"حرب" فتاوى ملغومة حول أعياد النصارى!!
2 ربيع الثاني 1438
منذر الأسعد

اندلعت منذ أيام معركة حامية الوطيس  حول الحكم الشرعي في تهنئة النصارى بمناسباتهم الدينية،مثل: عيد الميلاد ورأس السنة..

 

واستأثرت الساحة المصرية بالنصيب الأوفى من الصراع الملتهب، وكان للإعلام دور أحادي صارخ بتبني الفتاوى التي تجيز تلك التهاني، ليس لأن المذيعين والمذيعات ممن لهم أدنى صلة بالعلوم الشرعية- لا قدَّر الله!!- فأكثرهم يعجزون عن تلاوة آية قرآنية كريمة تلاوة صحيحة..

 

ولأن نقد هؤلاء ليس غرضنا فإن بإمكان من يرغب أن يبحث في موقع يوتيوب،حيث يجد عشرات من مهازلهم وجهلهم المكعب.

 

هم انحازوا إلى الجانب الذي يرغبون فيه لأسباب مسبقة الصنع، ومستقرة  في خطابهم المناوئ للإسلام مع اختلاف في الدرجات وليس في النوع-إلا ما رحم ربي وقليلٌ ما هم-!

 

الفتوى الرسمية
في نطاق هذه المواجهة الحادة أعادت دار الإفتاء المصرية نشر فتواها بخصوص تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وذلك تزامنًا مع احتفالات الأقباط بأعياد الميلاد.

 

 

 

وأكدت الدار فى فتواها، أنه لا مانع شرعًا من تهنئة غير المسلمين فى أعيادهم ومناسباتهم، وليس فى ذلك خروج عن الدين كما يدَّعى بعض المتشددين غير العارفين بتكامل النصوص الشرعية ومراعاة سياقاتها وأنها كالجملة الواحدة، وقد قَبِلَ النبى صلى الله عليه وآله وسلم الهدية من غير المسلمين، وزار مرضاهم، وعاملهم، واستعان بهم فى سلمه وحربه حيث لم يرَ منهم كيدًا، كل ذلك فى ضوء تسامح المسلمين مع مخالفيهم فى الاعتقاد، ولم يفرق المولى عز وجل بين من المسلم وغير المسلم فى المجاملة وإلقاء التحية وردها؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ .

 

 

 

وأضافت الدار، أن التهنئة فى الأعياد والمناسبات ما هى إلا نوع من التحية، أما ما استشهد به هؤلاء من قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ على عدم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم من نصارى ويهود: فإنما هى نظرة قاصرة للنص القرآنى؛ حيث لم يرد ذلك صريحًا فى الآية، بل هو اجتهاد فى تفسيرها، وقد نقل فيه عدة آراء، فما بالهم يأخذون منها ما يوافق أهواءهم ويكفرون بغيرها، وأما دعوى التشبه والموافقة على شعائر غير المسلمين: فالمنهى عنه شرعًا التشبه والموافقة فى الأفعال والاعتقادات التى نهى الإسلام عنها أو خالفت شيئًا من ثوابته.

 

الفتوى "السلفية"
في الجهة المقابلة،أصدر عدد من شيوخ الدعوة السلفية في مصر فتاوى تؤكد أن تهنئة غير المسلمين في مناسباتهم الدينية منكر عظيم.

 

فقد قال الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية، أصدر فتوى قال فيها بأن التهنئة بالأعياد المرتبطة بالعقيدة أشرّ من شرب الخمر وفعل الفواحش، على حد قوله، مضيفًا في فتوى له بأحد الدروس الوعظية للمجموعات السلفية التابعة له: “التهنئة بالأعياد المرتبطة بالعقيدة أشرّ من شرب الخبر وفعل المنكرات، والملتحون الذين يهنئون الأقباط ليسوا منّا، فليس كل ملتحٍ يُحمل على الدعوة السلفية”.

 

وقال الشيخ محمود لطفي عامر : “تهنئة النصارى بأعيادهم حرام حرام حرام، والإفتاء بالجواز أشد حرمة، لأننا في دولة مسلمة توحد الله وتعبده وحده، وتحترم رسول الله رب العالمين وخاتم النبيين، ومن يفتى بغير ذلك وهو غير مكره فهو خائن لله ولرسوله وللمسلمين، بل خائن للنصارى أنفسهم، لأنه يضللهم ويريد هلاكهم وخلودهم في النار”

 

 

كما أصدر الشيخ سامح عبد الحميد، الداعية السلفي، فتوى بتحريم شراء ملابس “بابا نويل” في الكريسماس، قائلًا: “يجوز تهنئة النصارى بمناسباتهم الدنيوية وليس الدينية، والكريسماس من جملة شعائرهم الدينية، والمشاركة فيه هي مشاركة لهم في شعائر دينهم، ولا ريب أن ذلك حرام ومنكر عظيم”.

