ابتزازات الاغتيالات لتركيا للتراجع في الشام حديقتها الخلفية
21 ربيع الأول 1438
دـ أحمد موفق زيدان

لا ندخل في جدلية لم تتضح معالمها وهوياتها و المتعلقة بهوية ودوافع  من اغتال السفير الروسي في أنقرة، لكن بعيداً عن هذا كله فإنه من المجزوم به فإن منسوب الغضب الشعبي التركي وصل مدى غير مسبوق، إذ لأول مرة في تاريخ تركيا تخرج هذا المظاهرات وهذه الاعتصامات وفي مواجهة مبنى السفارة الروسية وحتى السفارة الإيرانية التي لم تتعرض في تاريخها لمظاهرة ضدها، لكن نرى اليوم الغضب التركي يتصاعد، و مرجل بني عثمان يغلي وسيفور قاذفاً بحممه داخل وخارج تركيا، وعلى العقلاء أن يعوا ذلك وأن يفهموا أن دماء أهل حلب التي كانت تسمى في عهد السلطنة العثمانية بتوأمة اسطنبول غالية على الأتراك، والأخطر من ذلك كله أن تبدأ سياسة الحكومة التركية بالابتعاد عن الهموم الشامية والحلبية بعد هذه المحاولة استجابة للضغوط والابتزاز الروسي، مما تنعكس بشكل سلبي ومباشر على الشارع التركي ...

 

 

لا شك فإن تركيا تراجع موقفها بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية، ترافق ذلك مع طلب موسكو منها التراجع في الملف السوري، والظاهر أن الزحف الروسي من الساحل باتجاه حلب والتهديد بالتحرك نحو إدلب وعدم وقوف تركيا بشكل صلب ضد هذا التحرك الروسي الخطير يوحي أن السياسة التركية حيال الشام والثورة السورية في تراجع بين وواضح، لكن الأشد تراجعاً هو حين تستدير تركيا نحو الحل الثلاثي بين تركيا وإيران وروسيا، بينما كان الأتراك والعرب يرفضون مجرد دخول إيران على خط التسوية قبل سنتين تقريباً، اليوم يتم استبعاد العرب لينجم عنه استفراد الضبعين الروسي والإيراني بالأتراك، وهو ما ينذر بتداعيات خطيرة على تركيا..

 

 

نفهم تماماً حجم الغضب السياسي والاحباط التركي من السياسة الأوربية المتخبطة والسياسة الأميركية المتآمرة عليها، ولكن لا بد أن نفهم أن هذا التنقل من أميركا إلى روسيا كالمتنقل من تحت الدلف إلى تحت المزراب، فكلهم ضباع تريد نهش لحومنا، ولكن بعض منايا الموت أفضل من بعض، وعليه فلا بد من الانتباه من  القبول بالحل الثلاثي كونه حرف عن المرجعية الأممية وقرارات مجلس الأمن بغض النظر عن كل ما يقال عن فشل تلك القرارات في حل القضية السورية، ولكن مع هذا نتكلم بلغة سياسية وديبلوماسية فإن رمي البيض التركي كله في السلة الروسية والإيرانية خطير على تركيا بقدر خطره على سوريا، إذ لا بد من إشراك العالم العربي في هذه القضية وألا يتم الاستفراد بدولة على حساب دول أخرى ...

 

 

الأيام المقبلة خطيرة على تركيا التي ينبغي عليها مراجعة سياستها الخارجية تماماً، فلا يمكن لهذه السياسة أن تكون بعيدة عن مزاج الشارع التركي، ولا ينبغي للسياسة التركية السابقة التي كانت مع الثورة قلباً وقالباً بينما كان الشارع التركي بعيد الاهتمامات عن الثورة، فتنقلب الآية الآن إذ يكون الشارع التركي مع الثورة بينما تتراجع الحكومة عن دعمها، وكل طالب في العلوم السياسية يعرف أن السياسة الخارجية بالأصل تكون استجابة لمقاس الاحتياجات الداخلية، وحالما تفترق السياسة الخارجية عن الاهتمامات الداخلية فإن خطر الاضطرابات الاجتماعية يكون ماثلاً للعيان...