ربيع الحافظ: لهذا تطول معركة الموصل وتدمر حلب.. تركيا لا تريد ممر إيران ولا كيان الكرد لكنها تلتقي مع إيران وروسيا في مصالح مشتركة (1-2)
22 صفر 1438
موقع المسلم

تبدو معركة الموصل غامضة كثيراً فهي تراوح نفسها، وقد بدأت بشكل يوحي بأنها ستكون ناجزة وحاسمة لكنها تأرجحت بتأرجح مسارات مصيرها بحسب رؤى متباينة ما بين الأمريكيين والروس والإيرانيين والأتراك، كذلك تبدو عملية دك حلب وسط صمت تركي لافت للنظر كأن ثمة تسوية ما تجري خلف أكمة الصراع..

 

الضبابية التي تكتنف تلك الصراعات أردنا تجليتها مع أحد الخبراء العراقيين الذين يمتازون بعمق الرؤية وشمولية الاطلاع في المنطقة لاسيما على الصعيدين العراقي والتركي، يضاف إلى كونه أحد نشطاء الموصل ذاتها المطالبين بدور أكثر فعالية للأتراك في مستقبلها بل في إنقاذها بالأحرى..

 

الأستاذ ربيع الحافظ، كشف لنا جوانب مهمة أيضاً من تقاطع الاستراتيجيات، وتعارضها في المنطقة، وعمليات الشد والجذب من خلال هذا الحوار الشامل الذي ينشره "المسلم" على جزئين.

 

حوار: موقع "المسلم"

 

 

بسم الله نبدأ، لماذا طالت معركة الموصل حتى الآن.. هل الطرفان متكافئان فيها؟
هناك خلاف إقليمي كبير جداً على الموصل الآن لا يظهر في الإعلام، لكن هناك مفاوضات غير علنية على مستقبل الموصل بين تركيا وروسيا وإيران، وبالطبع أمريكيا؛ فهي هي اللاعب الأساسي في المنطقة.

 

وهناك غضب متبادل بين الولايات المتحدة وتركيا، ينعكس على الخلاف الشديد على الأرض؛ فالقوات محتشدة، غير أنها لم تقم بعمليات بالمعنى الحقيقي للعمليات العسكرية؛ فكل ما يجري حتى الآن لا يعدو أن يكون مجرد مناوشات بانتظار الحسم السياسي لمستقبل الموصل، الذي ترغب أنقرة في أن تكون ضمن نفوذها، وهو ما لم يتم التوافق حوله حتى الآن بين إيران وتركيا وروسيا.  

 

 

هل المسألة تتعلق فقط بمجرد التوافق أم أن المعركة كان أن ينتظر أن تكون بالفعل طويلة بغية تهجير السنة أكثر من مجرد الانتصار على داعش؟
طبعاً هناك أجندات في المنطقة؛ فأجندة إيران هي إقالة الموصل كعثرة في الطريق إلى سوريا ووصولها إلى البحر المتوسط، وهذا هو المشروع الإيراني الذي تريد تركيا أن تقطع الطريق عليه، إضافة إلى قطع الممر الكردي الذي تريد واشنطن أن تفرضه في شمال سوريا والعراق.

 

وتركيا الآن تريد الإفادة من روسيا في قطع الطريق عن المشروعين معاً، والمفاوضات بينها وبين روسيا تهدف إلى غاية الوصول إلى وفاق في سوريا تبعد فيه إيران عن سوريا، ويسمح بأن يكون لتركيا نفوذ في الموصل.

 

والمعركة في الموصل متلكئة أيضاً وعشوائية لأن واشنطن لم تمنح بعد تغطية جوية مناسبة للقوات على الأرض، وهذا يجعل ما يُسمى بالجيش العراقي لا يستطيع أن يمسك الأرض بسهولة.

 

هل الإستراتيجية الإيرانية تهدف ليس إلى مجرد السيطرة فقط وإنما التهجير أيضاً؟
طبعاً إيران تريد أن تنشئ ممراً يدخل العراق من ديالى ثم شمال محافظة صلاح الدين تحديداً في مدينة القيارة ثم الموصل ثم تلعفر ثم سنجار، ويدخل سوريا. فإيران ترغب في تعبيد الطريق أمامها حتى البحر المتوسط، وهي قد حاولت أن تفعل هذا بنفس الطريقة سنة 1743 (يشير أستاذ ربيع بهذا إلى حصار نادر شاه للموصل في هذه السنة وفشل جيشه الكبير في اقتحامها)؛ فإيران غيرت الخريطة السكانية في ديالى وهجّرت السنة وأتت بشيعة أسكنتهم، وتريد أن تفعل نفس الشيء في تلعفر التي يبلغ السنة فيها نحو70% من سكانها والباقي شيعة، تريد تغييرها.

