مسلمو جنوب و شرق آسيا .. والاضطهاد الممنهج
13 ربيع الأول 1438
د. زياد الشامي

لا تزال الأحداث التي تجري متسارعة في هذه الأيام تؤكد أن الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون من أهل السنة في شتى بقاع الأرض , هو اضطهاد ممنهج ومدبر و بضوء أخضر دولي وأممي , وبدوافع عقدية وأيديولوجية وطائفية وعنصرية مقيتة , في محاولة للقضاء على هذا الدين الحق الذي يرى فيه أعداؤه الأشد خطرا على باطلهم و أطماعهم التي ليس لها حد .

 

 

وفي هذا التقرير محاولة لإلقاء نظرة سريعة على أحوال المسلمين من أهل السنة في شرق وجنوب قارة آسيا , وتسليط الضوء على آخر مستجدات أشكال وأنواع الاضطهاد الذي يتعرضون له , سواء من قبل حكومات تلك الدول وأجهزتها الأمنية والعسكرية , أو على يد أزلامها وصبيانها من المتطرفين المجهزين لهذه المهمة .

 

 

نبدأ بالصين في شرق آسيا التي ما زالت تمارس أسوأ أشكال الاضطهاد بحق مسلمي الإيغور , فقد ذكرت صحيفة تاجستسايتونغ (تاتس) الألمانية أن الحكومة الصينية تعتزم سحب جوازات سفر نحو 22 مليون إيغوري مسلم بحلول فبراير/شباط القادم ، ضمن إجراءات جديدة تهدف لفرض مزيد من التضييق على هذه الأقلية المضطهدة .

 

 

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تنال فيها الحكومة الصينية من حرية السفر "المكفولة نظريا لكافة المواطنين" , وتستثني من ذلك الحق الأقلية الإيغورية , فقد تكرر ذلك مؤخرا مرات عديدة من خلال سحب جوازات السفر أو عدم إصدار جديدة ، كوسيلة انتقامية عقابية .... إلا أن ما يميز الاضطهاد هذه المرة أنه امتد ليشمل شعب أقلية الإيغور بأكمله !!

 

 

فقد أكدت الصحيفة أن حكومة بكين المركزية أنذرت 22 مليونا من سكان إقليم شنغيانغ ذي الأكثرية الإيغورية ذات الأصول التركية شمالي غرب البلاد بتسليم جوازات سفرهم لمراكز الشرطة المحلية، أو تحمل تبعات الامتناع عن تنفيذ هذا الأمر.

 

 

لا يبدو أن القيادة الشيوعية في الصين ستتوقف عن هذا الاضطهاد الممنهج ضد أقلية الإيغور المسلمة ذات الأصول العميقة في تلك الأرض , والتي تمتد إلى القرن الأول الهجري حيث دخلها الإسلام بعد أن فتحها القائد قتيبة بن مسلم عام 95 هجرية , بل ربما يؤكد تاريخها الأسود المليء بحملات الإبادة الجماعية وإغلاق المساجد وتجريم اقتناء المصاحف والتعليم الديني وإقامة شعائر الإسلام و........ أن هذا الاضطهاد سيستمر ويزداد في قابل الأيام ما لم يكن هناك دعم إسلامي واضح لنصرة قضية مسلمي الإيغور المنسية .

 

 

ومع أن دعم أي دولة لبني جلدتها بات أمرا معروفا في العصر الحديث , بل وتمارسه الدول الغربية والشيوعية بشكل سافر وباغ للتدخل بشؤون الدول العربية والإسلامية منذ عقود , إلا أن الصين وأمثالها ترفض أي تدخل عربي أو إسلامي لرفع الظلم والاضطهاد عن أبنائها المنتشرين في الشرق والغرب !!

 

 

فقد أشارت صحيفة "تاتس" إلى الربط بين توجه الصين لسحب جوازات سفر الإيغوريين وبين محاولة حكومة أردغان دعم مسلمي الإيغور الصيف المنصرم , حيث أعلن عن فتح سفارات بلده بالعالم لاستقبالهم ومنحهم وثائق سفر مؤقتة تمكنهم من السفر إلى تركيا حيث سيحصلون هناك على جوازات سفر طبيعية ....ما يشير بشكل أو بآخر على أن ممارسات الاضطهاد الصينية بحق "الإيغور" ليست سياسية فحسب , بل عقدية وأيديولوجية وتحمل كل دلائل "حرب الهوية" .

