هل من ثورة جديدة في تونس؟
17 ربيع الثاني 1437
خالد مصطفى

تشهد تونس منذ أيام حالة واسعة من الاحتجاجات التي امتدت لتشمل عدة محافظات كبرى ووصلت إلى العاصمة حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوى الأمن وسقط عشرات الجرحى وتم اعتقال المئات في مشهد يعود بنا إلى يوم اندلاع الثورة التونسية قبل 5 سنوات وهروب زين العابدين بن علي وفتح الأبواب على مصراعيها لحراك ثوري في المنطقة شمل العديد من الدول ..

 

تونس هي الدولة الوحيدة تقريبا التي نجت من المنعطفات الحرجة والحادة التي اعترت بقية دول الربيع العربي واستطاعت أن تمر إلى برلمان ورئيس منتخبين بحد أدنى من الخسائر ولكن هذا جاء على حساب تصدر القوى الثورية للمشهد حيث اضطرت إلى التراجع خطوات إلى الوراء من أجل تلافي صدامات عاصفة حدثت في دول مجاورة..

 

ولكن هذا التراجع كان على حساب أهداف الثورة التي قامت في الأساس من أجل تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة والمهملة وإقامة عدالة اجتماعية حقيقية يستفيد منها الجميع دون تفريق بين كبير وصغير ومقرب من السلطة ومبعد عنها...

 

المعضلة التي مرت بها تونس بعد نجاح الثورة في التخلص من رأس النظام هي تقريبا المعضلة التي مرت على بقية دول الثورات العربية وهي عدم التمكن من التخلص من جميع أركان هذا النظام وإحباط مخططات  الدولة العميقة التي استفادت لعشرات السنين منه...والدولة العميقة موجودة داخل مؤسسات الدولة وخارجها أيضا ممثلة في شبكة المصالح التجارية والاقتصادية والإعلامية والتي نهشت في لحم الثوار من اللحظة الأولى وعملت على التفريق بينهم في البداية ثم الترويج للإحباط والفشل بين الجماهير حتى تأتي مرة أخرة في سدة الحكم بمن يمثلها وإذا لم يحدث ذلك تتآمر عليه حتى تسقطه...

 

لذلك كان وصول السبسي وحزب نداء تونس للحكم في تونس ضربة قاصمة لأهداف الثورة خصوصا أنه جاء على حساب ثوريين حقيقيين مثل الرئيس السابق المنصف المرزوقي وحركة النهضة التي طالما عانت من الظلم والتهميش في ظل نظام بن علي..هذا الحزب الهجين ـ نداء تونس ـ والذي يضم خليطا غير متجانس من بينه قيادات تابعة لنظام بن علي وصل للسلطة بسبب تحالف أركان الثورة المضادة وقصفها المستمر للثوار ووصمهم بابشع التهم وتحميلهم مسؤولية جميع الاضطرابات التي أعقبت الثورة رغم أن بعضها طبيعي يحدث عقب كل الثورات والبعض الآخر مصطنع جراء ألاعيب رجال النظام السابق..

 

المهم أن وصول حزب نداء تونس, الذي ما لبث أن تفكك وفقد أغلبيته البرلمانية, للحكم أعاد البلاد للمربع رقم صفر من جديد ولا يؤثر على ذلك مشاركة حركة النهضة في الحكومة لأنها مشاركة شكلية حتى أن أئمة النهضة تم عزلهم من المساجد والتضييق عليهم في ظل هذه الحكومة دون أن تستطيع الحركة حمايتهم...

 

الثورة في تونس لم تفشل ولكنها أيضا لم تنجح لأنها ببساطة لم تستطع الوصول للحكم منفردة والقضاء على أركان الدولة العميقة ونشر الوعي بين الجماهير بخطورتها ووجودها وراء معظم الكوارث التي تمر بها البلاد..ما يزيد من تعقيد الأزمة أن حركة النهضة ـ إحدى مكونات الثورة ـ تقف خلف حكومة وحزب فاشلين بدلا من الوقوف مع الشعب ومطالبه المشروعة بحجة الحفاظ على الاستقرار وهي ذريعة لن تحميه من الغضب الجماهيري..

 

لقد آن الآوان في تونس ان يجتمع الثوار الحقيقيون ويواجهوا الشعب بحقيقة الأوضاع ويلفظوا الدخلاء والمستغلين قبل فوات الأوان.