أحدث فصول المؤامرة الأمريكية على اليمن
24 ذو الحجه 1437
منذر الأسعد

فاجأت أمريكا اليمنيين والعرب والعالم كله، بدخولها المباشر والفج على خط المأساة اليمنية، زاعمةً أن لدى وزير خارجيتها جون كيري خطة للحل،  لكنها لا تعلن تفاصيل هذه الخطة-حيث تكمن شياطين القوم كما يقولون-، بل إنها لم تبلغ الأطراف المعنية بخفايا محتوياتها!! وكأن المطلوب هو أن يبصموا لها على القبول سلفاً بما يحتويه صندوقها الأسود المقفل!!

 

فما هي خطة كيري السرية؟ وما حظوظها من النجاح؟

 

تلاعب أممي
لكي تتبين معالم الخداع الأمريكي الراهن، لا بد من العودة إلى صورة الموقف الدولي، لأن تعثر الأخير هو الذي يتيح للأمريكان تقديم أنفسهم كمنقذين بدلاً من فاقد!!

 

وخاصة بعد أن أثبتت الشهور الماضية-بكل أسف- صحة الشكوك في المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وأنه ليس أفضل من سلفه المغربي جمال بن عمر الذي تمت تنحيته لسوء سلوكه وتحيزاته المكشوفة إلى جانب الانقلابيين..و كان ابن عمر قد ختم عمله في اليمن بمحاولة تضليل الرأي العام الدولي، فأساء إلى سيرته كدبلوماسي محترف، عندما ادعى أن الأطراف اليمنية كانت قاب قوسين أو أدنى من إبرام اتفاق سياسي، نتيجة حوار دام أكثر من شهرين عشية إطلاق "عاصفة الحزم"، بالرغم من اضطراره إلى الإقرار بتصاعد العنف في البلاد بعد احتلال الحوثيين للعاصمة صنعاء لاستكمال الانقلاب على الدولة!!

 

لكنه تناقض مع نفسه ومع الحقيقة الناصعة فقال:"أبلغت مجلس الأمن أن انهيار العملية الانتقالية لم يكن بسبب تقصير من أحد الأطراف، بل كان نتيجة لأخطاء متراكمة وحسابات خاطئة بدرجات متفاوتة لجميع الأطراف"!!

 

بل إن هذا الألعبان اعترض على قرار مجلس الأمن فرض حظر جديد على السلاح يستهدف الحوثيين، زاعماً أنه قد يعرقل تسليم مساعدات إنسانية يحتاجها اليمن بشدة!!

 

وأما ولد الشيخ فقد تجاهل كل ألاعيب الحوثي والمخلوع والتي أفشلت مشاورات الكويت، واتخذ من نفيه فشل هذه المشاورات، جسراً لتبرئة الانقلابيين من تعمدهما إيصال التسوية السياسية إلى طريق مسدود!!بالرغم من أن "المجلس السياسي الأعلى"الذي أعلنه الحوثيون والمخلوع سدد الضربة القاضية لمشاورات الكويت، واعتبره ولد الشيخ نفسه (انتهاكاً كبيراً) لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216!

 

وهذا ما دفع الكاتب السعودي سليمان العقيلي إلى القول: إن ولد الشيخ يقدم نفسه طرفاً محايداً ، لكن الواقع يجافي كل ما يطرح، وأبدى العقيلي أسفه لأن المبعوثين الدوليين إلى اليمن أصبحوا "شهود زور".

 

ومضى يقول إن هدنة الكويت التي استمرت 82 يوماً تسببت في تعزيز الحوثيين وصالح لوضعهم الميداني وتلقيهم إمدادات وترتيبهم لصفوفهم، مما أخل بموازين القوى التي كانت لصالح الشرعية عام  2015 م.

 

الواجهة الروسية
انتهجت إدارة أوباما في اليمن النهج ذاته الذي تعاملت به مع المأساة السورية، فسيوفها مع الظالم ولسانها مع المظلوم، وعندما تجد نفسها في زاوية محرجة تستعين بخدمات عميلها الروسي الجاهز للبيع..

 

ففي شهر أغسطس/آب الماضي فشل مجلس الأمن الدولي في إصدار بيان-أجل:بيان!!- بشأن اليمن بعدما أصرت روسيا على تضمينه عبارة تدعو كل الأطراف إلى التعاون مع جهود المبعوث الدولي، وهو موقف رحب به الحوثيون.

 

ورأى الكاتب والمحلل السياسي اليمني محمد جميح أن ولد الشيخ قدم رؤية أممية للحل السياسي وقعت عليها الحكومة ولم يوقعها الحوثيون، متسائلاً: "كيف تكون موسكو داعمة لمبعوث أممي وهي تعرقل في نفس الوقت مطالبته مجلس الأمن بدعوة الحوثيين وصالح إلى التوقيع؟".

 

وأضاف أن وثيقة الاتفاق صيغت من أفكار قدمتها دول أعضاء دائمة العضوية، ولم تكن روسيا بعيدة عنهاً، لافتا إلى أن الحكومة -رغم اعتراضها على الكثير من النقاط- وقعت عليها إيثاراً للسلام.

 

أما قول مندوب روسيا فيتالي تشوركين إن الوثيقة تركز على الإجراءات الأمنية وتهمل السياسية، فرأى جميح أنه فضيحة ، إذ إن الوثيقة تلزم جميع الأطراف بالإجراءات الأمنية والعسكرية والسياسية خلال 45 يوما.

