الاستهداف العالمي لــ أهل السنة
28 صفر 1438
د. زياد الشامي

 

ظاهرة باتت أوضح من ضوء الشمس في رابعة النهار , فمن يلقي نظرة سريعة على أماكن انتشار القتل والموت والخراب والدمار في العالم يلحظ أنها في ديار أهل السنة وبلادهم فقط , ومن يتابع أخبار ضحايا ما يجري في الشرق الأوسط جراء الحروب المستمرة هناك منذ سنوات يجد معظمهم من أهل السنة , ومن يطالع أخبار تنامي خطاب الكراهية والممارسات العنصرية التي تزداد يوما بعد يوم في القارة العجوز وغيرها يتبين له أنها لا تستهدف إلا المسلمين من أهل السنة تحديدا .....

 

 

ليست هذه الحقيقة ناتجة عن مبالغات أو تضخيم للحقائق والوقائع والأرقام , كما أنها ليست وليدة الولع بحب ممارسة دور الضحية كما يحلو للبعض أن يتهم عموم المسلمين , بل هي حقيقة تؤكدها الوقائع والأحداث , وتزيدها الأيام ثبوتا .

 

ومع أن هذه الحقيقة ليست بحاجة إلى الكثير من الأدلة والشواهد المعاصرة , إلا أن ذكر شيء منها قد يزيل أي شك عند البعض فيها , ويزيد من يقين آخرين ما زالوا منذ زمن بعيد يحذرون من آثارها وتداعياتها .

 

 

أما في عقر بلاد المسلمين وحواضرهم العلمية ومراكز حضارتهم التاريخية كـ بغداد ودمشق و صنعاء .... فالحرب المستعرة هناك ضد المسلمين من أهل السنة لا يتنازع فيها اثنان , فقد اجتمعت دول العالم الحاقدة على دين الله الإسلام لــ : وأد ثورة أهل الشام , وإجهاض سعيهم في التخلص من النظام النصيري العميل القابع على صدورهم منذ عقود , وتهجير أهل السنة من بلاد الرافدين وتسليمها للرافضة المجوس , وتضييق الخناق على بلاد الحرمين بتمكين الحوثيين في صنعاء وعلى حدود السعودية الجنوبية , وإخماد أي مظهر من مظاهر وصول التيار الإسلامي لزمام الحكم في كل من ليبيا و تونس و غيرها من دول الشمال الإفريقي .

 

 

وإذا انتقلنا إلى القارة الأوروبية فالحديث فيها عن اضطهاد المسلمين يطول , وذكر الوقائع والشواهد والأدلة على العنصرية الغربية المقيتة ضد الأقلية المسلمة هناك لا يكاد ينتهي :

 

 

فأمس الأحد ألقى مجهولون قنبلة حارقة على مركز لإيواء اللاجئين قرب العاصمة النمساوية فيينا , بينما تعرض مسجد "بردينغ" التابع لرئاسة الشؤون الدينية التركية في العاصمة ستوكهولم أول أمس السبت، لاعتداء عنصري من قبل مجهولين , حيث أكد رئيس فرع جمعية الثقافة الإسلامية التركية في المسجد "أورهان قران" أن مجهولين رسموا صليبا معقوفا على جدران المسجد من الداخل وكتبوا شعارات عنصرية من قبيل "الموت للمسلمين" ، وحاولوا إضرام النار فيه من خلال الألعاب النارية .

 

 

ومساء يوم الجمعة الماضي أقدم متطرفون وعنصريون غربيون آخرون على تنفيذ هجمات بالمفرقعات، على مدرسة للأئمة والخطباء (ثانوية إسلامية) بالعاصمة الدنماركية "كوبنهاغن" وذلك للمرة الرابعة خلال شهرين كما أكد "أحمد إحسان دنيز" مدير مدرسة "مينا هيند هولم" للأئمة والخطباء , مشيرا إلى دور الإعلام الدنماركي في جعل المدرسة هدفا للاعتداءات العنصرية بسبب استمرار وصفها في الإعلام بـ أنها "ثانوية إسلامية".

 

 

وفي المجر أعلن عمدة قرية "أسوتهالوم" أن أعضاء المجلس المحلي بقريته قد وافقوا على حظر بناء المساجد ورفع الأذان، فضلا عن ارتداء النقاب والحجاب مثل البرقع، والشادور ولباس البحر الشرعي للنساء المسلمات.

 

 

لقد دفعت هذه الممارسات العنصرية الغربية ضد المسلمين رئيس الشؤون الدينية التركي "محمد غورماز" للتأكيد بان زيادة الهجمات ضد المساجد ومظاهر الإسلاموفوبيا (كراهية الإسلام) في أوروبا، وصلت لمراحل مثيرة للقلق والحزن .

 

 

وأوضح المفتي في مؤتمر صحفي، عقده أمس الأحد بمقر رئاسة الشؤون الدينية في العاصمة أنقرة ، أن "انتهاك حرمات دور العبادة والاعتداء على المساجد، يشكل الحلقة الأخيرة من مسلسل التدخل في حرية الأديان والمعتقدات" مشيرا إلى أن "عزوف رجال السياسية وعدم تدخل الحكومات (الأوروبية) في هذه القضية، يثير جملة من المخاوف أكثر من أي وقت مضى".

 

 

والحقيقة أن ما ذكره المفتي يؤكده التقرير الذي صدر عن "مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان" التابع لـ "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"، والذي  يؤكد وصول جرائم الكراهية الناجمة عن التمييز والتعصب ضد المسلمين في أوروبا، خلال عام 2015، إلى مستويات مثيرة للقلق، بحيث بلغت نحو 6 آلاف و811 جريمة في عدد من الدول الأوروبية .

 

 

لم تكن القارة العجوز وحدها التي تزداد فيها ظاهرة استهداف المسلمين من أهل السنة واضطهادهم , ففي الصين تفتقت ذهنية حكومتها المعادية لأقلية الإيغور المسلمة في إقليم تركستان الشرقية عن نوع جديد من العنصرية , حيث طلبت سلطات الإقليم من السكان – أغلبهم من المسلمين - تسليم جوازات السفر الخاصة بهم إلى مراكز الشرطة المحلية من أجل "التدقيق بها" كما أكدت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الخميس الماضي .

 

 

وفي أمريكا تزداد حالة القلق بين المسلمين هناك من مؤشرات البدء بإخضاعهم للمراقبة، بعدما تلقوا هذا الأسبوع اتصالات آلية تطلب منهم الضغط على رقم واحد إن كانوا مسلمين، وعلى رقم اثنين إن كانوا غير ذلك , خصوصا بعد فوز "ترامب" ذي التوجهات العنصرية الصارخة ضد المسلمين .

 

 

وفي استراليا حمّل وزير الهجرة الاسترالي "دايتون" رئيس الوزراء الأسبق "مالكوم فريزر" المسؤولية عن خطأ جلب مسلمين لبنانيين إلى البلاد في السبعينات من القرن الماضي , الأمر الذي اضطر مفتي أستراليا إبراهيم أبو محمد للتعليق على هذا التصريح العنصري محذرا من تداعياته .

 

 

إنها غيض من فيض الوقائع والأحداث التي تؤكد أن الحملة والحرب على الإسلام السني وأتباعه في العالم حقيقة وليس محض وهم أو خيال , وأن مرور الأيام لن تزيدها إلا شراسة وعنفا , الأمر الذي يستدعي من الدول السنية المعنية الإسراع في التحالف والتعاضد لمواجهة هذه الحملة قبل فوات الأوان .