الإجماع الإعلامي المريب على تبرئة أوباما من دماء السوريين
5 ذو الحجه 1437
منذر الأسعد

هل يمكن – في عصر التدفق المعلوماتي الضخم - أن يخضع الإعلام في العالم كله لقرار دولة معينة، حتى لو كانت الولايات المتحدة الأمريكية؟

 

كثير من الناس سيسارعون إلى الإجابة بالنفي، ونفيهم وجيه إذا تعلق الأمر الشبكة العنكبوتية وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا طوفان تتعذر السيطرة عليه، لأنه متاح لجميع البشر الذين يمتلكون منافذ على الإنترنت، وعددهم يربو على مليارَيْ إنسان موزعين على سائر بقاع الأرض.

 

ويجد العقل صعوبة في الإقرار بأن تمتثل وسائل الإعلام التقليدي لإملاءات دولة أو منظمة أو جهة مهما بلغ نفوذها، نظراً للتنوع الشديد في القناعات والمصالح حيث يسود التنافس الشرس بين الحكومات والأجهزة والشركات العملاقة...

 

من هنا، يقف المرء مذهولاً من استكانة جيوش الإعلام التقليدي تلك جميعها، لصورة نمطية مصدرها الإدارة الأمريكية وما يتبعها من أجهزة استخبارات، وخلاصتها أن الرئيس الأمريكي الذي سيودع البيت الأبيض قريباً، بريء من محنة الشعب السوري براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام!! ولأن القوم لا يلعبون فإنهم يدركون أن تزويراً بهذا المستوى المكشوف، يستحيل تمريره إذا بقي بصورته الفجة، ولذلك يمزجون الفرية الكبرى بانتقادات لا يخلو بعضها من قسوة لسياسات أوباما إزاء مأساة السوريين..

 

يتفرج على نحر حلب

انتقدت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية موقف أوباما إزاء "الحرب" التي تعصف بسوريا منذ سنوات، وقالت إنه يقف متفرجاً بينما تتعرض حلب للدمار ويتعرض أهلها للتجويع والحصار!!

 

وقالت الصحيفة إن طيران الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطيران بشار الأسد يستهدفان الأبنية السكينة والمخابز على وجه الخصوص، كما يقصفان المستشفيات والعيادات الطبية وهو ما يعتبر جرائم حرب واضحة.

 

وأشارت واشنطن بوست إلى أن الأطباء في الجزء الواقع تحت سيطرة الثوار من حلب الذين نجوا من القصف الذي تعرضت له المستشفيات، وجهوا قبل أيام رسالة مفتوحة إلى الرئيس أوباما

قالوا فيها: إن الولايات المتحدة تشترك في المسؤولية عن جرائم النظام السوري وحليفه الروسي، وذلك لأنها تسمح لهم بالاستمرار في جرائمهم.

 

هذا التقرير الإخباري الاستثنائي لا يبرئ الصحيفة الشهيرة، فالتغطية العامة بالأخبار والتحليل والرأي لمحنة السوريين، لا تحظى إلا بزواياها الثانوية، مع التلاعب بالمصطلحات مثل الآخرين جميعاً؛فليس في سوريا شعب شجاع ثار على طاغيته، وإنما هي "حرب" أو " أزمة"!!

 

والجميع يكملون تزييفهم للحقائق، بهرائهم عن أن أمريكا في عهد أوباما ترفض التدخل عسكرياً!! وهي خرافة يختلقونها لكي يصدقها المجانين.. فجريمة أمريكا ليست في عدم تدخلها لإنقاذ السوريين من الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها منذ نحو ست سنوات، بمشاركة روسية وإيرانية يدعمها مرتزقة طائفيون من دول عدة..

 

إن أوباما المجرم منع تركيا من إقامة منطقة عازلة لحماية اللاجئين الهاربين من وحشية بشار، كما منع الثوار السوريين من امتلاك مضادات جوية فاعلة، وفرض إجرامه على القلة القليلة من الدول المتعاطفة مع الشعب الأعزل.

 

كذبة مساندة

لكي تستساغ الكذبة الأم، جرى تطعيمها بكذبات إضافية، كالحديث المتكرر عن "فشل أوباما" في إزاحة الأسد!!

 

وها هي واشنطن تايمز تنشر تحليلاً إخبارياً كتبه ديف بوير قال فيه: إن الرئيس باراك أوباما دعا قبل خمس سنوات الرئيس السوري بشار الأسد إلى ضرورة التنحي عن السلطة، لكن طلب أوباما أثبت عدم جدواه، وسط اندلاع حرب أهلية وحشية في البلاد.

 

لم يعد من سوري يقتنع بأسطورة أن أوباما أراد في أي وقت إزاحة السفاح عن كرسيه، فعندما أرادت أمريكا إخراج عصابات بشار من لبنان سنة 2005م، لم تكن في حاجة إلى أكثر من فاكس أرسله موظف صغير في الخارجية الأمريكية، أبلغ عميلهم في دمشق بلغة جافة واستعلائية: معك 72 ساعة لكي يغادر آخر جنودك الأراضي اللبنانية!! نقطة آخر السطر.. انتهى!!

 

وتكتمل مهزلة الصحيفة في ختام هذا التحليل المتناقض مع متنه كله:

وأضافت أن إدارة أوباما تنسق مع روسيا بشأن حملات جوية في سوريا، وذلك بالرغم من أن روسيا تستهدف بالقصف الجماعات السورية المعتدلة التي يحظى بعضها بدعم من أميركا نفسها، الأمر الذي يزيد من تشويه مصداقية الولايات المتحدة لدى الثوار في سوريا ولدى حلفائها في الشرق الأوسط بشكل عام.