 

الرمال المتحركة
يبدو من مجمل المشهد الذي أوجزنا أبرز محطاته، أنه لم يعد أمام واشنطن مفر من الجهر بنياتها الحقيقية بعد التفنن في إخفائها وتلوينها بما يلائم الظروف ..فقد بات جلياً أن التحالف العربي يعكف بجدية على تحرير صنعاء بالتنسيق مع الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، وهذا من شأنه إجهاض الدور الأمريكي الذي لا يبعد-فعلياً- عن الأطماع الإيرانية، وإن كانت الجغرافيا-مجاورة السعودية لليمن- لا تسمح لأمريكا أن تمارس في اليمن الفجور الذي مارسته في سوريا.. لا بد أن يتخذ الإخراج هنا أسلوباً مختلفاً ..

 

وأعلن كيري خطته بعد عقده اجتماعا مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بمدينة جدة السعودية بحضور وزير بريطاني ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد لمناقشة سبل إيقاف الحرب المستمرة بهذا البلد منذ أن استولى الحوثيون وأنصار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على السلطة قبل نحو عام ونصف عام.

 

وكشف الوزير الأميركي خطوطا عريضة بشأن خطته لتسوية النزاع باليمن، قائلا إنها تشمل في المرحلة الأولى تشكيلا سريعا لحكومة وحدة وطنية وتقاسم السلطة بين الأطراف، وانسحاب القوى العسكرية من صنعاء وغيرها من المدن، وتسليم جميع الأسلحة الثقيلة -بما في ذلك الصواريخ البالستية وقاذفاتها- إلى طرف ثالث لم يسمه.

 

وجددت الحكومة اليمنية استعدادها للتعامل الإيجابي مع أي حلول سلمية ما دامت تستند إلى المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ونتائج مؤتمر الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، في حين رحب الحوثيون وحزب صالح باستئناف محادثات السلام شريطة أن يتوقف التحالف العربي عن مهاجمة المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

 

وأوضحت مصادر دبلوماسية يمنية أن واشنطن ترغب في حل الأزمة اليمنية قبل نهاية السنة الجارية، وأن كيري يصر على استئناف مشاورات السلام، لكن الباحث في منظمة "شاتام هاوس" بلندن بيتر سالزبوري قال إن "للأميركيين قدرة محدودة على إنتاج تسوية سلمية ذات معنى"!!

 

ثُلُثا السلطة للانقلابيين!!
يحرص كيري حتى اللحظة على التكتم على بنود خطته، إلا إن ما تم تسريبه منها يتناقض مع خريطة السلام التي تقدم بها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن أثناء مشاورات السلام في الأشهر الماضية كما تتعارض الخطة مع قرار مجلس الأمن الدولي.

 

وقد اعترف كبير الباحثين في مؤسسة "أميركان إنتربرايز" ماثيو ماكينيس بأن كثيراً من الناس في واشنطن لا يفهمون ما الذي يسعى إليه جون كيري بالضبط في مفاوضاته بشأن اليمن، وربما يرجع ذلك إلى صعوبة اعتراف الخارجية الأميركية بأنه رغم أن الولايات المتحدة ستواصل دعمها لقرارات مجلس الأمن فإن الكثير من قرارات الأمم المتحدة للحل في اليمن لم تعد قابلة للتطبيق على الأرض!!

 

وأكد ماكينيس في حديث لقناة الجزيرة القطرية أن الإدارة الأميركية تحاول إيجاد طريقة لتشكيل حكومة وحدة وطنية على الأقل في شمال اليمن، وهذا الأمر سيتطلب إجراء بعض التغييرات في قرارات مجلس الأمن، لأن الحوثيين غير راضين عن هذا القرار، وقال: سمعنا إشاعات تتحدث عن تقسيم السلطة في شمال اليمن على أساس ثلث المناصب للرئيس المخلوع علي صالح وثلث للرئيس عبد ربه منصور هادي وثلث للحوثيين!!

 

هذه الإشارات التي يتحدث عنها ماكينيس على أنها شائعات، تمثل قلب الخطة الأمريكية القذرة، التي تعرض على الشعب اليمني إما الرضوخ للحوثي الكهنوتي والمخلوع صالح –بمنحهما ثلثي السلطة!!- وإما تقسيم اليمن والسماح لخامنئي بمزيد من تدميره عبر عملائه..

 

وبأي منطق تسعى دولة كبرى وعضو دائم بمجلس الأمن إلى نسف قراراته لأن الحوثي يعترض عليها؟ وكيف تتجاهل سلطة يعترف بها الخليجيون والعرب والعالم بمن فيهم أمريكا نفسها، ثم تقرر تسليم السلاح إلى طرف ثالث؟

 

إنه الحقد الأمريكي مجتمعاً مع الخبث لبسط المنطقة أمام كلاب حراستهم المجوس الجدد لكي ينهشوا لحمها لفائدة الصهاينة وفائدة الغرب وشفاء ضغائنه !!

 

ولكي تكتمل المهزلة، أوحى الصليبيون الجدد إلى أداة أدواتهم الحوثي بأن يرفض مبادرتهم التي تعطيه ما لم يكن يحلم به ولو في خياله المريض.