أصبح الأمن على الشبكة العنكبوتية هاجساً للجميع: الحكومات بأنواعها، والدول بعضها ضد بعض، والأفراد الذين باتت خصوصياتهم كلأً مباحاً للقراصنة الرسميين والهواة على حد سواء، فهم الحلقة الأضعف والتي ينالها النصيب الأكبر من سهام الاعتداء بالحق نادراً،
وبالباطل غالباً.
تجسس تجار المقاومة!!
لبنان اكتشف شبكة صهيونية تعمل في لبنان بصورة غير قانونية، وفي أوربا انقسام بين أعضاء اتحادها، وفي داخل كل بلد، بين القبول بتوسيع صلاحيات أجهزة المخابرات للتجسس على النت بذريعة مكافحة الإرهاب، وبين الناس القلقة على حرياتها وخصوصياتها معاً.
لكن الأوربيين يلتقون عند نقطة الشعور بالمهانة، من تجسس الأمريكيين عليهم بل على زعاماتهم السياسية-الرئيس الفرنسي هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل!!-.
فقد أعلن وزير الاتصالات اللبناني "بطرس حرب" قبل 24 ساعة فقط، عن ضبط "شبكة للإنترنت غير قانونية" تعمل في بلاده لصالح "إسرائيل"، واصفا الأمر بـ"الإنجاز الأمني الكبير"، مؤكداً أنه يجري التحقيق للوقوف علي ملابسات القضية.
وقال "حرب"إن ضبط الشبكة وضع حداً لحالة شاذة قد تشكل خطرًا كبيرًا على الأمن اللبناني والقومي، وعلى سلامة تبادل الناس للمعلومات والتواصل".
وكانت الفرق الفنية المختصة في وزارة الاتصالات اكتشفت أجهزة تقنية وأنظمة معلوماتية في مواقع مختلفة في أعالي قمم الجبال في مختلف مناطق لبنان تعمل من دون ترخيص. تمكنت من اختراق أماكن حساسة على صلة مباشرة بالأمن القومي اللبناني، وأسرار الدولة الأمنية والعسكرية والتشريعية، كرئاسة الجمهورية، وقيادة الجيش، ومجلس النواب، وبعض الوزارات والإدارات العامة "ما سهل على من يقف خلف هذه الشبكات إيصال معلومات سرية عن الدولة اللبنانية لإسرائيل".
ما لم يجرؤ حرب على قوله، هو أن المستفيد من شبكة العدو، ابن شقيق رئيس الجمهورية الأسبق إيميل لحود، المعروف بتبعيته لملالي قم وسفاح الشام بشار الأسد، فقد كان شريكهم المحلي في التشدق بتجارة المقاومة والممانعة!!
واشنطن تتجسس على رؤساء فرنسا
قبل بضعة أشهر فاحت روائح خيانة أمريكا لأقرب حلفائها، وكانت العناوين الرئيسية في الأخبار:
-اجتماع أمني في باريس بشأن تجسس واشنطن على الرؤساء الفرنسيين بالجملة
-ألمانيا تغلق التحقيق في تجسس أميركا على ميركل
-سويسرا والنمسا تحققان بشبهات تجسس على مفاوضات النووي
-وثائق سربها سنودن تبين توسع عمليات التجسس الأميركية
-تفاصيل جديدة تتكشف بفضيحة التجسس الألمانية
-أميركا تهوِّن من "فضيحة" التنصت في فرنسا
-تنديد فرنسي جديد بـ"التنصت" الأميركي
أوباما يتعهد لهولاند بعدم التجسس مجدداً
وأثار الكشف عن عمليات التجسس في فرنسا استنكارا في الطبقة السياسية بكاملها من اليسار الحاكم إلى المعارضة اليمينية وصولا إلى أقصى اليمين.
وأعلن رئيس الحكومة الفرنسية أن على الولايات المتحدة "أن تفعل كل شيء لإصلاح" الأضرار الناجمة عن الكشف عن التجسس الأميركي على الرئاسة الفرنسية، فضلا عن تبني "مدونة حسن سلوك" بين الدول "الحليفة".
كما اعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تجسس الولايات المتحدة الأميركية على الرؤساء الفرنسيين في السنوات الأخيرة أمرا "غير مقبول".