 

 

المتربصون جاهزون
كان هذا الخلاف بين طرفين محسوبَيْن على النظام مأزقاً بالنسبة إلى الإعلاميين المطبلين فلا يمكن اتهام حزب النور بأنه مناوئ للنظام الحاكم؛لكنهم وجدوا الـمَخْرج بتوجيه الأحداث نحو رغباتهم العلمانية المحض فحاولوا دق إسفين جديد لإضعاف كل أثر ممكن للدين في حياة الناس.

 

وركب الموجة بعض أعضاء "مجلس النواب" وأطلقوا دعوة مريبة لتجريم الفتاوى التي تقول بمنع التهنئة موضوع الشد والجذب!!

 

فتوجهوا إلى المؤسسات الدينية الرسمية يطالبونها بالتصدى للفتاوى التى تصدر من بعض الشيوخ والدعاة السلفيين، بتحريم تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد،وأعلنوا ضرورة إصدار تشريع قانونى يجرم هذه الفتاوى التى وصفوها بـ"الفتاوى الشاذة"، زاعمين أن هذه الفتوى لا تخرج من أصحاب العلم الدينى.

 

"كهنة" تجديد الخطاب الديني
من بين الأقلام الكثيرة التي تناولت معركة الفتاوى هذه،شدني مقال للأستاذ جمال سلطان وضع فيه إصبعه على الجرح –من حيث الخلفية السياسية للقضية وليس من جهة حكمها الشرعي الصحيح فذاك مجال له موضعه وله أهله-.

 

ومما جاء في المقال: لفت نظري أن البعض اعتبر هذا الجدل دليلا عن عودة عصور الظلام والأفكار الظلامية ، والبعض نسبها للتطرف الذي تفشى في التراث الإسلامي والذي يجب تنقيته من مثل هذه الآراء ، والبعض اعتبر أن هذا يثبت أن الأزهر لم يقم بواجبه في تصحيح المفاهيم وتجديد الفكر الديني ، رغم أن هذه المسألة مثل مئات المسائل الدينية الأخرى محط خلاف حتى داخل الفضاء الديني المسيحي نفسه ، وقد كان مفاجئا في نهاية العام 2013 ، وفي مناسبة احتفالات الكريسماس اعتراض البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، على تلك الاحتفالات بعيد الميلاد واصفا إياها "بالجاهلية" وقال إنها تعطي صورة زائفة مبنية على حكاية خرافية مائعة، لا وجود لها فى الإنجيل. ...  لم يجرؤ أحد ، لا هناك ولا هنا ، على أن يتهم البابا بأنه "ظلامي" ولا طالب الفاتيكان بتنقية التراث الديني من مثل هذه الأفكار المتخلفة والتي تحض على الفتنة ...ولكم أن تتخيلوا لو أن هذه الفتوى ، بتلك الصراحة ، صدرت عن عالم أزهري ، أو الداعية السلفي الشيخ ياسر برهامي ، أعتقد أن المناحة كانت ستنعقد للفكر الديني لمدة شهر على الأقل ...

 

وأذكر أنه في أعقاب ثورة يناير 2011 اختفى تماما من المشهد المصري مثل هذا الجدل ، ونادرا ما كنت تسمع نقاشا أو اشتباكا في الفتاوى حول هذه الموالد ، سواء الكريسماس أو مولد النبي أو ما شابه ، كانت حركة المجتمع فوارة بالأمل والطموح في بناء حياة جديدة ، والجدل السياسي الحر والجاد ، ومناخ جديد من الحرية والانفتاح أعاد ترتيب أولويات هموم الناس ، وأعاد تشكيل نظرتهم للحياة والمجتمع ومكوناته .... فلما جف هذا النهر وتهمشت مساحة العمل العام وانحصرت الأحزاب كما كانت سابقا في شقق متناثرة في بعض الأحياء وهمشت القوى السياسية عن المشاركة الفعالة وعادت القبضة الحديدية ومناخ الخوف ، عادت معها فتاوى الكريسماس ومولد النبي ، تملأ الفراغ الذي عاد ، وعاد معها بعض "الكهنة" الذين يحدثونك عن ضرورة إصلاح الخطاب الديني لأنه سبب المشكلة .