في الجزء الأول من حواره مع موقع "المسلم"، تحدث الأستاذ ربيع الحافظ الخبير بالشأنين العراقي والتركي، عن معركة الموصل، وفسر أسباب بطئها، وتحدث عن دوافع تركيا في تحركاتها الأخيرة وهوامش تحركها في الإقليم.
في الجزء الثاني يتحدث عن الحل المتاح أمام أردوغان في حلب بالنظر إلى النفوذ الروسي الكبير في سوريا، وحدود النفوذ التركي وقدراته في الإقليم وفي آسيا الوسطى، ويتحدث أيضاً عن التداخل بين روسيا وإيران وتركيا ومدى إمكانية استغناء بعضهم عن بعض.
أيضاً يتناول تحالفات تركيا الجديدة في مناطق الأكراد، وإمكانية تبديل بعض هذه التحالفات، ومناورات واشنطن في هذا الصدد، وكذا يوضح مدى قدرة بشار على تقرير مصير الشمال السوري.
نص الحوار:
أستاذ ربيع، صحيح أن تركيا تناور بروسيا أو تحاول أن تكسب أوراقاً من وراء رغبة روسيا في إزاحة الناتو، أو في خلخلة بناه، لكن ألم تكن هناك مراهنة في المنطقة خليجية تحديداً على من يحظى بتفضيل الغرب، دول الخليج أم إيران؛ فاكتشف الخليجيون أن الولايات المتحدة فضلت إيران عليهم. ألا يمكن أن تفضل روسيا إيران وهي الحليف الإستراتيجي لها؟ ألا يمكن أن تفضل روسيا إيران على تركيا في هذه المعادلة الخاصة بالموصل وسوريا وغيرها؟
تركيا بالنسبة لروسيا مهمة جداً، فروسيا تتنفس بأنابيب الغاز التي تذهب إلى أوربا، والاقتصاد الروسي - مثل دول الخليج - اقتصاد ريعي يعيش على بيع الغاز، وهذا الغاز يبيعه بوتين بشيء من "البلطجة"، حيث لا تتمكن أوروبا من كسر احتكار الغاز، وهو يدرك ذلك تماماً، وهو الآن قد اتفق مع تركيا على أن يمدد أنابيب الغاز من البحر الأسود وتدخل تركيا ويتجاوز أوكرانيا، وبالتالي يستطيع أن يتحكم بمدفآت أوربا في الصيف والشتاء، وهذا الخط يمثل رئة بالنسبة لروسيا تضاعف من أهمية تركيا بالنسبة لها، كذلك تركيا مهمة جدا للسوق الروسي، إذ تقدم تركيا للسوق الروسي بضاعة جيدة بأسعار مناسبة لروسيا التي لا تتوفر على قوة شرائية كبيرة يمكنها بها الاستعاضة عن البضاعة التركية، لذا فبين البلدين مصالح إستراتيجية أساسية وحقيقية جداً.
هل بهذا التقدير الذي تفضلتم به، تعد تركيا أهم بالنسبة للروس من إيران؟
هذا يرجعنا إلى بداية الحديث، وأعنى أن هذا التفاهم الروسي التركي الإيراني الآن أنه لا أحد منهم يستغني عن الآخر، ولا تركيا تستطيع أن تستغني عن إيران؛ فالسوق الإيرانية تمثل سوقاً واعدة بالنسبة لتركيا، والغاز الأحوازي، إيران الآن تفكر في تصديره عن طريق تركيا، فما أحد من الثلاثة يريد أن يستغني عن الآخر، ومن زاوية أخرى روسيا تعرف جيداً أن إيران تستطيع أن تسبب لها مشاكل في البطن الرخو الجنوبي في داغستان وأوزباكستان والمناطق التي يمثل فيها المسلمون غالبية.