 

والموصل الآن لم تعد الموصل السابقة التي عرفناها؛ فلقد أصبحت خليطاً من الحاضرة والبادية، فهي كانت بالأصل حاضرة واليوم انزاحت البادية إليها، حتى إنك لو تنزل السوق في الموصل تجد فيها مثلاً ثلاثة من كل خمسة ليسوا من أهلها، وإيران متحالفة الآن مع الأقليات التي حول الموصل؛ فحتى النصارى هي متحالفة معهم، وكذا مذاهب صغيرة جداً ، ليسوا شيعة، قد كسبتهم في جانبها؛ فهي نعم تريد تغيير خريطة الموصل وهذا ما تخشاه تركيا جداً.

 

 

صحيح لكن حتى الآن يعني من هُجِّر كما تقول الإحصاءات حوالي خمسون ألفاً يعتبر عدداً لا يغير كثيراً من ديموجرافيتها؟
هؤلاء لم يهجروا لكنهم خرجوا منها هرباً من القصف، إنما التقدير – لا قدر الله – سيكون بعدما تمسك إيران الأرض، وتنتهي المعركة ويسكن الغبار، وقتها يبدأ التهجير، يعني الآن مثلاً في الجهة الشرقية من بغداد، تكاد تكون إيران قد انتهت من حي الرصافة، حتى وصل الشيعة إلى نحو 90% من سكانه؛ فكيف صار هذا؟! لم يكن بالقصف والحرب، وإنما عبر سلسلة من التهديدات والمضايقات مثل اليهود في فلسطين الذين كانوا يعرضون مبالغ عالية فبعض الناس أخذت تبيع منازلها.

 

فالهجرة وتغيير الخريطة ما زالت لم تبدأ إلا حالما تصير الحرب حقيقية، وتصبح "حرب شوارع"، فالنزوح حينئذ – لا قدر الله – سيصبح ليس بعشرات الآلاف وإنما بمئات الآلاف.

 

وهؤلاء لو خرجوا لن يعودوا مثلما حصل تماماً في الفلوجة التي أخرج منها الشباب فإن عادوا اتهموا بـ"الدعشنة" وقتلوا أو اعتقلوا. فما عاد إلا نحو خمسمائة إلى ألف شخص، أما الباقون فهاجروا ومنحت دول كألمانيا وأستراليا ونيوزلندا تأشيرات هجرة، ويتركون الأرض وتتغير تركيبتها السكانية.
 

 

 

وهل الوجود التركي حال جزئياً حتى الآن دون هجرة كثيفة مثلاً أو لجوء كثيف؟
الهجرة الكثيفة تبدأ إذا صارت حرب شوارع واشتد القصف على المدينة، عند إذن ستحدث الهجرة الكثيفة لكن التهديدات التركية تزجرهم إلى حد ما، ومن خلال قنوات رسمية هناك، وهناك أنباء تتردد من الفصائل التي هناك على خطوط التماس تفيد تهديدات تركيا أعطت مفعولاً على الشيعة؛ فالحشد حتى الآن أقل وقاحة في أطراف الموصل مما كان عليه في تكريت. التهديد موجود والهجرة أيضاً، وهم لو فعلوا المزيد فالجيش هناك جيشهم (الجيش العراقي)، ووجود قوات قليلة من الجيش التركي يقلل لكن لا يلغي ما قد يحصل، فإذا كنا نريد أن يتدخل الجيش التركي فهذا لن يحدث، إلا إذا حصلت حرب إبادة، فما زال الأتراك يسعون للحصول على ما يريدون عبر التفاوض؛ فأردوغان قال سندخل حينئذ، هو الآن يحشد قوات كبيرة على الحدود غير الثلاثين دبابة أو أربعين على الحدود العراقية التركية أسلحة ثقيلة دبابات ومدافع على بعد ست ساعات من الموصل لو تجحفلت؛ فالمسافة لا تتعدى 100 كيلو متراً لكن كقوات عسكرية تحتاج إلى نحو ست ساعات حتى يصل للموصل لو أراد، وإن كنت لا أعتقد أنه سيدخل.  

