أكد الإعلامي حسن قطامش أن توجيه الإعلام المميز يستدعي دعم مجالات إعلامية جديدة تستشرف المستقبل لأنها هي أكثر فاعلية في إيصال الرسالة الإعلامية وأمضى تأثيرا في الجمهور في الوقت الحالي والمستقبل، بينما تعد كلفتها متدنية جدا إذا ما قورنت بتأسيس قنوات فضائية.
وقال الأستاذ قطامش الرئيس التنفيذي لمؤسسة كيو ميديا للاستشارات الإعلامية، المؤسس والمدير السابق لعدد من القنوات الفضائية والمؤسسات الإعلامية في حواره مع موقع "المسلم" إن "الإعلام بلا شك يستنزف أموالا كبيرة ولكن حين تنفق هذه الأموال بلا رؤية استراتيجية وبلا إدارة مختصة وبلا عاملين مؤهلين أو ذوي خبرات مناسبة لأعمالهم ، لن يجدي مال قارون في إنجاح هذه المنظومة ، والواقع الذي نعيشه فيه الكثير من النماذج والأمثلة الدالة على ذلك".
وأوضح أن الإعلام العالمي يقع أكثر من 90% منه في قبضة ستة امبراطوريات إعلامية عالمية فقط تتحكم في توجيه الرأي العام العالمي، وتنتج كل مواده تقريباً.
وتحدث الإعلامي المصري في حواره عن تناول الإعلام الغربي لقضية اللاجئين في أوروبا وكيفية تعاطيه معها صعوداً وهبوطاً، وقارن بين معيار المصداقية بين إعلام الغرب والعرب في تناول القضايا المختلفة.
وقدم مقاربة لكل من طريقة تغطية أحداث باريس، وإعلام تنظيم الدولة، كما تناول هموم الإعلام الإسلامي وحجم الاهتمام بالبرامج الوثائقية والطبيعية، والمفاضلة بين برامج وقنوات الأطفال الهادفة.
نص الحوار:
شاهدنا التغطية الإعلامية الغربية للهجمات في باريس، وصارت تساؤلات حولها من الجهة الإعلامية، هل من مقاربة منكم للإجابات عنها ؟
الإعلام هو انعكاس للمعتقدات والأفكار والقيم التي تتبناها أي دولة أو مجتمع ، ويمكن للإعلام أن يتجمل ويستر قبحه في بعض المناسبات بالتواري خلف شعارات رنانة في الأوقات الطبيعية ، لكن في الأحداث الصادمة للمجتمع كتفجيرات باريس تختفي تقريبا كل المساحيق ونشاهد الحقيقة مجردة ، وكانت الحقيقة في التغطية الإعلامية أن المجتمعات الغربية مازالت متمسكة بعنصريتها التي تُعلي من قيمة " الرجل الأبيض " على من دونه من البشر ، وبغير جهد يستطيع أي أحد المقارنة بين كل الكوارث التي تصيب البشرية كل لحظة ولا يلتفت إليها الإعلام، وبين التضخيم لأتفه الحوادث في العالم الغربي ، عدد القتلى في هذه الحادثة نسمعه كل يوم في عالمنا العربي والإسلامي ولا نجد له أي صدى إلا في شريط الأخبار أو الأخبار العاجلة ثم يختفي قبل أن يجف دم القتلى !!
التركيز الإعلامي المضخم على الحالة الغربية جزء من رسالة منهجية مفادها أن الغرب يجب أن يكون محط الأنظار ومحور الاهتمام والتقليد ، ولم يكن أبدا مستغربا تناول الإعلام الغربي حوادثه هكذا .. بل كان الغريب فعلا حجم وصورة تغطية إعلامنا العربي له ومغالاته أكثر من الغربيين .
تحدثت الحكومة الفرنسية عن عدد قتلى 129 وأكثر من 360 جريحاً، لكننا لم نشاهد في الإعلام سوى عدد لا يجاوز 10 من الجثث ، وأين ذهبت كاميرات تصوير التفجيرات والهجمات ؟
الحادثة برمتها أثارت الكثير من التساؤلات والشكوك حولها ، فالإمكانيات الأمنية لهذه الدول كبيرة وقوية بالقدر الكافي الذي يسمح لها بتحكم أمني بدرجة عالية جدا ، وتشبيهها بأحداث ١١ سبتمبر فيه كثير من الدقة ، ولعل الكاتب الفرنسي " تيري ميسان " مؤلف كتاب " الخديعة الكبرى " حول أحداث ١١ سبتمبر الأمريكية يكشف لنا خديعة أخرى في أحداث باريس التي اختفت فيها كثير من التفاصيل التي من الطبيعي ظهورها في هكذا أحداث .
