المحلل السياسي الروسي يفجيني شيستكوف في مقاله الذي نشرته صحيفة «روسيسكايا جازيتا» الروسية الحكومية وحاول فيه قراءة الاتفاق الذي أبرم بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي حول التدابير الرامية إلى حل أزمة اللاجئين، وصف تركيا بالعبارة المذكورة في العنوان.
نعم، تركيا سيدة اللعبة، إن صح وصف المفاوضات بـ «اللعبة»، لأن الدول الأوروبية تدرك جيدا أن تدفق اللاجئين إلى أوروبا يهدد مستقبل الاتحاد ونظام شنجن، كما تدرك تماما أن اليونان وحدها غير قادرة على منع وصول أمواج جديدة من المهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي الأوروبية.
هذا الواقع قد لا يعجب روسيا التي تحاول محاصرة تركيا لمعاقبتها بعد إسقاط الجيش التركي مقاتلة روسية اخترقت أجواء تركيا، ولكن الأوروبيين يعرفون جيدا أن مفتاح الأزمة التي تهدد حاضرهم ومستقبلهم بيد أنقرة، وبالتالي ينظر عقلاؤهم بإيجابية للمقترحات التي قدمتها الحكومة التركية لحل المشكلة.
موسكو منزعجة من هذا الواقع، وتحاول إثارة الدول الأوروبية ضد تركيا، زاعمة أن تلبية كل مطالب أردوغان سوف تشجعه على «الاستمرار في الابتزاز» ويصب الزيت على نيران سوريا. كما أن بعض الأوروبيين يتذمرون من التنسيق مع تركيا وقبول شروطها، بحجة أن الاتفاق المذكور ينتهك حقوق الإنسان، إلا أنهم في حقيقة الأمر مستاؤون من تعزيز هذا الاتفاق مكانة «السلطان أردوغان» ودوره. ولكن لا يبدو هناك مخرج آخر غير التعاون مع الحكومة التركية وتقديم «تنازلات» إلى أردوغان -حسب تعبيرهم- في ظل عودة السياج الحدودي إلى أوروبا وإغلاق المعابر وبوادر انهيار الاتحاد.
ما الذي كانت تنتظر موسكو وحلفاؤها من أنقرة بعد نشوب الأزمة بين روسيا وتركيا بسبب إسقاط المقاتلة الروسية؟ هل كانت تعتقد أن أردوغان سيرفع راية الاستسلام لبوتن وأن أنقرة ستقدم إلى موسكو اعتذارا رسميا لتطلب منها العفو والمغفرة؟ وما الذي يريد الأوروبيون المتذمرون؟ هل يريدون أن تكون تركيا حامية حمى أوروبا دون أن يدفعوا هم أي ثمن؟
تركيا، كما كان متوقعا منها، تستخدم الأوراق التي تملكها لحماية أمنها ومصالحها الوطنية وتتحرك في جميع الاتجاهات لتفادي آثار الأزمة التي تشهدها العلاقات التركية-الروسية، وإفشال الخطط التي تهدف إلى محاصرتها، وتغيير قواعد اللعبة لصالحها. ومن هذه التحركات دفع المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي نحو الأمام وتعزيز علاقاتها مع دول تعاني من الغطرسة الروسية مثل أوكرانيا وليتوانيا وجورجيا. وجاءت زيارة الرئيس الأوكراني الأخيرة للعاصمة التركية في هذا الإطار.
أنقرة تفاوض الدول الأوروبية لإزالة العقبات التي توضع أمام تركيا بهدف عرقلة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وللحصول على مساعدات مالية تسهم في تحسين ظروف اللاجئين السوريين، لأن المبلغ الذي تعهد الاتحاد الأوروبي بدفعه إلى تركيا بموجب الاتفاق سوف يتم صرفه حتى القرش الأخير لخدمة اللاجئين، ولا حاجة لتركيا إلى هذا المبلغ، لأنها تصرف عليهم أكثر منه بكثير.
المباحثات الجارية بين تركيا والاتحاد الأوروبي تهدف أيضا إلى دفع الدول الأوروبية باتجاه الاعتراف بجذور الأزمة في سوريا ودعم المقترحات التي تقدمها أنقرة لحلها، مثل إقامة مدن للاجئين في المناطق المحررة بشمال سوريا مع إعلان تلك المدن مناطق آمنة. والكرة الآن في ملعب الدول الأوروبية، إما ستقبل المقترحات التركية وإما ستغامر بمستقبل الاتحاد الأوروبي.
المصدر: العرب القطرية