 

 

ومن هنا يمكن فهم إصرار القيادة الشيوعية في الصين على إحداث تغيير ديمغرافي في إقليم "شنغيانغ" تركستان الشرقية , وذلك من خلال جلب مئات الألوف - بل والملايين - من عرقية "الهان" الصينية إلى تركستان الشرقية , وتهجير مسلمي الإيغور عنوة إلى أقاليم الصين الأخرى , أو دفعهم للهجرة خارج البلاد هربا من جحيم الاضطهاد الممارس ضدهم .

 

 

يدرك من يعلم حجم النفاق والكذب الغربي سبب عدم مناكفة الأمريكان - على وجه التحديد - خصمه ومنافسه الصيني ومساومته على انتهاكاته الصارخة بحق أقلية الإيغور المسلمة , فأمثال تلك المناكفات تذهب للزعيم الروحي للبوذيين في "التبت" الدالاي لاما وأمثاله من القوميات والأعراق غير المسلمة , والذي احتضنه الغرب و آواه بعد استعادة الصين سيطرتها على منطقة "التبت" عام 1951م وطردته منها , لتستخدمه أمريكا والغرب كوسيلة للتدخل بشؤون الصين والضغط عليها باسم "الدفاع عن الحريات والمساواة والديمقراطية" .

 

 

وإذا انتقلنا إلى جنوب شرق آسيا فإن أحوال المسلمين هناك تعتبر الأشد بؤسا في العالم , حيث تزداد معاناة مسلمي أراكان وتتفاقم , حتى وصلت في الأسابيع الأخيرة إلى ذروتها بعد شن الجيش البورمي البوذي حملة تطهير وتهجير وتنكيل بحق "الروهنغيا" , شملت حرق قراهم وبيوتهم وأرزاقهم , وقتل الكثير منهم بدم بارد وعلى أساس عرقي , واغتصاب الكثير من فتياتهم ونسائهم أمام سمع وبصر العالم أجمع .

 

 

لم تجد نفعا مشاهد القتل الوحشي والتهجير القسري و الاضطهاد الممنهج الموثق ضد هذه الأقلية بــ تحريك ضمير الدول الفاعلة لوقف هذه المأساة ومنح الروهنجيا حقهم الطبيعي في الحياة , واكتفت ردود الفعل الدولية والغربية على بيانات تستجدي فيها المجرم لــ : تذليل جميع العقبات التي حالت حتى الآن دون استئناف إيصال المساعدات للمنكوبين" !!!

 

 

أما في بنجلادش فعملية استهداف الحكومة العلمانية هناك لرموز التيار الإسلامي عموما تجري على قدم وساق , فقد صادقت المحكمة العليا الأربعاء الماضي على قرار الإعدام الصادر بحق زعيم حركة "الجهاد الإسلامي" مفتي عبد الحنان بعد قيامها بإعدام عدد كبير من قيادات الجماعة الإسلامية خلال السنوات الماضية .

 

 

 قد تكون الحملة الأخيرة على المسلمين من أهل السنة في شرق وجنوب آسيا هي الأشد والأعنف والأخطر , ربما لكونها تتزامن مع حملة استهداف غير مسبوقة للمكون السني في العالم أجمع دون استثناء في محاولة لاستئصاله والقضاء عليه نهائيا , إلا أن الحملة قد تكون في المقابل سببا ودافعا لأتباع هذا الدين للوحدة والاجتماع وعدم الاختلاف والتنازع والافتراق لمواجهة هذا الخطر المحدق بهم جميعا , خصوصا إذا أعادوا فهم واستيعاب هذا الحديث النبوي :

 

 

عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ( إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِىَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِى مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ وَإِنِّى سَأَلْتُ رَبِّى لأُمَّتِى أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّى إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ وَإِنِّى أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ) صحيح مسلم برقم/7440