حلب والموصل والتآمر القبيح
3 ربيع الأول 1438
خالد مصطفى

فضح ما يجري في مدينتي حلب السورية والموصل العراقية عن التآمر القبيح الذي تقوم به ما تسمى بـ "مؤسسات المجتمع الدولي" مع الدول الكبرى تجاه ما يجري من مذابح وجرائم ضد الإنسانية يتعرض لها مئات الآلاف من المسلمين...

 

لقد أجمعت هذه المؤسسات جميعا على مأساوية الأوضاع في هاتين المدينتين وأن العشرات بل والمئات من الأهالي الأبرياء العزل يسقطون قتلى وجرحى يوميا دون ذنب ارتكبوه ووجهت هذه المؤسسات أصابع الاتهام لجهات بعينها تقف وراء هذه الجرائم البشعة ومع ذلك لم تقم بأي عمل رادع لوقف هذه المجازر أو محاولة إنقاذ السكان المحاصرين...

 

لقد خرج الأمر عن حد الاستيعاب حتى أن أكثر من مئتي منظمة دولية اتهمت مجلس الأمن صراحة بالعجز عن إنقاذ حلب، وطالبت الأمم المتحدة باتخاذ إجراء بدلا من المجلس...

 

ووقعت المنظمات على نداء نشر في نيويورك، أعلن فيه الموقعون أن مجلس الأمن "تخلى عن السوريين" , ودعا النداء أعضاء الأمم المتحدة إلى عقد جلسة طارئة للجمعية العامة، للمطالبة بإنهاء كل الهجمات في حلب والمناطق السورية الأخرى، وضمان إدخال مساعدات إنسانية بشكل فوري من دون قيود، وبالعمل على ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة في سوريا أمام القضاء الدولي....كما حذر مسؤول العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين من أن مدينة حلب قد "تتحول إلى مقبرة ضخمة" إذا لم تتوقف المعارك واستمر منع إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان، وأضاف أوبراين أن 25 ألف مدني فروا من شرق حلب منذ السبت باتجاه غرب المدينة التي يسيطر عليها قوات الأسد وأعرب عن "القلق البالغ" على نحو 250 ألف مدني عالقين في شرق حلب، وقال إن "هؤلاء الأشخاص محاصرون منذ 150 يوما ولا يملكون وسائل البقاء لفترة أطول"...

 

من جانبه قال المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستفان دي ميستورا إن التقارير الأولية في حلب تشير إلى أن نحو 16 ألف مدني قد شردوا وهذا العدد في تزايد كل ساعة...وبعد كل هذه التصريحات والمطالبات لم يتم اتخاذ أي إجراء لإنقاذ المدنيين أو الضغط على الأسد وداعميه المعروفين للجميع لوقف المذابح ...

 

وإذا شاهدنا ما يجري في الموصل فلا يفرق كثيرا رغم التحذيرات التي تم إطلاقها قبيل بدء المعارك التي يشارك فيها مليشيات طائفية تابعة لطهران وثّقت منظمات عديدة جرائم لها ضد المدنيين والنازحين السنة ويحدث ذلك بمشاركة قوات من دول كبرى تتحمل المسئولية كاملة عن الأوضاع المزرية التي يعاني منها أهالي الموصل داخل المدينة والنازحين منها؛فقد اجتاحت الأمطار خيم النازحين شرق مدينة الموصل وغرق سكان الخيم لدى خروجهم منها في الوحول وبرك المياه وشكا المازحون من ظرف معيشية غاية في الصعوبة في ظل تجال حكومة العبادي لمطالبهم وتركهم ضحية للمليشيات الشيعية..يأتي ذلك في ظل استمرار المعارك وعدم التمكن من حسمها مما سيزيد من معاناة المدنيين العالقين وسط المعارك فقد صرح مسؤول كبير باللجنة الدولية للصليب الأحمر أن هجوم قوات الحكومة العراقية لاستعادة مدينة الموصل قد يستغرق شهورا, وأضاف دومينيك ستيلهارت, أن عددا متزايدا من المصابين -يفوق المئة في بعض الأيام- يغادرون المناطق الريفية المحيطة بالمدينة التي يسكنها مليون نسمة ويسيطر عليها مقاتلو تنظيم الدولة...وتابع قائلا “على الأرجح سنشهد قتالا طويلا وممتدا مع معاناة خطيرة جدا لسكان سيجدون أنفسهم مرة أخرى محاصرين بين جبهتين"…

 

وقد عبر سكان الموصل عن أوضاعهم المتدهورة حيث قال شاهد عيان من داخل مناطق الموصل التي سيطرت عليها القوات الحكومية: "الوضع حتى الآن قلق والناس خائفون جداً؛ فلا زال هناك اشتباكات قريبة ونزول الهاونات مستمر على المنطقة، تنزل الهاونات في البيوت المجاورة، واحتمالية سقوطها علينا قائمة، والجيش يدخل المنطقة ويخرج منها ويتركها فارغة إلا بعض الشوارع الرئيسية"...

 

وأضاف: "الحياة تقريباً متوقفة خارج البيوت، المساجد جميعها متوقفة والبعض منها متضرر، الناس لا تخرج خارج البيت إلا للضرورة لجلب الماء أو لشراء بعض الأشياء إن وجدت"...

 

وتابع، أن سكان الموصل يتدبرون الطعام والشراب؛ لكنه "يسد لأيام ليست بالكثيرة، والمشكلة بمياه الاستحمام والتغسيل التي انقطعت عن 40% من المدينة، والكهرباء ذهبت مع الأموات، والغاز تقريباً نفد عند الناس والكاز بدأ ينفد لكثرة استخدام الصوبات (المدافئ) بسبب شدة البرد داخل البيت، وسببها شبابيك البيوت المكسرة في الغالب؛ ما جعل الساكنين يغلقوها بالنايلون أو البطانيات، وبعض الناس ليس لديهم أي خدمات أو مواد فقط الشيء البسيط لسد بطون أطفالهم"...هذه الأوضاع تعبر عن قليل من كثير مما يعانيه أهالي مدينتين مسلمتين تتعرضان للإبادة أمام أعين العالم دون أن يتحرك أحد لإنقاذهما في وقت تدور الأحاديث عن صفقات بين الجهات الدولية التي بيدها القرار والدول الكبرى من جهة والقوى الإقليمية التي تريد التخلص من سكان المدينتين للأبد من جهة أخرى, لتلقين درس للعالم الإسلامي السني خصوصا بأن المخطط الطائفي يخطو للأمام ولا سبيل لإيقافه.