هل من نهاية لقاع مخازي أوروبا تجاه اللاجئين ؟
17 ربيع الثاني 1437
د. زياد الشامي

سؤال قد تبدو الإجابة عليه بالنفي أمام توالي حلقات مسلسل التعامل الأوروبي المخزي مع اللاجئين , حيث لا يبدو أن هناك قاع للانحدار الأخلاقي الذي تسقط فيه دول الاتحاد الأوروبي واحدة تلو الأخرى أمام أول اختبار حقيقي مع ما كانت ترفعه من شعارات حماية حقوق الإنسان , وما كانت تتبجح به من وجوب عدم إغلاق الحدود في وجه اللاجئين , وضرورة استقبالهم وتقديم الدعم اللازم لهم .

 

 

والحقيقة أن مسلسل مخازي تعاطي الدول الغربية مع أزمة اللاجئين بدأ مبكرا , فمع تزايد أعداد الهاربين من جحيم الحرب في سورية والعراق وغيرها من بلاد الشرق الأوسط وإفريقيا - والتي كان للأصابع والأياد الغربية دور كبير في تأجيجها بل وإشعالها – عمل الاتحاد الأوروبي على منع وصول هؤلاء بشكل قانوني إلى أراضيه , وأرغمهم على المخاطرة بحياتهم وحياة أطفالهم في سبيل الوصول إلى القارة العجوز .

 

 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد , بل تجاوزه إلى عدم إنقاذ خفر سواحل الدول الغربية لكثير من قوارب الموت التي كان يركبها اللاجئون رغم سماعهم نداءات الاستغاثة منهم , بل ورؤيتهم لتلك القوارب المتهالكة تغرق بمن فيها من أطفال ونساء ورجال دون أن يحركوا ساكنا .

 

 

ويا ليت الانحدار الأخلاقي توقف عند الامتناع الأوروبي عن إنقاذ المستغيثين من اللاجئين في عرض البحر , بل وصل انعدام الحس الإنساني إلى مرحلة تعمّد خفر السواحل اليونانية خرق قوارب اللاجئين لإغراقها بمن فيها في البحر تهربا من استقبالهم كلاجئين في القارة العجوز .

 

 

حدث ذلك في أواخر العام الماضي وتحديدا في 12 من نوفمبر , فبعد أن اقتربت إحدى البواخر اليونانية من القارب المستغيث , قام أحد أفراد طاقم الباخرة - بحسب ما أظهرته مقاطع فيديو - بإحداث ثقوب بأداة حادة في القارب المطاطي , قبل أن تبتعد مسرعة تاركة اللاجئين لمصيرهم المحتوم , وقد أثار هذا الخبر ضجة إعلامية كبيرة حينها .

 

 

بعد كل هذه الإجراءات اللاإنسانية لمنع وصول اللاجئين إلى الأراضي الأوروبية أصلا , تبدأ مرحلة جديدة من مخازي تعامل كثير من الدول الغربية مع هؤلاء اللاجئين بعد الوصول إلى حدود دولها , فمع الإهانات والشتائم والعنصرية الدينية الصارخة , وبالإضافة للضرب واستخدام العنف الموثق في كثير من الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي , والتي أظهرت حقيقة مدى الانهيار الأخلاقي لدى كثير من ذوي البشرة البيضاء في القارة العجوز في تعاملهم مع المستضعفين ......هناك إغلاق الحدود وبناء الحواجز والأسلاك الشائكة لمنع تدفق اللاجئين .

 

 

وفي ختام المطاف فإن اللاجئ الذي ينجو من خطر الموت في البحر , ويتجاوز الحدود والمضايقات السابقة , يصطدم بالقوانين التي بدأت الدول الغربية تسنها تباعا لتمنع استقرار حياة اللاجئ على أراضيها , وتدفع بقية الهاربين من جحيم الحروب في دول الشرق الأوسط بعدم التفكير في اللجوء إلى القارة العجوز .

 

 

وضمن مسلسل التدهور الإنساني الأخلاقي الأوربي تجاه أزمة اللاجئين يأتي خبر إقرار البرلمان الدانماركي لمجموعة من القوانين التي تفرض إجراءات تهدف إلى إثناء اللاجئين عن طلب اللجوء بالبلاد ، وتشمل : مصادرة مقتنياتهم الثمينة لدى وصولهم البلاد ، وتقليص الحقوق الاجتماعية المقدمة لهم ، وتمديد آجال لمّ الشمل لأسرة طالب اللجوء من عام إلى ثلاثة أعوام .

 

 

لم يكن هذا الإجراء مقتصرا على الدنمارك ليزعم البعض بأنه إجراء فردي واستثنائي , بل سبق أن فعّلت سويسرا قانونا يجيز مصادرة مقتنيات طالبي اللجوء التي تفوق قيمتها ألف فرنك سويسري (985 دولارا) ، في حين تفعل ولاية بادن- فورتمبرغ الألمانية الأمر عينه بالمقتنيات التي تفوق 350 يوروا (380 دولارا) فضلا عن عدد من الولايات الأخرى في جنوب البلاد ...الأمر الذي يشير إلى مدى المحاولات الأوروبية الرامية إلى التخلص من عبء اللاجئين بعد أن كانت تعطي دروسا للآخرين في ضرورة رعايتهم وحسن استقبالهم .

 

 

إن الحقيقة أن وقائع طريقة تعامل الدول الأوربية مع أزمة اللاجئين كشفت الوجه الحقيقي لذوي البشرة البيضاء مع هذا الملف الإنساني , وأظهرت أن الأقنعة على الوجوه المشوهة مهما كانت كثيرة لا يمكن أن تخفي الدمامة عنها , وأن مساحيق التجميل مهما كانت سميكة فإن القليل من الماء كفيل بإزالتها وإظهار ما وراءها .