 

 

من جهة أخرى بدأت واشنطن تحضر لعملياتها المباشرة وعبر وكلاء أكراد في الرقة في نظركم هل تريد الولايات المتحدة سد الطريق على داعش لإلجائها لتركيا؟
أمريكا الآن أولوياتها هي مضايقة تركيا، فالحسابات بين تركيا وأمريكا في المنطقة معقدة تشاكس فيها الولايات المتحدة تماماً مع تركيا لأبعد الحدود؛ فإخراج داعش من الرقة عرضت تركيا تحقيقه لكن دون مشاركة الأكراد لكن واشنطن رفضت العرض وأصرت على مشاركتهم.
وثمة أخبار عن نية واشنطن إقامة قواعد عسكرية بشمال العراق، لتكون بديلاً في حال إغلاق قاعدة إنجرليك بجنوب تركيا، والتي بدأت أنقرة في مناقشة ملفها، والتفكير ببديل روسي.
تركيا بدأت تتصرف بطريقة مستقلة، وتريد أن تحجم النفوذ الكردي في العراق بحيث لا يصبحون شوكة أمريكية في الخاصرة التركية.
 

 

 

دعني أستوضح أكثر حول السؤال السابق: هل بالفعل أمريكا تريد أن تغلق الطريق على داعش لئلا تهرب إلى سوريا وتلجئها إلى طريق واحد لمناكفة تركيا؟
والله لا أقدر أن أجيب عليك بنعم أو لا؛ فداعش منذ البداية هي لعبة؛ فمن سمح لداعش أن تنقل السلاح الثقيل والصواريخ والدبابات من الموصل إلى الرقة، والطريق بين الموصل والرقة صحراء مفتوحة لا وادي ولا شيء، وداعش نقلت الصواريخ والسلاح الثقيل من ثكنة الجيش العراقي في الموصل في رابعة السماء إلى الرقة، والطائرات الأمريكية كانت تحوم في السماء ولم تفعل لها شيئاً قبل سنتين! ماذا تريد الآن أمريكا؟ هل تريد القضاء على داعش أو حصرها؟

 

أمريكا الآن تشاكس مع أكثر من جهة، تشاكس مع تركيا وتشاكس مع روسيا. هل تريد أن تضايق تركيا بداعش؟ هذا ممكن، وأيضاً الطريق الغربي من الموصل في اتجاه سوريا مفتوح؛ فلو أرادت داعش أن تخرج يمكنها أن تخرج فالطريق مفتوح!

 

 

لكن الولايات المتحدة هددت بأنها ستضرب داعش إذا اتجهت إلى سوريا وأنها لن تسمح بذلك وقالت إنها ستبدأ معركة في الرقة.. هي إذن تسند ظهر داعش إلى الحائط؟
ممكن إذا هي تريد إكمال المشروع الكردي، وكان المشروع الكردي لا يكتمل إلا بإخراج داعش من المنطقة؛ فهي تنهي مشكلة وتبدأ مشكلة جديدة في المنطقة.. هذا ممكن.

 

 

كما تفضلتم يكاد يجمع المراقبون على أن وراء داعش ما وراءها إما مخطط غربي أو إيراني في المنطقة على اختلاف التفسيرات، لكن البعض يقول بالنظر إلى تلعفر ألم تكن إدارتها تركمانية شيعية أو كانت هناك هيمنة شيعية ثم تراجعت هذه الهيمنة بعد دخول داعش؟
نعم طبعاً بعد الاحتلال صار الشيعة هم من يحكمون الموصل وتحديداً أيام المالكي؛ فتلعفر كانت في يد الشيعة ولما جاءت داعش ارتكبت مذبحة في تلعفر، وقد كانت داعش فرت من تلعفر إلى الموصل حين كانت تلعفر بيد الشيعة، وحين سيطرت داعش على تلعفر فرت الشيعة منها، وتخشى تركيا من أن يأتي الحشد الشعبي إلى تلعفر الآن ويرتكب إبادة فيها ضد سكانها التركمان.
 

