الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين يبدو أنه يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بشتى الطرق ويظن أن التساهل الغربي معه في عدة ملفات والاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ستجعله يعيد الإمبراطورية السوفيتية لسابق عهدها...
لقد بدأ الأمر في أوكرانيا عندما تحدى الغرب وألحق القرم عنوة ببلاده ضاربا عرض الحائط بجميع المواثيق الدولية ولأن الغرب يعيش حالة من الارتباك بسبب تدخله الأخرق في أكثر من منطقة ساخنة بحسابات القوة الاستعمارية القديمة دون الوضع في الاعتبار التغيرات التي حدثت في العالم مما أدى إلى تورطه وتكبده خسائر كبيره؛ فإنه لم يستطع الوقوف بالشكل المناسب أمام بوتين في أوكرانيا خوفا من اتساع دائرة الحرب...
ولكن الرجل المغرور في الكرملين شعر أن الوقت الحالي هو الأنسب ليضرب على الحديد وهو ساخن فقام بمغامرته العنترية في سوريا ناسيا ما جرى لأسلافه في أفغانستان متذرعا بحجة بلهاء وهي محاربة "الإرهاب" ثم اتضح أنه جاء من أجل قتل المدنيين في سوريا وقمع الثورة ضد نظام الأسد, وفرض سيطرته على المنطقة بأسرها حتى لا يتركها لأمريكا وحدها التي كانت تدخلت لنفس الهدف من قبل...
بوتين يريد أن يستعيد نفوذ بلاده في المنطقة العربية التي تخلت عنها بلاده عقب انهيار الاتحاد السوفيتي والتي كان يتمتع فيها بنفوذ كبير أيام الحرب الباردة مستغلا العلاقات التاريخية مع نظام الأسد ونظام الخميني في إيران والذي استطاع أن يصبح لاعبا رئيسيا في المنطقة مع الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بصدام مرورا بعدة صفقات مع الغرب وصولا إلى الاتفاق النووي ..
عنجهية بوتين لم تقف عند التدخل الفاشي في سوريا ولكنه اتضح في طريقة تعامله مع دول المنطقة وكأنها مستعمرات تابعة له حيث طلب من هيئة الطيران المدني في لبنان منع تحليق الطائرات فوق أراضيها بشكل مسيء ودون أن يخاطب الحكومة بحجة القيام بمناورات بحرية عسكرية كما قام بنفس الأمر مع العراق حيث منعها من استخدام مجالها الجوي شمالي البلاد للسبب نفسه...
وواصل بوتين غيه بالتعامل مع دولة كبيرة مثل تركيا بنفس الاستعلاء حيث انتهكت طائراته الحربية أجواءها عدة مرات دون اعتذار رغم الاحتجاجات التركية المتواصلة وعندما ملت أنقرة من هذه الهمجية الروسية لقنته درسا قويا وأسقطت إحدى مقاتلاته بعد انتهاكها مجالها الجوي وتحذيرها عدة مرات....
الرجل المغرور في الكرملين أصابته لوثة من الجنون عندما وجد أن هناك من يقف في وجهه بعد أن تراجعت القوى الكبرى من قبل أمامه وأرغى وأزبد وهدد برد عنيف على تركيا بسبب إسقاط المقاتلة وألغى وزير خارجيته زيارة كان يعتزم القيام بها إلى أنقرة وحذر رعايا بلاده من السفر لتركيا مهاجما الأوضاع الأمنية هناك في حركة صبيانية تنطوي على قدر كبير من السذاجة لأن من حق كل دولة حماية حدودها من غطرسة أي قوة ترى نفسها فوق القانون حسب القواعد المتعارف عليها في مثل هذه الحالات والتي أكدت تركيا تطبيقها...
تركيا طلبت اجتماعا عاجلا لحلف الأطلسي التي تعد أحد أعضائه من أجل مواجهة تداعيات الموقف في نفس الوقت الذي أرسلت فيه موسكو طرادا لسواحل اللاذقية مزودا بصواريخ مضادة للطائرات في لهجة تهديدية وقررت قطع جميع الاتصالات العسكرية مع أنقرة..الأمور مرشحة للتصعيد بالطبع خصوصا وأن الاستفزاز الروسي لم يعد يقتصر على حدود سوريا أو حماية نظام بل يريد ما هو أكبر بكثير وهو ما يتصادم مع الكثير من الحقائق التاريخية والجغرافية.