"فِتَن آخر الزمان" .. والبدائل الممكنة
1 ربيع الأول 1438
منذر الأسعد

شاع في السنوات الأخيرة القول بأننا نعايش  فِتَن آخر الزمان،  واقتحم الكلام فيه أناس من مختلف المستويات، بحكم السهولة الفائقة في النشر والتي أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وجرى الربط عشوائياً بين نصوص نبوية صحيحة ووقائع على الأرض  لا تنطبق عليها تلك النصوص إلا بتأويلات بعيدة –ومستحيلة أحياناً-، وأُقْحِمَت نصوص ضعيفة أو موضوعة في الميدان،  فازداد الناس ضياعاً، وتبددت أصوات العلماء الصادقين في غابة الكلام الصاخب وغير المؤصل، حتى ظهر أكثر من كذاب يدعي أنه المهدي المنتظر، بل إن بعض الزنادقة ادعوا النبوة مستغلين هذا المناخ الموبوء،  والمصحوب  بتسهيلات لا تخطئها العين قدمها بعض الطغاة لإشغال  الشعوب عن مآسيها، ولتشويه الدعوة إلى الله مطلقاً، بذريعة محاربة جماعة أو فصيل أو تيار!!

 

متى نصر الله؟
 
لقد تصاعدت تلك الموجة منذ الاحتلال الصليبي ثم الصفوي للعراق ثم تضاعفت حجماً ونوعاً منذ انطلاق الثورة السورية بتعقيداتها المتعمدة من لدن حشود الأعداء من سائر أمم الكفر والنفاق.

 

ولأن تمحيص الصحيح من السقيم في مسألة كذه، يحتاج إلى هيئة  شرعية مؤهلة، ويتطلب مساحات أوسع من حيز هذا المقال، فإني سأكتفي بالإطلال على المأزق الذي تمر به الأمة، وأترك لأهل العلم تحقيق مناطات النصوص وتنزيلها على الوقائع المطابقة لدلالاتها.

 

في المنعطفات الصعبة، لا يستكين العاقل لأحكام المشاعر غير الموضوعية، فلا مكان للتفاؤل ولا للتشاؤم في القضايا المصيرية،  إلا بعد تشخيص الواقع بأناة وموضوعية.

 

وليس هنالك شك في أننا نرى رأي العين، ما يشجع على التفاؤل بتغيير الحال كما نشاهد مؤشرات تبعث على الانقباض..
صحيح أننا على يقين من أن النصر النهائي لأمة التوحيد مؤكد بوعود  ربانية ثابتة وقطعية،  إلا أن النصوص الصحيحة لا تحدد موعداً للنصر المرتقب.

 

صورة ملتبسة
لنتفق على أبرز معالم المشهد الراهن مما لا يختلف فيه مسلمان عاقلان متابعان ولنبدأ من موقع قلب الأمة الإسلامية  حيث يحقق التحالف الصليبي الصهيوني الصفوي توغلاً كاسحاً في العراق والشام ولبنان، وتكاد أمم الكفر تزهق ما تبقى من نبض في الثورة السورية، بعد تهجير ثلثي أهل السنة من ديارهم، وتدمير مناطقهم كلها تقريباً، في موازاة إحلال قطعان الروافض الغزاة محل أهل الشام الأصلاء.

 

الاستثناء الوحيد يأتي من الساحة اليمنية حيث أوقفت عاصفة الحزم ابتلاع المجوس الجدد لليمن كلياً، بالرغم من الجهد الغربي الخفي لعرقلة الإجهاز الناجز على أدوات خامنئي هناك.

 

الصورة إذاً إقليمياً قاتمة فالدولة الوحيدة في المنطقة التي تشاركنا المشاعر نفسها جرى التآمر عليها بصورة رهيبة حتى اضطرت إلى تجرع كؤوس السم بمغازلة المجرم بوتن والإرهابي نتنياهو!

 

والمشهد أشد سواداً على الصعيد الدولي، فالجميع مع العدوان بدرجات تتراوح بين عدم الاكتراث وبين المشاركة في مؤامرة تمزيقنا بين مخالب المشروع الصهيوني وأنياب السرطان الصفوي برعاية صليبية شبه معلنة.

 

التحدي ضخم
في ظل العداء العالمي لنا والذي انتقل من التقية إلى الوقاحة، وفي ضوء المعطيات السالف بيانها قبل قليل، بات جلياً أن القضية مصيرية وأن حجم العدوان أكبر وأشد خطورة من أن تتصدى له بضع دول مهما بلغت طاقاتها، حيث يجري تطويقها بمزيد من الألغام السياسية والعسكرية والقانونية لتقليص قدرتها على المناورة والمواجهة في أكثر من ساحة ملتهبة.

 

إن بعض الناس يغفلون –أو:يتغافلون!-عن حقيقة أن للدول طبيعة معينة تقيِّد حركتها فلا تستطيع التحرر منها إلا بثمن باهظ قد يؤذي الهدف المنشود أكثر مما يخدمه.

 

والعمل خارج نطاق الدول محفوف بمخاطر شتى، أبرزها الفوضى والشتات وتسلل المختَرَقين من مخابرات الأعداء ودخول الغلاة الحمقى..

من هنا،  أرى –والله أعلم- أن يتداعى العلماء العاملون إلى مؤتمر علمي بعيداً عن النمط السائد من حيث غلبة الصورة والبيانات الإعلامية العمومية، على أن يتم التنسيق مع الدول التي تتصدى لحملة الاستئصال العارمة، لكي يكون العمل اللاحق منسجماً مع جهودها،  من دون تحميلها أعباء الجهد غير الرسمي..

 

هذه مجرد مقترحات شخصية تنبثق من محبة هذا الدين ومن الحرص على أمته، فما كان فيها من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمن نفسي. وأسأل الله –حتى لو جانَبَها الصواب-أن تفيد مناقشات المشغولين بهموم أمتنا، ولو بالإضاءة على جوانب تستحق الاهتمام والعناية.