أمضيت أياماً في باكستان جددت فيها الالتقاء مع شخصيات سياسية وعسكرية وكذلك مع مصادري الطالبانية التي أطلعتني على خطة طالبانية جديدة، تنمّ عن عقلية تتواكب مع الحدث وتطوراته وتفاعلاته، وتقضي بتشكيل مجلس استشاري من قادة المجاهدين السابقين أيام الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، وقد يكون بعضهم قاتل طالبان أو اعترض عليها، فكلها شخصيات لا علاقة لها بطالبان حزبياً الآن، لكن يجمعها همٌّ واحد هو الحرص على الإسلام والبلد، ليتحمل المجلس مسؤوليته التاريخية والدقيقة التي تمر بها أفغانستان، لا سيما والضغوط الدولية والإقليمية تتعاظم على الحركة من أجل الدخول في حوار مباشر مع الحكومة الأفغانية، وهي ظروف قد تتشابه مع ظروف الثورة الشامية العظيمة هذه الأيام..
لم تعد حركة طالبان تنظر إلى أفغانستان على أنها خاصة بها وهي من تقرر مصيرها ومستقبلها، ولذا تركت الحزب الإسلامي الأفغاني بزعامة قلب الدين حكمتيار يقاتل لسنوات الاحتلال الغربي لأفغانستان، بل ونسّقت معه في عدد من الأماكن، وها هي اليوم تخطو خطوة مهمة في ظل الضغوط الاقليمية والدولية على الحركة للدخول في حوار مباشر مع الحكومة الأفغانية، لكن الحركة نسفت كل الجهود الدولية بالأمس حين جددت مطالبها في سحب أميركا لكل قواتها من أفغانستان ووقف أعمال قصفها للمدنيين التي أدت إلى تهجير الآلاف من العائلات من قراهم، وهو أمر دونه خرط القتاد، إذ إنه كفيل بانهيار الحكومة الأفغانية تماماً...
فالمؤشرات من الداخل الأفغاني تؤكد على أن الجيش الأفغاني منهار أمام ضربات مقاتلي حركة طالبان أفغانستان وقد تجلى ذلك بوضوح بعد الانتصارات المتلاحقة التي حققتها الحركة في منطقة هلمند الاستراتيجية وإطباقها على معظم مناطق الولاية، وكذلك سيطرتها على معظم ولاية لوجر القريبة من كابول، بالإضافة إلى نجاحاتها الكبيرة في تحجيم منافسها من تنظيم الدولة حيث قضت عليه في عدة ولايات أفغانية ولم يبق أمامها إلا وجوده البسيط في ولاية ننجرهار، وكلها نجاحات تُحسب للحركة وللأمير الجديد أختر محمد منصور الذي نُقل عنه قوله إنه لن يحيد عن خط سلفه الملا محمد عمر في التعاطي مع الخصوم والأصدقاء والحلفاء..
ننتقل اليوم إلى الشام لنرى أن الجماعات الشامية لا تزال ترى الشام من خلال أحزابها وجماعاتها، أو تراها من خلال الضغوط الاقليمية والدولية التي تجبرهم على هدنة أو على اتفاق أو على اجتماع بينما الأولى أن يأتي ذلك نابعاً من الأحزاب نفسها ومصالحها ومصالح شعبها، وهو ما تقوم به طالبان بشكل واضح إذ إنها توسع قاعدة اتخاذ القرار والمشاركة فيه عبر تشكيل مجلس استشاري موسع، وكذلك تقاوم الضغوط الاقليمية والدولية لا سيما بعد اللجنة التي تشكلت لفرض قرارها ورؤيتها على أفغانستان وهي أميركا والصين وباكستان وروسيا ولكن الرفض الطالباني حال دون تطبيق أجندتها حتى الآن...
لا بديل للجماعات الشامية عن تقديم كل واحدة منهم لبضعة ممثلين لها أملاً في الوصول إلى مجلس شورى جامع للجميع، وبالتالي يتحمل هذا المجلس المسؤولية الشرعية والتاريخية في نقل سفينة الثورة السورية إلى برّ الأمان، أما أن يظن كل حزب أو جماعة أنه يُحسن صنعاً، ويرى نفسه بطلاً وأسداً هصوراً أمام إخوانه بينما هو حمل وديع أمام الضغوط الاقليمية والدولية، رافضاً أن يتنازل لإخوانه المجاهدين، لكنه مستعد لما هو أبعد من ذلك من الدول الأخرى التي لن يكون حرصها على الثورة الشامية بالتأكيد كحرص إخوانه المجاهدين في الجماعات الأخرى, فهذا ما لا ينبغي أن يكون...
المصدر/ شؤون خليجية