 

في مثل هذه الحالات يدافع المفتونون بداعش بأنها في مثل هذه الحالة – بغض النظر عن كل جرائمها في سوريا والعراق وغيرهما! – وفيما يخص تلعفر تحديداً قد قلبت المعادلة في اتجاه السنة وجعلت لهم يداً في تلعفر، كيف تردون؟
هي جعلت لهم يداً في تلعفر وحتى في الموصل فهي في يد داعش لكن هي جعلت لهم يداً في الفلوجة وفي الرمادي وفي تكريت وديالى تجعل لهم يداً لمدة ستة أشهر ثمانية أشهر ثم تأتي أمريكا وتأتي إيران وتدمر هذه المدن تمسحها ويصبح هذا هو المبرر لتدميرها؛ فهذا بالعكس يضر بالسنة، وهذا يتكرر، لم يحصل مرة واحدة مثلاً وإنما تكرر نفس المشهد؛ فهم يسيطرون ثم لا يستطيعون التمسك بالمدن فيختفون وتدمر المدن. في الفلوجة اختفوا برغم حصارهما من كل الجهات؛ فأين ذهبوا وهي مطوقة ولا تجد لهم أثراً ولا جثثاً!

 

إذن ملخص ما تفضلتم به أن داعش برغم أنها في الظاهر تجعل اليد العليا للسنة لبعض الوقت إلا أن ما قبل داعش هو أفضل مما هو بعد داعش بالنسبة للسنة؟
ما قبل داعش هو أقل سوءاً..

 

 

ورغم الهيمنة الشيعية لكن لم يكن لديهم مبرر لارتكاب مجازر حتى تكوين الحشد الشعبي؟
طبعاً هو الحشد الشعبي جاء تحت ذريعة مكافحة داعش فقط، وقبل هذا وذاك كان الوضع سيئاً أيضاً؛ فالحسينيات كانت تزحف نحو المناطق السنة ففي شرق الموصل صارت هناك حسينيات، وكانت الموصل ثكنة فلا تستطيع أن تصل بيتك  ولو على بعد كيلو متر (من الحواجز) فتبقى نحو ساعتين حتى تصل فكانت جحيم كلها من قبل أيضاً.

 

حسناً، هذا الحشد جمع قواته وهي أقوى من الجيش العراقي، والجيش نفسه احتشد، وميليشيات أخرى من جميع أنحاء العالم، وإيران حاضرة، مع كل هذا أنتم  كمثقفين ونشطين من الموصل طلبتم دوراً أكبر لتركيا في عملية الموصل في ضوء ما ذكرته عن هذا الاحتشاد الشيعي ما الذي تريدونه والحسابات ليست في صالح الأتراك؟ هل تريدون صداماً مباشراً بين تركيا وإيران؟!

 

هذا ليس خياراً عند تركيا، أو ربما هذا خيار أخير جداً، فتركيا لا تستطيع أن تصطدم بأحد، تركيا نظام كالساعة السويسرية سهل جداً؛ ولا تريد أن تتورط فيتوقف اقتصادها الذي يعتمد على إيران وروسيا والعراق؛ فهي دولة ليست كدول الخليج تبيع مما يخرج من الأرض لا، فلها علاقات اقتصادية إذا ارتبكت يعود ذلك عليها بنتائج سيئة جداً؛ فلا تريد أن تصطدم مع إيران، وهي تسعى إلى تفاهمات من غير المعروف الحد الذي ستسمح لها إيران به، ولا حد الصبر التركي إلى أي مدى سيستمر، ربما الموصليون يودون تدخلاً تركياً، ويأملون في أن تكون تهديدات أردوغان حقيقية، لكن الناس الذين هناك على الأرض يعتقدون أن هذا لن يحدث على الأقل في بداية المعركة.

 

كما قلت ربما تتدخل تركيا إذا حصلت حرب إبادة أو جرائم كبيرة من الحشد، فتصبح فرص تدخل تركيا عالية حينئذ. وأهل الموصل يدركون أن الجيش العراقي لا يختلف كثيراً عن الحشد، لذا هم يسعون إلى تدويل قضيتهم؛ فالتدخل لا سبيل له عبر الأمم المتحدة إلا بطريقين، أحدهما هو التدويل، وهو ما يسعى إليه الموصليون؛ فإذا كانت مدينتهم تتعرض لإبادة جماعية لزم على المجتمع الدولي أن يتدخل، وهنا تركيا هي الأقرب، ولها مبرر لهذا التدخل، هذا الطريق يناسب تركيا لأن تركيا أربكتها المفاوضات دائماً فنحن على مفترق الطريق؛ فأهل الموصل لا يرون حلاً ومخرجاً إلا باستجداء تركيا عن طريق تدويل مشكلة المدينة وتركيا بعد ذلك تجد مبرراً للدخول.

