذا هو العدل الغربي؟!..لقد فطن لذلك الرئيس التركي حيث أطلق تحذيرا من الخلط بين تداعيات أزمة الهجرة التي تواجهها أوروبا وما يسمى "الإرهاب العالمي"، مشددا على أن الخلط بين الأمرين معناه التخلي عن المسؤولية الإنسانية. وأكد على أن ربط "الإرهاب" بأي دين، أمر خاطئ جدا، وأن موقفا كهذا يعتبر إهانة كبيرة لأتباع ذلك الدين، لأن حق الحياة مقدس في جميع الديانات...لم تتكشف بعد الكثير من خبايا الهجمات ولكن المؤكد أن ما يظهر على السطح هو ما يراد إظهاره فقط بينما توجد في الأسفل الكثير من الخبايا.