أم يعقوب ونساء القدوات
16 صفر 1438
د. عمر بن عبد الله المقبل

لما حدّث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلّجات للحُسن، المغيّرات خلقَ الله» فبلغ ذلك امرأةً من بني أسد، يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديثٌ بلغني عنك أنك لعنتَ الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحُسن، المغيرات خلقَ الله؟ فقال عبدالله: وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ وهو في كتاب الله، فقالت المرأة: لقد قرأتُ ما بيْن لوْحَي المصحف فما وجدته! فقال: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾[الحشر: 7]، فقالت المرأة: فإني أرى شيئًا من هذا على امرأتك الآن، قال: «اذهبي فانظري»، قال: فدخلتْ على امرأة عبد الله فلم تر شيئًا، فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئًا، فقال: «أما لو كان ذلك لم نجامعها»([1]).

 

هذا الموقف من أم يعقوب وعبدالله بن مسعود - رضي الله عنهما - يحمل في طياته رسالةً واضحة، وهي: أن لنساء القُدُوات شأناً آخر غير النساء الأُخريات.. ومن نافلة القول: أن الأحكام الشرعية لا فرق فيها بين شخص وآخر؛ ولكن الشرع الكريم والفطرة يدلان على أن للقدوات شأناً آخر غير، وآيات سورة الأحزاب في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم دليلٌ ظاهر.

 

اليوم يتكرر تساؤل أم يعقوب ـ وهي تشاهد نساءَ القُدُوات في صالات الأفراح، و"الانستغرام" و"سناب تشات" وغيرها ـ عن هذا التوسّعِ من نساءِ القدوات في تتبّعِ الرُّخص، والضعف في الأخذ بالعزائم، خاصة فيما يتعلق باللباس والحشمة، بل ربما تَسابق بعضُهن إلى تتبّع أقوالٍ قد تصل إلى حدّ الشذوذ! مما أثّر سلباً على نظرة بقية نساء المجتمع إلى أولئك القدوات، وصارت الحالة التي مرّت بها أمُ يعقوب تتجدَّد معها بعضُ الأسئلة، كالسؤال عن أثر القوامة من قِبَل زوجِ أو والدِ هؤلاء النسوة؟ وهل هؤلاء القدوات يُدركون أثرَ ضعفِ القوامة على غيرهم من الناس من الذين ينظرون إليهم وإلى نسائهم بمنظر الإجلال والتقدير؟ وهل يقع في خلَدِهم أن عدداً غيرَ قليلٍ من النساء سيتعلَّلن ـ عند تساهلهن في اللباس وغيره من منظاهر التراخي والتوسّع غير الحميد ـ بنسائهم اللاتي سبقنهم إلى هذا المركب؟

 

لقد كان الفاروق رضي الله عنه يُدرك أن الأعين تنظر إلى القُدُوات وأهليهم نظراً مختلفاً عن غيرهم، كما حدّث ابنُ عمر قائلاً: كان عمر بن الخطاب إذا نهى الناسَ عن شيءٍ دخل إلى أهله - أو قال: جمع - فقال: «إني نَهيتُ عن كذا وكذا، والناسُ إنما ينظرون إليكم نظرَ الطيرَ إلى اللحم، فإن وقعتم وقَعوا، وإن هِبتم هابوا، وإني والله لا أوتَى برجلٍ منكم وقعَ في شيءٍ مما نهيتُ عنه الناس، إلا أضعفتُ له العقوبةَ لمكانِه منّي، فمن شاء فليتقدّم، ومن شاء فليتأخّر»([2]).

 

فهل يدرك القدواتُ ونساؤُهم الأثرَ الذي يُحدِثونه إنْ هم استقاموا أو حادوا أو توسّعوا؟ ورحم الله مَن أعان على الثباتِ على الدِّين ولو بقدوةٍ صالحة.

 

_______________________

([1]) متفق عليه: البخاري ح(4486)، مسلم ح(2125).
([2]) رواه معمر في جامعه، برقم(20713)، وابن شبه في  "تاريخ المدينة" (2/ 751)، وسنده صحيح.

 

* المصدر: الموقع الرسمي للأستاذ الدكتور عمر بن عبد الله المقبل