 

 

لكن كما ذكرتم أن الحشد لا يختلف عن الجيش العراقي فلماذا تفرق تركيا بينهما فتقول لا نريد للحشد أن يدخل بينما الجيش العراقي لا تعترض عليه مع أنه سيرتكب نفس التجاوزات أو المجازر أو ما نحوها؟
التفريق ضعيف الحقيقة، ونحن غير مقتنعين به أبداً؛ فهذا الشيعي مريض سواء أكان يلبس بزة الحشد أو الجيش أو الشرطة، هو مريض بسلوكه الشخصي، فليس هناك داع إلى أن يأخذ أوامر من أحد. هو نفسه أمراضه تدفعه لارتكاب الجرائم ضد السنة؛ فالتفريق غير صحيح والناس غير مطمئنين لا للجيش ولا للشرطة الاتحادية، كما أن الجيش مخترق من الحشد نفسه؛ فهذا التصريح للاستهلاك الإعلامي، وتركيا كذلك قالت إنه ليس هناك فرق، لكنها تسعى لكسب الوقت، وتفاوض، فإذا ما صارت مجزرة فستتدخل تركيا سواء أكان الجاني هو الجيش أو الحشد،  لكن الآن في الوقت الذي نتحدث فيه هناك اجتماعات على مدار الساعة وعلى مدار اليوم ومفاوضات بين الأتراك والروس والإيرانيين على تفاهمات في العراق وفي سوريا، تركيا تستفيد من روسيا بالضغط على إيران فتعطيها في سوريا وتأخذ منها في العراق وهكذا.

 

 

تركيا إذا تدخلت  -كما تفضلتم - ربما دخلنا في مشكلة أخرى استنزافية لتركيا أليس كذلك؟

 

إلى الآن الناس تتكلم على مشهدين، والمشهدان غير مقبولين:
المشهد الأول أن يأتي الجار صديق ويحتل بلادك؛ فالناس لا تقبل هذا في الموصل، كونهم عرباً والصديق تركي.
المشهد الثاني أنك لا تنجو بيد صديق، وأنت أمام العدو، وهم الإيرانيون، وهذا غير مقبول أيضاً.
لكن السيناريو المقبول الذي يتلافى مشكلة عدم الاجتماع العربي والتشرذم لمائة فصيل لا يجتمعون أبداً، هو ما يقارب ما حصل في جرابلس السورية.

 

 

إجابة على سؤالك حول الاستنزاف: في جرابلس لم يحصل هذا، فتركيا لا تقاتل بشكل فعلي، فهي رغم كونها موجودة إلا أن المشاة والقوى البرية هي الجيش الحر، وتركيا تعطي سقفاً عسكرياً وتنسيقياً وذخيرة للجيش الحر وهو يقاتل.. السوريون رأوا أن العملية بدأت تأتي بنتائج إيجابية، والأتراك يقولون هناك الآن آلاف مؤلفة من السوريين صاروا يأتون إلى تركيا يقولون نحن مستعدون أن نقاتل تحت راية الجيش التركي وتحت قيادة الجيش التركي لكن نحن عرب والدخول إلى المدن عربي، والجيش التركي يشرف على العملية. هذه ليست استنزافاً للجيش التركي ولا فوضى عربية.
وفي العراق كما تعرفون هناك فيه شيء اسمه حرس نينوى الذي كان اسمه الحرس الوطني حرس نينوى، وهو كتيبة مقاتلة يتجاوز عددها ثلاثة آلاف، أسستها تركيا ومدتها بالسلاح وأنفقت عليها بقيادة أسيل النجيفي، فهذه القوة من الممكن أن تكون باكورة جيش موصلي عربي تحت راية تركية وتحت قيادة الجيش التركي؛ فالقوة عربية ومن يدخل الموصل موصليون، ومن يقاتل موصليون ومن يسيطر على الأرض. فهذه الصيغة هي التي نرجوها، والتي نسعى إليها أمام المؤسسات الدولية والبرلمان الأوروبي والأمم المتحدة كرؤية خاصة بأهل الموصل.