بالمثل تستطيع تركيا أيضاً أن تزعج روسيا؟
تركيا تستطيع أن تزعج، لكن تركيا ليس من شخصيتها سياسية الإزعاج، وتركيا لا تملك مؤسسة للإزعاج، بالعكس تركيا تفكر بطريقة تصفير المشاكل، وتعتمد نظام الـ"بزنس".
نعم، تركيا تستطيع لكنها تفكر بشكل معاكس؛ فهي تقول نحن بحاجة إلى علاقة جيدة مع موسكو في داخل روسيا. تريد تركيا أن تكون العلاقة رسمية معها؛ فالطريقة تختلف، وهي راغبة في أن تكون وسيلة التعامل عن طريق السفارات والوزارات والسلك الدبلوماسي ولذا يجب أن تكون على علاقة جيدة مع موسكو حتى تبني مساجد في الشيشان وفي غيرها.
تركيا أسقطت ديون تركمانستان وأقامت جامعات في قيرغيزستان وأقامت علاقات دافئة اقتصادية وعسكرية مع أذربيجان، فهي بالفعل تتحرك في هذا الاتجاه أيضاً لكن كما تفضلتم بهدوء..
تركيا ليست طليقة اليد في آسيا الوسطى؛ فهي من بعد ما سقط الاتحاد السوفيتي تركيا هرعت إلى هناك، لكنها وجدت أن آسيا الوسطى ليس كما كانت تركيا تتوقع أن تهرول إليها دول آسيا الوسطى باعتبارها الأخ الأكبر في الأمة الكبيرة (التركية)، ووجدت أن ما بين دول آسيا الوسطى من خلافات لا يجعلها تنتظم في مسار واحد، فرغم ما نراه من الخلافات بين الدول العربية إلا أن ما بين دول آسيا الوسطى الآن يفوق ذلك، فتركيا تقريباً إستراتيجياً قد خرجت من آسيا الوسطى، وما بقي لها فيها إلا أسواق ومدارس.. الخ، لكن ليس بذاك الحضور الإستراتيجي الذي فكرت فيه في سنة 1991 أو 1992.
لكن كان من بعض المظاهر اللافتة وجود الرئيس القرغيزي في انتخابات الرئاسة التركية ووجوده على المنصة مع الرئيس أردوغان لدى نجاحه ربما كان لها دلالة؟
هذه علاقات الآن، هناك قمم تركية كما نشاهد قمماً عربية، هذا موجود، لكن تركيا لا تريد أن تستفز روسيا في مناطق نفوذها، فروسيا أنشأت فور سقوط الاتحاد السوفييتي رابطة الدول المستقلة (CIS) ضمت فيه دول آسيا الوسطى، لربط الدول التي انفصلت عنها، بطريقة أسوأ من علاقة تلك الدول بالاتحاد السوفييتي، فموسكو كانت تتحمل فواتير تلك الدول في مقابل التزامات من تلك الدول، الآن روسيا لا تتحمل شيئاً في حين ربطتها بمنظومة أمنية واقتصادية، صارت روسيا تبيع لها ولا تأخذ منها شيئاً، ربطتها الآن بآصرة مجحفة أمنية؛ بحيث إن روسيا أجبرت "إسرائيل" وأمريكا وتركيا على الخروج من المنطقة وأخرجتهم من أي علاقة أمنية بها، وربطتها في الوقت ذاته بعلاقة اقتصادية مجحفة بحيث صارت تبيع لهم ولا تشتري منهم، وتركيا لا تستطيع أن تستفز روسيا في حديقتها الخلفية؛ فالرئيس القرغيزي نعم كان حاضراً، وكذلك مع كازاخستان علاقتهم جيدة، هذا لا بأس منه بالنسبة لروسيا، لكن بقدر لا يستفز بوتين.