 

ضعف أمريكا وحلفائها على الأرض

هنا تولت مجلة نيوزويك الأميركية التسويق للكذبة الرئيسية من زاوية أخرى، فقد قالت: حان الوقت للاعتراف بأن سياسة الاحتواء التي انتهجها الرئيس باراك أوباما في سوريا قد فشلت، والسبب الرئيسي في ذلك هو ضعف أميركا وحلفائها عسكريا على الأرض.

 

فمن المقصود بحلفاء أمريكا هنا؟ أهم العشرات من بقايا الجيش الحر الذين وافقوا على فجور واشنطن بالتعهد مسبقاً أنهم لن يقاتلوا عصابات الطاغية ومرتزقة شركائه؟

 

أم ملاحدة الكرد الذين ثبت أنها سلَّحتْهم إلى حدود تؤرق الجيش التركي الذي يتدخل حالياً في جرابلس؟ -نتكلم عن ثاني جيش في حلف الناتو!!-.

 

مزايدة أشد فجوراً

لكي يمرروا خدعتهم الرخيصة، أخذ بعض النافذين في أمريكا مواقف على يمين يمين يمين أوباما!!
ويكفي هذا المثال لكل ذي بصيرة..

 

تحت عنوان:خطأ أوباما الحقيقي في سوريا، نشرت بروجيكت سينديكيت مقالاً مليئاً بالكذب الفج..
جاء في مقال الزور:

ارتكبت إدارة أوباما خطأ كبيرا في سوريا وهو فشلها في أن تأخذ بالحسبان مصالح القوى الأخرى، فروسيا على وجه الخصوص لديها مصالح إستراتيجية كبيرة في سوريا ومخاوف جدية من استيلاء الجهاديين على السلطة والذين يضمون حسب روايات عديدة عناصر متطرفة من الشيشان.

 

لقد رفضت الولايات المتحدة الأميركية كل ذلك حيث كانت غير قادرة على التجاوب مع أي شيء قد يقوله أعضاء حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعوضا عن ذلك أعطى المسؤولون الأميركيون في كثير من المرات محاضرات لنظرائهم الروس عن شرور نظام الأسد وأعلنوا أنه يتوجب على روسيا أن تكون على الجانب الصحيح من التاريخ.

 

ولكن هل الإطاحة بحكومة سيادية -وحتى لو كانت دكتاتورية مرعبة مثل دكتاتورية الأسد- ستضع الولايات المتحدة الأميركية أو روسيا على الجانب الصحيح من التاريخ؟ إن سوريا ما تزال عضوا في الأمم المتحدة على الرغم من كل شيء، وعلينا أن نتذكر مجددا كيف كان مصير المحاولات السابقة لتغيير الأنظمة بالقوة مثل ما حصل في ليبيا.

 

لكن في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الأماكن -البعيدة عادة عن الخطوط الأمامية- تستمر الثرثرة عن الفرص الضائعة المفترضة للتدخل عسكريا وحماية المدنيين، فهناك قلة راغبون في النظر في إمكانية أن الفرصة الضائعة الحقيقة تكمن في الفشل في المساعدة في قيادة المفاوضات لتحقيق تسوية تعزز السلام وتكون قابلة للحياة، وربما كان الأمر ببساطة يتعلق بسياسة الحفاظ على الذات سياسيا؛ ففي الولايات المتحدة الأميركية وربما أكثر من أي مكان آخر فإنه يتم السخرية من تغيير المرء لرأيه واعتباره من باب التخبط وبأنه خيار أسوأ من التمسك بسياسة فاشلة.

 

على الرغم من ذلك فإنه يبدو أن بعض التغيرات الواعدة تحصل حاليا؛ فتنظيم الدولة الإسلامية بدأ بخسارة مواقعه كما بدأت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بتكثيف محادثاتهما المتعلقة بالمزيد من التنسيق العسكري حيث نأمل أن يمتد هذا التعاون للتخطيط لكيفية إدارة مجتمع معقد ومدمر في المستقبل.

 

بالطبع فمن الصعب حاليا القول ما الذي ستتمخض عنه الأزمة السورية؛ دولة جديدة بقيادة السنة؟ دول متعددة جديدة؟ بل أكثر من ذلك يوجد احتمال لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

 

ويزعم الفاجر الكذوب أن داعش ظهرت في وقت مبكر من بداية الثورة السورية:

لقد اتضحت الأخطاء في تقييم إدارة أوباما للأزمة السورية بعد ذلك بوقت قصير، وكان أكثرها وضوحا هو أن المتطرفين وبدعم أجنبي تمكنوا سريعا من الهيمنة على "الحركة الديمقراطية الشعبية". إن الكيان الذي ظهر (تنظيم الدولة الإسلامية) لم يكن يحاول إسقاط دكتاتور وحشي بل قمع غير المؤمنين والمرتدين وإقامة خلافة إسلامية سنية متشددة.

 

إن العديد من الغرباء يدعون أن التطرف لم يكن أمرا حتميا وأنه حصل بالضبط لأن القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة الأميركية فشلت في التدخل بوقت مبكر وبشكل أكثر قوة، ولكن الدراسات تشير إلى أن التحول حدث في فترة مبكرة جدا وربما لم تكن الحركة المعادية للأسد تحالفا ديمقراطيا مستنيرا كما ادعى مناصروه الدوليون أو على الأقل ليس بشكل كامل.