كيف مرر الإعلام الارتفاع الجنوني في تقدير أعداد المختطفين في المسرح من 60 إلى 100 ثم إلى 1500؟ ولماذا لم يتناول الإعلام الفرنسي أو حتى الغربي بوضوح تقويم عملية "التحرير" من حيث نجاعتها من فشلها؟
الإعلام في الأحداث التي تمس أمن دولته والاعتداء على سيادتها لا يستطيع في الغالب الخروج على النص الرسمي ، فالروح الوطنية تكون ثائرة وملتهبة المشاعر ، وفي هذه النقطة تحديدا تختفي الكثير من الموضوعية والتحليل والتدقيق ، وعند هذه النقطة أيضا هي التي تكون التكأة التي تتجاوز بها أعتى الأنظمة الديمقراطية كل مبادئ الديمقراطية ومنها الشفافية والوضوح ، وإن استصحبنا مع ذلك نظريات التشكيك والاستفهامات حول الحادثة بمجملها فمن الطبيعي أن تختفي في الإعلام مناقشات مهمة كأعداد القتلى والمختطفين ونجاح عملية تحرير الرهائن من عدمها .
نتجه إلى محور آخر في حوارنا معكم، وهو المتعلق بتنظيم الدولة: كيف تقرؤون الخطاب الإعلامي لهذا التنظيم؟ وما ملاحظاتكم حول المقاطع التي يبثها تنظيم الدولة من حيث التقنية والخدع؟
رغم قناعتي التامة بانحراف منهج تنظيم الدولة وما يترتب عليه من تطبيقات واقعية ، إلا أن الخطاب الإعلامي " وبغض النظر عن محتواه " كان محترفا، بل ومتفوقا على إعلام دول التحالف التي تحاربه ، والزخم الكبير الذي حصل لتنظيم الدولة صنعته بروباجندا محترفة في المقام الأول ، وبالتأكيد لا تعكس صورة التنظيم الحقيقة ، إلا أنه نجح في رسم الصورة الذهنية التي يريد إيصالها للجمهور المستهدف باستخدام كافة الوسائط الإعلامية المتاحة ، سواء كانوا أعداءه بإرهابهم بمشاهد القتل البشعة والمروعة ، أو من يحاول استمالتهم إلى صفه وتجنيدهم بمشاهد الشباب الفتي القوي القادر على فعل كل شيء والمتوفر له كل الإمكانيات ، وهذا الخطاب أثبتت الوقائع نجاحه بشكل كبير ، أما استخدام الخدع في المقاطع التي يصورها فهو أمر وارد ،لكنه لا يعني تلفيق مجمل ما يحدث.
لماذا برأيكم ركز التنظيم على التغطية الإعلامية لعمليات الذبح في مرحلة ما، ثم أحجم عن بثها في مرحلة تالية رغم استمرارها لغير الأجانب؟
التنظيم كان يستهدف من عرض مشاهدة القتل المروعة إحداث مزيج بشع من الصدمة الرعب في نفوس فئات مختلفة " وهذا ما حدث بالفعل " ولكن استمرار وتكرار هذا النمط من الدعاية يجعله مستهلكا وفاقدا لقيمته ، لذلك فالتوقف عن بث هذه المشاهد رغم استمرار ما هو أسوء على الأرض دليل آخر على إدراك التنظيم لأساليب الخطاب الإعلامي.
- هل يمكن عملياً القيام بتصوير مقاطع كتلك الخاصة بالطيار الأردني والمختطفين المصريين في ليبيا وغيرها دون أن يتم رصدها بالأقمار الصناعية؟ بمعنى:هل يمكن أن يجري التصوير في الهواء الطلق في مدة وجيزة جداً لا تسمح برصدها أو التعامل معها؟
تقنيات الرصد والمتابعة والمراقبة العالية الدقة أصبحت متاحة لعموم الناس وسهلة الاستخدام وبتكاليف زهيدة ، كما أن هناك شركات تقدم هذه الخدمات بشكل رسمي ومصرح بهلعامة الناس مقابل الدفع ، ولا أظن أن الأقمار الصناعية أو الطائرات الآلية للمراقبة قد تخفى عليها مثل هذه التحركات " إن أرادت أن ترصدها " وفي الغالب ترصدها وتسجلها ، ولكن تخفيها وتتجاوز عنها لحاجات في النفوس .