 

هذه رؤيتكم، غير أن الموصل ليست دولة حتى يكون لها مستقبل مستقل عن باقي العراق، فالمجتمع الدولي أو القانون الدولي يخول الجيش العراقي دخول أي مدينة يريدها في بلده فكيف يشرعن هذا الحرس؟! هل هذا ممكن من الناحية العملية في ظل الإرادات الأمريكية والإيرانية والعراقية؟!
هذا كلام سليم فالحرس طبعاً موجود الآن ويقاتل وهو موجود، لكن سؤالك طبعاً في مكانه. نعود على قضية التدويل مرة أخرى يعني نحن حين نتحدث عن مدينة كالموصل تنتظرها إبادة وتهجير وتغيير خريطة سكانية وتغيير مجتمع ومثل هذا الكلام الموجود في ميثاق الأمم المتحدة وقلنا هذه المدينة ستفنى، ليس تفنى عمرانياً وجدرانها وشوارعها تفنى فحسب، بل تفنى كمجتمع، ورؤيتنا هي كالتالي: أن المجتمع الدولي في قضايا مثل كوسوفا يتدخل، وتركيا يمكن أن تدخل عن طريق هذه الصيغة وعن طريق باكورة جيش ناجح، يفرض الأمن في الموصل ويعاد بناؤها

وتركيا تريد إعادة بناء الموصل لسببين:

الأول: يتعلق بأسباب اقتصادية وهذا يفتح مجال لشركات تعمل لمدة 15 عاماً قادمة
الثاني: تريد تركيا تقديم نموذجها للعالم بخلاف النموذج الإيراني الذي لم يخلف إلا الخرائب في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، الموصل تحقق هذا، بأكبر بكثير مما تحققه مدينة صغيرة كجرابلس.
وتقول هذا نموذجي وذاك النموذج الإيراني فاختاروا.

 

لكن هذا الكلام من الممكن أن يصطدم بتصور آخر يعني يرى أن ما يسمى بالمجتمع الدولي و(أمريكا) بين قوسين كمؤثر قوي في هذا المجتمع إنما يريد هو بذاته الخراب لا يريد عمران المنطقة فهو بتدخله في العراق بالأساس خرب العراق وخرب أفغانستان وتدخل الناتو في ليبيا خرب في كل مكان يخرب هل هذه هي بالفعل الإستراتيجية الغربية هل هي الإرادة أن تكون المنطقة خراب المنطقة فاصلة بين السنة وأوروبا أو بين هاتين الحضارتين بين مزدوجتين يعني إذا كانت تركيا تريد أن تقدم نموذجاً هل هذا النموذج يريده الغرب
 

 

بنفس الرؤية قد تقول إن الغرب يريد أن يقدم نموذجاً ديمقراطياً في المنطقة، وهو ما لا نراه واقعاً في الحقيقة، فهل يريد الغرب نموذجاً ديمقراطياً في المنطقة؟
أمريكا لا تريد بالطبع، أمريكا ليس فقط لا تريد أن تقيم تركيا نموذجاً في الموصل، أمريكا أصلاً غير سعيدة من نموذج تركيا في تركيا نفسها، لكن اليوم هناك صراع، فروسيا تتصارع في المنطقة مع أمريكا، وبوتين يعطي لأردوغان أشياء مهمة في سبيل تخريب الناتو.

 

اليوم السلوك الذي يسلكه أردوغان هو سلوك شاذ في الناتو، وأمريكا لا ترضى عنه. أما نحن فطريقنا لا يتلاقى مع الكونجرس أو البرلمان البريطاني، وكلاهما سيرفض مطالبنا، لكن هناك محافل دولية لها صوت عالٍ؛ فالمصلحة لدى مدن الغرب وليس حكومات الغرب؛ فليس من صالح المدن الغربية أن تتدمر مدن الشرق، فالإرهاب الذي يحدث في لندن وباريس ومدريد وبرلين هذا جاء بسبب أن السبب في الشرق لم تعد مدناً وأصبحت غابات، وأصبحت تصدر شراً للغرب. في الغرب إذا أنت رفعت صوتك بهذه الصورة هناك من يستمع لك، ليس رأفة بك ورحمة عليك لكن للمصلحة.

 

الآن مدن الغرب لم تعد آمنة أبداً، وقد تتوالد مائة داعش، وأمريكا ليست وحدها في المنطقة، هناك الروس، وبين روسيا وتركيا مصالح مشتركة، فالمنطقة ليست في قبضة أمريكا تماماً، وما تفعله تركيا في سوريا، وكذا روسيا ليس بالضرورة أنه بتأييد أمريكي.