للأسف هي ضربة بارعة.. ليت الموساد كان عربياً!
19 ربيع الأول 1438
أمير سعيد

مؤسف جداً أن يُغتال عالم مسلم عربي على يد الموساد، مؤسف أيضاً أن يكون المغدور هو مطور لنوعية من الأسلحة المؤثرة في ساحات الصراع الجديدة، الطائرات بدون طيار التي تحدث توازناً في معيار القوة العسكرية بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني حين تحمل بقنابل موجهة وتسهم في رصد وضرب أهداف نوعية.

 

اغتال الموساد الصهيوني العالم التونسي مهندس الطيران التونسي محمد الزواري (49 عاماً) بعملية استخبارية دقيقة في مدينة صفاقس التونسية في نهاية الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر، وتكشف من بعدها علاقة الزواري بكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، حيث لم يكن معلوماً من قبل علاقة أو انتماء الرجل إليها، كما تكشف دوره في تطوير سلاح القسام من الطائرات دون طيار التي شاركت في معركة "الطير الأبابيل" الماضية، وأيضاً فيما بعدها، حيث يباشر تطوير برنامج القسام لهذا الغرض، ولم يكن قد أنهى عمله مع الحركة في هذا الخصوص؛ فبحسب الصحفي الصهيوني أورلي هلر المراسل في القناة العاشرة؛ فإنه "إذا كان الموساد قد اغتال محمد الزواري فعملية الاغتيال لم تكن على ماضيه، بل على ما هو قادم، فالزواري يساعد حركة حماس للاستعداد للمواجهة القادمة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي". وما هو قادم هو بالقطع أهم مما هو ماضٍ، إذ لم يرشح من خلال المعركة الأخيرة في غزة ما يبرهن على أن برنامج التطوير قد ذهب بعيداً في مجال توجيه الضربات الموجعة، مقتصراً على مجرد رصد وتصوير أماكن استراتيجية في عمق فلسطين، ولربما كان التحضير لحمل أسلحة نوعية أو إدارة توجيه الطائرات على نحو يخرجها من نطاق الرصد الصهيوني وقبته الحديدية.

 

الزواري أمضى آخر عشر سنوات من حياته عضواً في كتائب القسام، وكان أحد قادتها – وفقاً لبيان الجناح العسكري – وساهم في معركة العصف المأكول الأخيرة، وهذا ما كانت ترصده أجهزة الاستخبارات الصهيونية جيداً، وهي من بعد الرصد تحينت الفرصة، ثم اهتبلتها.

 

التوقيت عبقري، من حيث إجهاض التطوير النوعي لهذا السلاح؛ فما مضى منه لا يزعج الكيان الصهيوني كثيراً (لربما كان ثمة ما لم يكشف عنه من مراحل التطوير، وقد تظهر في معارك لاحقة)، وعبقري أيضاً من حيث انشغال العالم العربي والإسلامي بمعركة حلب وما حولها، ولم يكن العالم ليفعل شيئاً لوقف الاغتيال، ولا للانتقام، ولكن أيضاً حرم الحركة من الإفادة من وهج العملية في المعركة النفسية والتسويق لقدرات ونوايا الحركة.. كان عبقرياً أيضاً إذ لم يكن متوقعاً لا في الزمان ولا في المكان.

 

أجهزة الاستخبارات الصهيونية لا تنام، وليست ككثير من نظيراتها في الدول الإسلامية مشغولة بمعارضيها عن أعدائها الحقيقيين؛ فلن يفاجئك ذات مرة خبر عن عملية كتلك تقوم بها واحدة في دول العالم الإسلامي، وهو المحاط بكل أنواع المؤامرات، والمحمول على أدهم الاستهداف والتقسيم والاحتراب الداخلي والاختراق النافذ حتى الفؤاد.

 

ومما يحسب للموساد في هذه العملية ومثيلاتها، أن هذا الجهاز برع في إجهاض مخططات أعدائه قبل أن تولد، وهو يرصد بدقة، ويضبط ساعته على توقيت مدروس، وينفذ بلا خسائر تقريباً وهو آمن من كل اتهام عن إرهاب وعدوان.

 

لقد انساح الموساد وانداح في بلدان العرب، يقتل هذا العالم قبل أن يفيد أمته، ويغيب هذا القائد، ويجند ويستقطب، ولا شيء في المقابل، لا من هذه الدول فحسب بل حتى من القوى المخلصة فيها – أو هكذا يُظن -، حتى لقد غدونا أمة تضييع الفرص؛ فلكم أتيحت للأمة من فرص كانت تستأهل فعالية وجرأة لم تجد من يقدم عليها أو يتحمس لها، وإذ ترافق عملية اغتيال الزواري عملية اغتيال حلب، يحق لنا أن نتذكر تلك الفرص الضائعة الهائلة في الثورة السورية، في حلب وفي غيرها، والتي أهدرها قادة غير جديرين بالقيادة، ومجموعات انحسرت في دوائر فكرها الضيق، وغابت حين تقبل الفرص، واندفعت بتهور حين تضيع، فلله الأمر من قبل ومن بعد.