لأكثر من سنة والشعب التركي يتعرض إلى هجمات إرهابية عبر الحدود التركية السورية، وبعضها كان بالقصف الصاروخي أو المدفعي على مدينة كلس وغيرها من المدن التركية الجنوبية، وقد أوقعت العديد من الشهداء والجرحى من جميع قوميات الشعب التركي، وأحدثت آثارا سلبية مادية ومعنوية لأهالي تلك المدن التركية الجنوبية وزوارها وسياحها، وفضلا عن ذلك أيضًا العمليات التفجيرية الانتحارية التي ضربت إسطنبول وأنقرة وغيرهما من المدن التركية، التي تم التخطيط لها على الأراضي السورية، وتم تهريب الأسلحة والمتفجرات التي نفذت بها هذه العمليات، مثل التي وقعت في سوروج والريحانية وغازي عنتاب وغيرها، وقد وقع ضحيتها مئات الشهداء والجرحى أيضًا.
وهذا تطلب أن تقوم الحكومة التركية بتأمين شعبها وأمنها القومي، فالهدف الأول لأي عملية عسكرية تركية على الحدود التركية السورية هو حماية الشعب التركي من الهجمات الإرهابية التي تضرب الشعب التركي وتهدد أمنه واستقراره بالخطر، وكذلك الخطوة الأخيرة التي بدأت بتاريخ 24/8/2016، حيث أعلنت وكالة الأناضول التركية: "بدأت قوة المهام الخاصة المشتركة في القوات المسلحة التركية والقوات الجوية للتحالف الدولي، حملة عسكرية على مدينة جرابلس التابعة لمحافظة حلب شمالي سوريا". وأما أهداف الحملة فهي:
1ـ هدف تطهير المنطقة من تنظيم داعش الإرهابي.
2 ـ المساهمة في زيادة أمن الحدود.
3 ـ إيلاء الأولوية لوحدة الأراضي السورية ودعمها.
4 ـ منع حدوث موجة نزوح جديدة.
5 ـ إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في المنطقة.
6 ـ تطهير المنطقة من العناصر الإرهابية.
7 ـ مكافحة فعالة ضد المنظمات الإرهابية التي تستهدف الدولة التركية ومواطنيها الأبرياء.
8 ـ التعاون مع المجتمع الدولي وقوات التحالف في مواجهة التنظيمات الإرهابية.
إن التطورات الأخيرة في شمال سوريا خطيرة جدا بالنسبة للأمن القومي التركي، والتي بدأت باحتلال قوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي للقرى والمدن العربية شمال سوريا وإجراء عمليات تطهير عرقي فيها، وبعدها الأخطار التي حصلت شمال سوريا بسعي حزب الاتحاد الديمقراطي بإقامة كيان كردي، فهذا المشروع وبعد تجاوز خط نهر الفرات نحو الغرب، أشعل فتيل الخطر الحقيقي على الحدود التركية، وما كان لقوات حماية الشعب الكردي تحقيق انتصارات على أبناء الشعب السوري وفصائله المقاتلة ولا احتلال القرى السورية وإخراج أهلها منها إلا بدعم خارجي أجنبي، بدأ بدعم من بشار الأسد بهدف توريط حزب الاتحاد الديمقراطي بمقاتلة فصائل المعارضة السورية، ثم جاء الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي من الحرس الثوري الإيراني لنفس الهدف الذي أراده بشار الأسد، وهو ما وافقت عليه روسيا بتقديم دعم لحزب الاتحاد الديمقراطي وبالأخص بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية 24/11/2015، ولكن هذا الدعم السوري والإيراني والروسي حصدت نتائجه وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون ومخططاتها في تقسيم سوريا، فأخذت أمريكا بدعم حزب الاتحاد الديمقراطي بحجة مقاتلة داعش وتحرير الأراضي التي تسيطر عليها، ووضع المقاتلين التابعين لحزب الاتحاد الديمقراطي مكانها، سواء كانت باسم قوات حماية الشعب، أو باسم قوات سوريا الديمقراطية، والتي شكلها الأمريكيون لخداع العرب والأتراك بأن قوات سوريا الديمقراطية ليست قوات كردية فقط، بينما قرارها السياسي والعسكري تابع لحزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح مسلم، والذي يخضع بدوره لقيادة حزب العمال الكردستاني الإرهابي، ورغم علم أمريكا ذلك ولكنها تريد توظيف كل الأحزاب الكردية وميليشياتها المسلحة ولو كانت متهمة بالإرهاب لتنفيذ مشروعها في تقسيم سوريا، والأكراد يظنون أن الفرصة التاريخية قد حانت لإقامة دولة كردية تمانع عنها اتفاق "سايكس بيكو" بعد الحرب العالمية الأولى عام 1916، وفي ظنهم أن أمريكا قادرة وراغبة بإقامة هذا الكيان في سوريا كما أقامته في العراق، وسوف تواصل العمل عليه لإقامته في تركيا وإيران أيضًا.
لذلك فإن تدخل الجيش التركي إلى جرابلس وهو يعمل لتحرير جرابلس من داعش فإنه يعمل أيضا لمنع احتلال جرابلس من قوات سوريا الديمقراطية أو غيرها من الميليشيات التابعة لحزب العمال الكردستاني، وتوقيت التدخل التركي مهم جدًا، فقد تمكن الجيش التركي أولًا من تطهير الجيش التركي من الجنرالات العسكريين الموالين لتنظيم فتح الله جولن الإرهابي بعد تورطهم بالانقلاب الفاشل 15 يوليو 2016 في تركيا، وهم الجنرالات الذين كانت تعول عليهم أمريكا لعرقلة تحركات الجيش التركي ضد مشاريع أمريكا في سوريا، وكذلك جاء التوقيت التركي قبل وصول نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن بساعات إلى العاصمة التركية أنقرة، وكذلك جاء التدخل التركي بتفاهمات عسكرية وسياسية أعلنت عنها تركيا مع القيادة الروسية، ولا شك أن هذه التفاهمات التركية مع روسيا شملت الحكومة الإيرانية وبشار الأسد، وقد تحدثت أخبار الأسابيع الماضية عن اتصالات سرية بين الحكومتين التركية والسورية في أكثر من مكان وزمان، ولا بد أن تلك اللقاءات جاءت لتطمين الحكومة السورية بأن الحملة التركية مؤقتة أولًا، وللقضاء على تنظيم داعش في جرابلس ثانيا، والحيلولة دون إقامة كيان كردي وتقسيم سوريا ثالثًا، فالحملة التركية محدودة الأهداف والمكان والزمان، وهي بتعاونها مع الدول المعنية بعدم تقسيم سوريا تقدم دليلا على أن القوى الاستعمارية لم تعد قادرة على فرض رؤيتها في تقسيم المنطقة رغما عن دول المنطقة وشعوبها كما حصل عام 1916.
المصدر/ بوابة الشرق الإلكترونية