ونشر موقع ميديا بارت وصحيفة ليبيراسيون الفرنسيين وثائق سريّة سربها موقع ويكيليكس، تكشف عن عمليات تجسس قامت بها واشنطن على هولاند وسلفيه نيكولا ساركوزي وجاك شيراك بين عامي 2006 و2012.
إلا أن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لوفول قال: إن "ما حصل غير مقبول لكنه لا يعني أننا سندخل في أزمة"، وأكد أن باريس لم تتخذ قرارا بعد بشأن إطلاق إجراءات قضائية ضد الولايات المتحدة على شاكلة ما قامت به ألمانيا في وقت سابق، حين تم الكشف عن تنصت واشنطن على هاتف المستشارة أنجيلا ميركل.
الرد على الشعب
خان الأمريكيون أصدقاءهم الفرنسيين بالتجسس على مؤسساتهم الرسمية الحساسة، بما في ذلك ثلاثة رؤساء متتالين للجمهورية، وانحنى الفرنسيون فلم يفعلوا شيئاً سوى التنديد، لكنهم ردوا في الداخل بالتضييق على الحريات الفردية والعامة، إذ
أقر البرلمان الفرنسي قانونا يمنح أجهزة المخابرات الحكومية مزيدا من حرية العمل في التنصت على الجمهور، وسط غضب بشأن تسريبات بأن الولايات المتحدة تجسست على آخر ثلاثة رؤساء فرنسيين.
ورغم المعارضة الكبيرة من منظمات الحقوق المدنية سارعت حكومة الرئيس فرانسوا هولاند إلى تمرير مشروع قانون في وقت سابق هذا العام بعد هجمات اتُّهم بشنها مسلحون "إسلاميون" وقُتل فيها 17 شخصا في يناير/كانون الثاني.
والقانون الذي وافق عليه النواب في الجمعية الوطنية يلغي الحاجة لمذكرات قضائية لاستخدام التنصت على الهواتف والكاميرات ومكبرات الصوت المخبأة وأجهزة التجسس الأخرى.
وبدلا من الحاجة لموافقة قاض يمكن لمسؤولي الأمن الفرنسيين الآن الأمر بالتجسس بعد أخذ رأي هيئة استشارية شكلت في الآونة الأخيرة مخصصة لمثل هذه الموافقات.
وفي حالات استثنائية ستتمكن وكالات المخابرات من استخدام أجهزة تجسس تسجل كل أنواع المحادثات الهاتفية والإنترنت أو الرسائل النصية في منطقة معينة.
ودافعت الحكومة الاشتراكية عن القانون باعتباره حيويا لمواجهة الأنشطة الإرهابية، حسب قولها، ونفت أنه النسخة الفرنسية من قانون المواطنة الأميركي الذي صدر بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة.
وأقر النواب الفرنسيون القانون الجديد في وقت جاء فيه رد فعل فرنسا غاضبا بسبب تسريبات مجموعة ويكيليكس بأن وكالة الأمن القومي الأميركية تجسست على اتصالات الرؤساء فرنسوا هولاند ونيكولا ساركوزي وجاك شيراك.
أمريكا تعتدي والشعوب تدفع الثمن
قالت صحيفة نيويورك تايمز إن دول العالم بدأت تسعى -بعد فضح المتعاقد مع وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن التجسس الشامل للوكالة- إلى بسط سيطرتها الإقليمية على الإنترنت بطرق تحاكي أحيانا أسوأ الممارسات الأميركية، محذرة من أن التعامل مع البيانات على أسس قُطرية يهدد بإطلاق يد كل دولة على مستخدمي الإنترنت داخلها.
وأوضحت الصحيفة في مقال للكاتب أندرو كين وودسنوف أن الإنترنت يُوصف في العادة بأنه لا يعرف الحدود القُطرية، وما يُرسل عبره من نصوص أو صور أو أصوات بأي وسيلة من وسائل التواصل الموجودة يصل في اللحظة نفسها التي يُرسل فيها إلى أي دولة في العالم.
ورغم ذلك، قال الكاتب إن الإنترنت غير المقيد بالحدود القُطرية هو مجرد وهم، فطالما توجد "كيبلات" وخوادم (سيرفرات)، فإن الحدود القطرية تأخذ أهميتها.
وأشار إلى أنه رغم أن 90% من مستخدمي الإنترنت يوجدون خارج الولايات المتحدة، فإن الشبكة العنكبوتية تهيمن عليها شركات أميركية، ونتيجة لذلك فإن كثيرا من المعلومات والبيانات غير الأميركية موجودة على الخوادم الأميركية.