هل من تعليق على المقطع الوحيد الذي ظهر فيه البغدادي؟
ظهور البغدادي الوحيد جاء بعد أقل من شهر لسيطرة داعش على مدينة الموصل وهو حدث مهم جدا وانتصار كبير للتنظيم ، فكان من المناسب أن يكون وقت الظهور الأول للبغدادي ليقترن النصر به أو يرتبط معه ، ومن الواضح أن تنظيم الدولة يركز إعلاميا على إظهار العمليات التي يقوم بها أكثر من تركيزه على إظهار رموزه وقياداته التي ليس لها هذه الكاريزما والتأثير التي حظيت بها قيادات القاعدة كبن لادن والزرقاوي مثلا ، كما أن إبقاء قياداته في الخفاء بعيدا عن الإعلام أفضل له من ظهورها للتعليق على الأحداث التي قد يعرضها لكثير من النقد والتجريح ، وهو ما يؤثر سلبيا على صورتهم الذهنية ، ويغلب على الظن أن داعش تعتمد الإبقاء على قياداتها في الخفاء وبعيدا عن أعين الإعلام لتضفي عليهم هالة من الغموض والهيبة التي تقترن غالبا بمن يديرون الأمور في الخفاء .
بالانتقال إلى محور آخر يتعلق بما يحدث في العالم الإسلامي من حروب وغيرها، كيف يساهم الإعلام الغربي وتابعه العربي في تقبل الحل الغربي للقضية السورية، تركيزاً وإهمالاً؟
الإعلام لم يعد انعكاسا أو نقلا للواقع ، بل أصبح صانعا كبيرا للسياسات والأحداث والوقائع ، ومن يسيطر على الإعلام يسيطر على العالم بتوجيهه للعقول التي لا يتوقف عن قصفها ليلا ونهارا ، وقد رأينا وعايشنا في عالمنا العربي ثورات تقوم وأنظمة تسقط بتأثير وسائل الإعلام، ولأن الإعلام العالمي بكافة أنواعه تهيمن عليه مجموعات قليلة تتكون من ستة إمبراطوريات تستحوذ على ٩٠٪ من السوق الإعلامي في العالم ،وتشترك هذه الامبراطوريات الإعلامية في كونها تمارس كل أشكال النشاط الإعلامي بصور متفاوتة من صناعة السينما إلى صناعة التليفزيون وامتلاك شبكة قنوات تليفزيونية إلى امتلاك الجرائد والصحف والمواقع الإلكترونية وإنتاج ألعاب الفيديو وشركات التسويق الإعلامي وغيرها ، وعندما نجد أن رؤساء مجالس إدارة هذه الإمبراطوريات الإعلامية ومدراءها التنفيذيين .. يهود؛ فمن الطبيعي عندئذ أن يكون الخطاب الإعلامي الغربي وتابعه العربي يروج للتوجهات والسياسات والإرادات الغربية سواء في سوريا أو غيرها من دول المنطقة .
لماذا بلغ الاهتمام الإعلامي العالمي مستوى عالياً في تغطية مأساة اللجوء الكبير للسوريين والعراقيين لأوروبا ثم تراجع لمستوى متدنٍ برغم ثبات معدلات اللجوء خلال فترة لاحقة؟
لأن الإرادة السياسية أرادت ذلك ! كانت هناك بعض المصالح والمطامع وعندما تحققت أو لم تحقق بالصورة المطلوبة توقفت الكاميرات عن البث وكأن القضية لم تعد موجودة حتى لدى أصحابها من المسلمين والعرب ، فهل نرى الآن حتى من يغرد عن محنة اللاجئين السوريين؟!
وفي بداية الأزمة كتبت تغريدة نصها : " فقط ، عندما انزعجت أوربا من لاجئي سوريا .. انتفضنا ! وعندما تصمت .. سنهدأ ! " وهذا ما حدث ، وهذه معضلة كبرى ومأساة حقيقة أن نجد أن تفاعل الغالبية مع القضايا والأحداث مرتبط بالأجندة السياسية لموجهي وسائل الإعلام ،لكن اللافت في التغطية الإعلامية للأزمة كان إظهار صورة الغرب الرحيم المشفق على إخوانه في الإنسانية من عذابات المستبدين ، لكن عندما بدأ الاعتداء على اللاجئين وإهانتهم من الغرب الرحيم توقفت الكاميرات !
