ماذا يعني إعادة مجرى النيل لسد النهضة ؟
19 ربيع الأول 1437
د. زياد الشامي

لا شك أن ما قامت به إثيوبيا السبت الماضي من إعادة نهر النيل إلى مجراه الطبيعي، ليمر للمرة الأولى عبر سد النهضة - بعد أن قامت بتحويل مجرى النهر في مايو/أيار 2013 للبدء في إنشاء جسم "سد النهضة" – وذلك بعيد الانتهاء من إنشاء أول أربعة مداخل للمياه ، وتركيب مولديْن للكهرباء في جسم السد ..... يحمل الكثير من المعاني ويرسل الكثير من الرسائل إلى دول الحوض وأبرزها دولة المصب مصر .

 

 

وعلى الرغم من تهوين وزير الموارد المائية المصري د. حسام مغازي من الخطوة الإثيوبية , وتأكيده بأن تحويل مجرى النيل "إجراء طبيعي" , وأن ذلك لا يعني من الناحية الفنية تخزين أي كميات مياه أمام السد ..... فإن الخطوة أثارت الكثير من الجدل في الأوساط السياسية المصرية , وحملت الكثير من علامات الاستفهام حول جدوى المفاوضات الجارية حتى الآن بهذا الخصوص , وأثارت الكثير من الهواجس والمخاوف من تبعات وعواقب السد على الأمن المائي لمصر .

 

 

ويرى بعض السياسيين والحقوقيين المصريين أن طريقة إدارة النظام المصري لمفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا هي المسؤولة عن تداعياتها على الشعب المصري , مؤكدين أن إثيوبيا ما كانت لتجرؤ على تحويل مسار نهر النيل والبدء في تشغيل السد لولا توقيع "السيسي" على وثيقة سد النهضة عام 2013م , والتي أكد الكثير من الخبراء والمختصين خطره الأكيد على مصر حكومة وشعبا .

 

 

وقد اعتبر الكثير من القانونيين أن ذلك التوقيع يعد تفريطا بحقوق مصر المائية , وتنازلا عن شريان الحياة لبلد يعتمد على مياه النيل بشكل أساسي في تأمين مياه الشرب و ري الأراضي الزراعية .

 

 

لقد تسبب التوقيع – حسب حقوقيين - في مضي إثيوبيا قدما في إتمام عملية البناء والتشييد , وقد مكنها من إنهاء 50 بالمئة من إنشاءات السد قبل إجراء الدراسات الفنية المطالبة بها ، وهو ما يقلل من أهمية أي اتفاقيات يتم التوصل لها لاحقا .

 

 

والحقيقة أن من يتابع ما تتمخض عنه المفاوضات الإثيوبية السودانية المصرية بخصوص السد , والتي انطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، يتأكد له أنها عبثية ولم تأت بجديد , فعلى الرغم من انتهاء الجولة الــ11 من تلك المفاوضات أمس , والتي تمخض عنها - بعد ثلاثة أيام من المفاوضات - ما يسمى "وثيقة الخرطوم" ... إلا أن مستشار وزير الري المصري السابق ضياء الدين القوصي أكد أن كل بنود الوثيقة مجرد كلام مرسل تضمنته اتفاقية المبادئ ، وأنه لا جديد في تلك المفاوضات أبدا .

 

 

العجيب في الأمر هو تعامل النظام المصري مع قضية مصيرية – كقضية الأمن المائي – بهذه الطريقة غير الجادة ولا المسؤولة , والانشغال عنها بقمع المعارضة الداخلية ومحاربة ما يسميه "الإرهاب" .... لتستغل إثيوبيا ذلك الوقت بالإسراع بإتمام عملية بناء السد , ووضع مصر أمام الأمر الواقع .

 

 

لم تكن هذه الأزمة هي الوحيدة التي نجمت عن عزل أول رئيس مصري منتخب بمصر في 3 من يوليو 2013م , بل هي في الحقيقة واحدة من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية كثيرة , لم يجد النظام المصري الحالي حلا لأي منها حتى الآن , بل يغرق مصر بمزيد منها يوما بعد يوم .

 

 

والأعجب من طريقة تعامل النظام المصري مع أزمة سد النهضة ومخاطره الجسيمة على مصر وأهلها هو : طريقة تناول الإعلام المصري لهذه الأزمة , فبينما كان يطالب في عهد الرئيس المنتتخب مرسي باتخاذ كافة الوسائل المتاحة لمنع إتمام بناء السد بما في ذلك الخيار العسكري - حفاظا على أمن مصر المائي - لا نراه اليوم يلوح بخيار من هذا القبيل , بل يدعو لمعالجة المسألة بالوسائل الدبلوماسية !!

 

 

إن مخاوف مصر من تأثير سد النهضة على حصتها السنوية من مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب) هي مخاوف حقيقية , وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تجنب البيان الختامي للمباحثات - التي انتهت أمس - الخوض في القضايا الجوهرية والخلافية لأزمة السد , والمتمثلة : بالحفاظ على انسيابية نهر النيل وعدم إنقاص حصة مصر السنوية منه , بالإضافة لترتيبات إدارة وتشغيل السد , ومسألة وملء البحيرة والسعة التخزينية .....

 

 

وإذا ما قرأنا بشكل صحيح رفض "أديس أبابا" عددا من المقترحات المصرية التي تطالب بوقف بناء السد إلى حين اكتمال الدراسات البيئية والاقتصادية ، وتلك الخاصة بالفترة الزمنية لملء البحيرة ..... فإن كل ذلك يشير بوضوح إلى أن إثيوبيا ماضية في تحقيق مصالحها على حساب أمن مصر المائي , و أن مصر مقبلة على مجاعة مائية وخطر محدق لا يرى بعض الحقوقيين إمكانية تجنب تبعاته إلا بطريقة واحدة هي : التمسك بعدم شرعية من وقّع الوثيقة .