ثمة مشروعان كردي وثيق الصلة بالكيان الصهيوني يقوده العمال الكردستاني، وقوات سوريا الديمقراطية وما إلى ذلك، وآخر صفوي أيضاً وثيق الصلة بهذا الكيان، بامتداد الحدود التركية مع العراق وسوريا، هكذا يبدو.. هل تتوقعون صراعاً بين المشروعين قوات البشمركة وميليشيا الحشد الشعبي وما حولها؟
في الحقيقة هناك معلومات تتردد خلف الكواليس لا أدري مدى دقتها تماماً، ولا أستطيع أن أرجحها لكن الواقع على الأرض يقول إن هذه معلومات لها حظ من الصحة، تفيد بأن تركيا بصدد تغيير تحالفها مع الأطراف الكردية بحيث تبعد مسعود البرزاني الذي تردد أنها صارت منزعجة جداً منه بسبب ما قيل عن وعده الأمريكان بإقامة قواعد عسكرية في مناطق نفوذه (شمال العراق)، برغم كونه كان حليفاً وثيقاً لأردوغان، ما يعني أن المنطقة داخلة في مسار مضطرب كثيراً؛ فتركيا يزعجها جداً إقامة قواعد أمريكية في المنطقة.. لا يبدو لأول وهلة أن التخلص من البرزاني منطقي بالنسبة لتركيا، لكن ربما كانت أنقرة مقدمة عليه.. لا نعلم.
لكن الذي سيرث البرزاني هي قوات جلال طالباني وقوات حزب العمال كلها ليست على علاقة جيدة مع تركيا؟
نعم هناك كلام يقال بأن تركيا سترجع العلاقات مع قوات حماية الشعب، مثل هذا الكلام يتردد، وهذا يجعل كل الأمور مرتبكة، فليست ثمة طرف يمكن لتركيا أن تثق فيه في الأطراف المسلحة، فعدا حرس نينوى لا يمكن لتركيا الوثوق بالأطراف الأخرى، ولكي ينمو هذا الحرس يحتاج إلى حلفاء، وهم غير موجودين في المنطقة، وهذا يفسر بعض أسباب تأخر المعركة.
لكن أقصد هل تتوقعون صداماً بين المشروعين الكردي بتنوعاته أطرافه، ومنهم البرزاني، وبين الحشد الشعبي المشروع الصفوي تحديداً في الموصل في كردستان؟
برزاني لا يملك من أمره شيء برزاني؛ فهم يحركونه ذهاباً وإياباً ووقوفاً، لكن برزاني يسيطر على منطقة مقفلة برياً، ورئتها التي يتنفس بها خارجياً، وإمداداته تأتي من الداخل؛ فلا يستطيع أن يقدم على شيء بنفسه لو كانت القوى الكبيرة في المنطقة أو إحداها غير موافقة عليها ما يقدر، يمكنه أن يدخل في حلف مع إيران أو يحل خلافاته مع تركيا نعم، أما هو شخصياً كقوة البشمركة لا يستطيع أن ينتقد هو.
قبل فترة أرادت تركيا أن تقصف بالمدفعية، فأوعزت إليه أن يطلب غطاءً مدفعياً من تركيا ففعل!
لكن بغض النظر عن برزاني؛ فمشروع إنشاء دولة في سوريا والعراق على حدود تركيا لا يبدو أنه يتلاءم مع مشروع إيران بممر يمر من إيران فالموصل فسنجار فحلب إلى المتوسط، لكن هل سيتصادم هذا المشروعان فعلاً، وماذا عن تركيا؟
طبعا المشروع الكردي في سوريا لا يناسب إيران، ولا يناسبها أي مشروع كردي لكيان كردي، فالشيء الوحيد الذي تتفق عليه دول المنطقة كلها، إيران وتركيا والعراق وسوريا، يوم كانت دولاً ، هو أنه ألا يقوم كيان كردي، فإيران ليس من مصلحتها أن تنجح فكرة أمريكا في سوريا بإنشاء الممر الكردي، هذه النقطة إيران متفقة فيها مع تركيا لكن في نفس الوقت ليس من مصلحة إيران أن تدخل تركيا في شمال سوريا كما فعلت، وتقطع الطريق البري على إيران للوصول إلى البحر المتوسط.