وقد كان هذا الوضع يُقابل بتسامح من قبل عندما كانت الثقة في الولايات المتحدة عالية، لكن بعد ما كشفه سنودن فقد تضعضعت هذه الثقة.
وفي الشهر الماضي، قدم وزير الداخلية البريطاني مشروع قانون يُسمى "ميثاق المتطفلين"، يُتوقع منه توسيع قدرة الحكومة على جمع بيانات المستخدمين بالسماح للشرطة بالدخول إلى هواتف المستخدمين وحواسيبهم، وتكليف شركات الإنترنت بفك شفرات الاتصالات المشفرة. وقد ذهب هذا المشروع بعيدا وعارضته كثير من الجهات المدافعة عن الخصوصية.
وأشار الكاتب إلى أنه في العام الماضي وحده تقدمت الشرطة البريطانية بـ54 ألف طلب للحصول على معلومات من خمس شركات أميركية، هي: فيسبوك وغوغل ومايكروسوفت وتويتر وياهو.
وقال إن هذه الطلبات إما أنها لم تجد استجابة أو يُستجاب لها بعد وقت طويل جدا، لأن "قانون خصوصية الاتصالات الإلكترونية الأميركي لعام 1986" لا يسمح لشركات التكنولوجيا بإصدار بيانات محفوظة في أميركا إلا بأمر من قاض أميركي.
وذكر الكاتب أن هذا هو السبب الذي دفع وزارة الداخلية البريطانية إلى تقديم مشروع القانون المذكور، ومن المتوقع أن تكون كثير من الدول تقوم بنفس ما يجري في بريطانيا!
وقد دافع الكاتب البريطاني ماكس هاستنغس عن مراقبة الحكومات للإنترنت، معتبرا أنها ثمن بسيط مقابل الأمن في ظل "الحرب على الإرهاب"، وذلك بعد يوم من هجمات بروكسل التي خلفت 34 قتيلا.
وفي لقاء لنادي المراسلين الأجانب في هونغ كونغ قال هاستنغس إن "تساهلنا مع مراقبة الإنترنت بأمر من القضاء والمشرعين يبدو ثمنا بسيطا ندفعه مقابل تدابير أمنية لوقف التهديدات"، معتبرا أنه "من غير المعقول" أن يعارض المدافعون عن الحريات الشخصية المراقبة بهذه القوة.
وقال إن اعتراض المراسلات الإلكترونية في بريطانيا كان الطريقة الرئيسية للتعرف على "الإرهابيين"، لأنه "من المستحيل تقريبا التسلل داخل المجتمعات المسلمة البريطانية، بينما كشفت مراقبة الإنترنت عن عشرين إلى ثلاثين خطة تآمرية هناك خلال السنوات العشر الماضية".
وهاجم هاستنغس المتعاون السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن الذي نشر الكثير من البرقيات السرية عن برامج التنصت العالمية، وقال إنه "سبب الكثير من الضرر"، حيث بات "الإرهابيون" يستخدمون نظام تشفير أكثر تطورا.
ورأى أن الأمر الذي يستدعي القلق هو استخدام طائرات بدون طيار لتنفيذ عمليات قتل خارج القضاء من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل".
أموال ضخمة وهيمنة تقنية
تبلغ نفقات أمريكا على أعمال المخابرات 11 مليار دولار سنوياً، وهو رقم يفسر حرصها الشديد على التجسس على الجميع وليس على الذين تعاديهم، ويساعدها في استغلال الإنترنت هيمنة شركاتها العملاقة على الشبكة، مثل: غوغل وفيسبوك وتويتر، فضلاً عن سيطرتها على تقنيات الحوسبة والاتصالات الذكية بعامة، من خلال مايكروسوفت وأبل.وإذا عاندت إحدى هذه القلاع التقنية إرادة الحكومة الأمريكية-كما في الصراع الحالي على اختراق هاتف آيفون – فإن الإدارة تسخِّر طاقاتها المالية وقدراتها السياسية لبلوغ غاياتها، بينما الأصل رضوخ تلك الشركات رغبة أو رهبة أو قناعة، لكن ذلك كله يخص الساحة الأمريكية، بينما يحظى تهديد أمان الآخرين وانتهاك حقوقهم –شعوباً وجماعات وأفراداً- بإجماع أو ما يقارب الإجماع بين القوى المتناحرة في الداخل!!