ما الخطوات التي يلجأ إليها الإعلام العربي في التعتيم على قضايا مصيرية كالأقصى وسوريا والعراق وكيف نجح الإعلام العربي في تأجيج الصراعات في المنطقة والتحريش بين الشعوب؟
معظم الإعلام العربي هو أداة موجهة وتابعة لأجندات سياسية رسمية أو حزبية ومصلحية خاصة ، ولا يعير كبير اهتمام لقواعد وأصول وأخلاقيات المهنة ، ورغم وجود العديد من المواثيق الإعلامية التي تعد كفيلة بإيقاف كثير من الجرائم والبلايا التي تمارس وتصدر من خلال الإعلام ، وعند مراجعة وثيقة مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية وهي آخر وثيقة أقرت من قبل وزراء الإعلام العرب نجد في بعض فقرات بندها السادس مثلا :
" الامتناع عن التحريض على الكراهية أو التمييز القائم على أساس الأصل العربي أو اللون أو الجنس أو الدين.
الامتناع عن بث كل شكل من أشكال التحريض على العنف والإرهاب مع التفريق بينه وبين الحق في مقاومة الاحتلال "
ثم تنظر للواقع الذي نعيشه فلا تجد إلا نقيضه !! الخلافات السياسية بالأساس هي التي تعصف بكل ذلك وتضرب به عرض الحائط ، ثم يليه قبول طائفة غير قليلة من الإعلاميين وملاك وسائل الإعلام الخاصة بأن يكونوا العصا الغليظة التي تضرب بها الشعوب وتهدم وتحطم أواصر الأخوة والترابط وكافة القيم المشتركة من دين ولغة وأرض ) .
ننتقل إلى الإعلام الإسلامي، ما هي أهم تحدياته الراهنة؟ ومن واقع خبرتكم في وضع البرامج وتأسيس القنوات الفضائية، هل يتعذر إيجاد إعلام متميز وناجح دون أن تضخ فيه أموال طائلة؟
قالها شوقي : بالعلم والمال يبني الناس ملكهم .. لم يبنَ ملك على جهل وإقلال ، والإعلام المميز بحاجة ماسة إلى ذكاء في استخدام واستثمار الأموال أكثر من حاجته إلى الضخ المستمر ، فالإعلام بلا شك يستنزف أموالا كبيرة ولكن حين تنفق هذه الأموال بلا رؤية استراتيجية وبلا إدارة مختصة وبلا عاملين مؤهلين أو ذوي خبرات مناسبة لأعمالهم ، لن يجدي مال قارون في إنجاح هذه المنظومة ، والواقع الذي نعيشه فيه الكثير من النماذج والأمثلة الدالة على ذلك ، الإعلام المميز بحاجة إلى ضخ أموال في مجالات إعلامية جديدة تستشرف المستقبل وكلفتها متدنية جدا إذا ما قورنت بتأسيس قنوات فضائية ، وهي أكثر فاعلية في إيصال الرسالة الإعلامية وأمضى تأثيرا في الجمهور في الوقت الحالي والمستقبل .
هل تعتقدون أن البرامج الوثائقية لها تأثير كبير في صناعة الرأي العام أم أن جمهورها يظل محدوداً؟
البرامج الوثائقية أحد القوالب الإعلامية المميزة والمؤثرة والفاعلة في تشكيل القناعات لدى الرأي العام إن أُحسن استخدامها ، حيث تعتمد في جوهرها على الحقائق وليس على الخيال كغالب حال السينما مثلا، فهي تلامس وقائع الحياة بماضيها وحاضرها وهي من هذا الجانب تكون أكثر مصداقية وأثرا في المشاهدين ، ومن خلال المتابعة تلحظ بوضوح زيادة الاهتمام بالبرامج الوثائقية عالميا ومحليا سواء من حيث المهرجانات الخاصة بها وزيادة عدد شركات الإنتاج وعدد الساعات المنتجة ، أو القنوات الجديدة المتخصصة في البرامج الوثائقية ، وكذلك شرائح المتابعين والمهتمين بهذا النوع من الإنتاج الإعلامي .
