انقلاب شعبي لبناني يتجاهله الإعلام
25 شعبان 1437
منذر الأسعد

الانتخابات البلدية –عادةً-ذات طابع تنموي خدماتي في جميع الدول، ولذلك لا تحظى بعناية وسائل الإعلام بوجه عام، فكيف قفزت الانتخابات البلدية في لبنان إلى ذروة الهرم فجأةً في بلد، كل مؤسساته الرسمية معطلة:منصب رئيس الجمهورية شاغر بـ"فضل" السيطرة الإيرانية، والبرلمان منتهي الصلاحية لكنه يمدد لنفسه بمزاج طهران، والحكومة تقوم بالحد الأدنى من شكليات الحكومة، والقضاء يصدر أحكامه بما يلائم إملاءات خامنئي وبشار الأسد.

*******

 

منذ انطلاق المرحلة الأولى للانتخابات البلدية الأخيرة في لبنان، بدا جلياً أنها ستكون مختلفة عن كل ما سبقها في تاريخ هـا البلد المنكوب بساسته، فاصطبغت بلون سياسي فاقع، فاجأ الساسة التقليديين من الفريقين المتناحرين:14 و8 آذار.

 

جاءت النتائج في المناطق الشيعية بمثابة انقلاب تدريجي صامت على تحكم حزب الولي الفقيه بالغيتو الشيعي المغلق لحساب نصر اللات وأدواته بالترهيب (القتل والتخوين والتكفير) والترغيب (المال السخي والتوظيف والمناصب والسفر والوكالات التجارية).

 

وها هي المرحلة الرابعة-والأخيرة-التي شهدتها طرابلس وعكار تنتهي بصدمة للمتنفذين التقليديين، على يد حليف سابق لتيار المستقبل هو أشرف ريفي وزير العدل المستقيل!

 

فاللواء ريفي-وكان قبل ذلك قائداً لقوى الأمن الداخلي-أحد أبرز المؤيدين بقوة وإخلاص لرئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، هو متزعم ما يمكن وصفه بـ "انقلاب" الشمال اللبناني! فقد أظهرت النتائج غير الرسمية فوز اللائحة المدعومة من الوزير ريفي في مدينة طرابلس، على حساب لائحة مدعومة من رئيسيْ الوزراء السابقَيْن سعد الحريري ونجيب ميقاتي والجماعة الإسلامية وعائلة كرامي....

 

وتشكل هذه النتائج مفاجأة كبيرة للمراقبين، حيث واجه ريفي تحالفا سياسيا عريضا في مدينة تُعدّ الأهم بعد العاصمة بيروت.

 

فقد حصلت لائحة "قرار طرابلس" التابعة لريفي على 18 مقعداً مقابل ستة مقاعد للائحة التوافق التي شكلها تحالف رئيسي الوزراء السابقين ميقاتي والحريري والوزيرين محمد الصفدي وفيصل كرامي والجماعة الإسلامية، وغيرهم من فعاليات المدينة.

 

وكانت الصفعة التي تلقاها الحريري الابن مزدوجة، حيث خسر تياره كذلك عدداً من البلديات المهمة في عكار والضنية والمنية، تضاف إلى خسائره السابقة في عدة مناطق لبنانية أخرى.

 

وكانت شعبية الوزير ريفي ارتفعت أضعافاً مضاعفة لدى أهل السنة اللبنانيين –وبخاصة في مدينته طرابلس ذات الهوية السنية القوية- منذ أن استقال من منصبه بوزارة العدل في حكومة تمام سلام التي كان يمثل فيها تيار الحريري، احتجاجاً على الضغوط التي يمارسها حزب اللات على السلك القضائي(منها:إطلاق الإرهابي الكبير ميشيل سماحة ناقل متفجرات بشار الأسد لاغتيال شخصيات دينية وسياسية رفيعة لتجديد الاحتراب الأهلي الطائفي).

 

ويرفض ريفي التنازلات المتلاحقة التي يقدمها سعد الحريري لحزب اللات وبقاء وزراء المستقبل شهود زور في حكومة تذعن لإملاءات نصر اللات وسيده علي خامنئي.

 

ومما ساعد في تحقق الفوز الساحق للائحة ريفي، نقمة أهل طرابلس على المجلس البلدي السابق الذي أفشلته تناحرات ميقاتي والحريري!

 

ويمكن القول إنّ حسابات الأحزاب الكبرى في الشمال كانت خاطئة في معظمها، فقد خسر تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية معركتين أساسيتين في بلدة القبيات في عكار، وتنورين في البترون أمام الزعامات المحلية.

 

ومن النتائج ذات الدلالة أيضا، قدرة لائحة المجتمع المدني في مدينة زغرتا على حشد نحو ثلث الأصوات في وجه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية المرشح لرئاسة الجمهورية وخصمه المحلي التاريخي ميشيل معوض.

 

وعقب ظهور نتائج الانتخابات في محافظتي طرابلس والشمال، عقد الوزير ريفي مؤتمراً صحفياً في مدينة طرابلس، جدد فيه اعتزامه مواصلة ما سماه"مقاتلة" حزب الله سياسيا وحضاريا وإعلاميا، لكي لا يصبح لبنان إيرانياً.

 

وقال ريفي إن طرابلس كانت وستبقى مدينة العيش المشترك، ونحن مصرون على العيش معا مسلمين ومسيحيين شيعة وسنة وعلويين".

 

والأحد قبل الماضي أُجريت المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية في محافظتي الجنوب والنبطية، في حين أُجريت المرحلة الثانية في محافظة جبل لبنان في 15 مايو الجاري، وأُجريت المرحلة الأولى في الثامن من الشهر الجاري في محافظات بيروت، والبقاع، وبعلبك-الهرمل.

 

والملاحظ أن الإعلام اللبناني الذي يهتم كثيراً لحادث مروري عادي، تعامل بكثير من التعتيم المتعمد مع نتائج الانتخابات المحلية، التي يصفها الخبراء والمحللون المحايدون بأنها ثورة شعبية ناعمة. والتفسير ميسور إذ إن مالكي المحطات الفضائية والصحف هم أنفسهم المسيطرون على المشهد السياسي اللبناني، أو هم من أدواتهم في تزييف الوعي والتلاعب بالمشاعر.