الآن يتردد أن ثمة اتفاقاً بين تركيا وروسيا على أنه تكون حلب منطقة نفوذ تركية، هذا الاتفاق تم تسريبه بالفعل الآن ويبدو أنه لا يأتي من فراغ.
لكن ألا يتصادم ما جاء في هذا التسريب مع عدوان روسيا على الشمال السوري بتوجيه ضربة قاصمة في حلب ؟
نعم، بوتين أحضر بارجاته وسلاحاً نووياً وأتى ليدمر حلب، ماذا يمكن لتركيا أن تفعل؟ بحسب ما جاء في الاتفاق؛ فإن رغبة أردوغان هي إفراغ حلب من "المعارضة" ثم يسمح بوتين بأن تكون حلب من نصيب تركيا. بوتين يريد تدميرها مثلما فعل روسيا (يلتسين) في جروزني، ثم يمكن لتركيا من بعد أن "تأخذها".. إنها حرب قذرة.
لكن كيف ستأخذها تركيا بغير تدخل اليد السورية (بشار)، ستأخذها بشكل مباشر أم عبر وكلائها أو حلفائها السوريين؟
لا، ليس هناك شيء اسمه سوريا (نظام بشار) لكن هناك شيء اسمه روسيا.
أقصد كيف ستستلم تركيا حلب بعد أن تُدمَّر المعارضة الموالية لتركيا في حلب؟
الخطة أن تكون حلب مدينة خالية من السلاح، وخالية من المقاتلين، وتكون لها إدارة مدنية وهذه الإدارة المدنية تدور في فلك تركيا، روسيا تسمح بهذا.
وكيف ستقبل دمشق بذلك؟
لا توجد دمشق!
من يضمن أن الجيش أو ميليشيا بشار لن تتحرك لحلب إذا كانت خالية من السلاح؟
جيش بشار يقال له قف يقف، در يدر، فعندما أوقف بوتين القصف الجوي قبل فترة، شاهدت كيف بدت تفاهة قوات بشار الأسد ونصر الله وإيران، بحيث إن المعارضة صارت تمشي فيهم مثل السكين الساخنة في قالب الزبدة.
الحقيقية العسكرية أنه إذا كان هناك اتفاق فطبعاً نحن نمضي باتجاه تقسيم سوريا، وهذه بدايته، حتى العراق نحن الآن لو قلنا بمسألة تدويل الموصل، ودخلت تركيا لحماية الموصل من الإبادة؛ فبالطبع إذا دخلت تركيا لن تخرج، لكن عليك أن تختار بين أنك تعيش آمناً في دولة جديدة أو أنك تصبح لاجئاً أو مطارداً فاختر إذن.
لكن هل حلب تكافئ جروزني من حيث عدد السكان من حيث الحجم يعني تدمير حلب أليس شيئاً مريعاً بحجم هذه المدينة الكبرى في سوريا؟
بالتأكيد، ولو كانت حتى مدينة صغيرة، هذا أمر فظيع جداً، وحتى المدن الصغيرة قرب دمشق بدأ بعضها يطالب "المعارضة" بأن تخرج حتى لا تصبح حياتهم "جحيماً".
سؤال أخير له علاقة بخبرتكم بالشأنين التركي والعراقي، قبل فترة أطل البغدادي ليهدد تركيا ويتوعد بنقل المعركة إلى داخلها، هل تنتظرون إرهاباً أشد عنفاً في تركيا على خلفية خطابه هذا؟
والله تركيا حدودها طويلة، وبالتالي هي هدف ليس صعباً، وخصومها لا يتركونها أبداً لتهدأ، وهذه المرة الأولى التي تقاتل فيها تركيا على أرض الأناضول، ففي السابق كانت تقاتل في الجنوب، في سوريا والعراق، كانت تلك مصدات، لكن الآن الوضع صار أكثر صعوبة.
شكراً على إتاحتكم تلك الفرصة أستاذ ربيع الحافظ.
شكراً لكم.