حصل تنوع ظاهر في قنوات الأطفال التي تحاول الحفاظ على قيمنا قدر تصورها وإمكاناتها.. أتراها نجحت في سد ثغرة أم أن تعويض الإبهار العالمي في عالم الأطفال دونه مسافة طويلة؟
لا شك أن هناك طفرة في عدد قنوات الأطفال في المنطقة مقارنة بسنوات عشر مضت ، لكنك لا تستطيع وأنت مقتنع ومطمأن أن تشير بأصبعك على قناة بعينها وتقول هذه هي !! فهناك تنوع كبير في توجهات هذه القنوات وطبيعة خطابها ، ويكاد يكون بين بعضها بعد المشرقين في ارتباط خطابه بالمنطقة وقيمها وأخلاقها ، فهناك من ينقل النمط الغربي كما هو بتعريب اللغة فقط بالدوبلاج الصوتي أو الترجمة على الشاشة وإبقاء المحتوى كما هو دون تعديل ، وهناك من ينغلق على خطاب محلي واختيارات منهجية وفكرية خاصة ، وهناك من يتاجر بين هؤلاء وهؤلاء ،ويمكن أن نتحدث عن أن هناك " برامج " أطفال مميزة وليس قنوات ، هناك محاولات جيدة وجهود مشكورة بالفعل لكنها لم ترق بعد لأن تلبي الاحتياجات الخاصة بأبنائنا وتسد الفجوة الحاصلة في الإنتاج الغربي ، وأجد من الإنصاف القول أنه يوجد العديد والكثير من الأعمال المميزة والهادفة في الأعمال العالمية الخاصة بالأطفال ولا تتعارض مع قيمنا وأخلاقنا .
ما الفارق في نظركم بين الإعلام الغربي والعربي من حيث المصداقية؟
الإعلام جزء رئيسي من ثقافة المجتمعات ومبادئها وقيمها ، فهو مهنة محكومة بمحددات وأطر وقوانين وأنظمة دولها ، وحين يكون النظام العام والثقافة المجتمعية تنص وتعلي من قيم المصداقية والشفافية والمحاسبة واحترام الرأي الآخر وحرية التعبير ومراعاة حقوق الآخرين وعدم انتهاك خصوصياتهم ... الخ وتطبق هذا وتمارسه ، فإن هذا هو الذي يصنع الفرق في المصداقية ، وهذه الأمور تتوفر في بعض الإعلام العربي رغم ندرتها، ولا تتوفر في بعض الإعلام الغربي رغم ندرتها ..وللإعلام أخلاقيات مستقرة وراسخة ومعلومة للكافة ، لكننا للأسف الشديد نجد طائفة من المنتسبين للإعلام يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون هذا هو الإعلام .. وما هو بإعلام .
لماذا لم تنجح أي قناة إسلامية إخبارية حتى الآن في تبوء مكانة بين القنوات الإخبارية؟
أولا : نحن نقع في إشكالية كبرى عندما نريد من الإسلاميين " أو هم يريدون " القيام بكل شيء ، فهذا خلل كبير في الرؤية وما يستتبعه من تطبيق واقعي ، فإلى الآن مازال الإسلاميون غير قادرين على إيصال " الخطاب الدعوي والشرعي " لعموم الناس من خلال الإعلام بطريقة صحيحة ومؤثرة رغم أن هذا المجال هو صلب تخصصهم ويعد حكرا عليهم ، ورغم مرور أكثر من عشر سنوات على الطفرة الإيجابية التي حصلت في الإعلام الإسلامي أو الهادف إلا أن التجربة مازالت بحاجة لجهود أكثر كي تحظى بحضور وتأثير أكبر على الجمهور في السوق الإعلامية ، ولذلك ليس من الحكمة الخوض في غمار تجربة لسنا مضطرين ولا مجبرين ولا مستعدين لتقديمها كما ينبغي ، ولا يعد هذا نقصا أو عيبا ، بل هو من الحكمة ووضع الأمور في نصابها ومسارها الصحيح .
ثانيا : صنع الإعلام بأصوله وآلياته وأنماطه وصوره واستقر ذلك منذ زمن وبعيدا عن أيدينا ، وعندما أردنا الدخول حاولنا ذلك بطريقة مختلفة لكون أن لدينا مفاهيم ومنطلقات مختلفة !! وانسحب هذا المنطق على الإعلام الإخباري للأسف ، الاختلاف قد يكون في التصورات والأفكار والقيم وليس في الوسائل والآليات والأنماط المستقرة في العمل الإعلامي ، نعم هناك تحد قائم وكبير في الموائمة بين الصورة المستقرة لعدد من الأنماط الإعلامية وإشكالياتها الشرعية ، لكن هذا الأمر لا ينسحب كثيرا على العمل الإخباري ، فإن أردت تقديم أخبار قدمها كما ينبغي أن تقدم وإلا فلا.
ثالثا : في ظل الدور المؤثر لوسائل الإعلام الحديثة تراجعت الأهمية الحاصلة للقنوات الناقلة للأخبار المجردة ، وأصبحت القيمة المضافة والحقيقية تتمثل في التحليل والقراءة الصحيحة للأحداث ، وهذا ما يمكن أن تنافس فيه قنوات الإعلام الهادف بعمومها ، أو ما يمكن أن يكون مختصا منها بذلك