أوروبا التي توحشت على المهجرين حد التجمد
17 ربيع الثاني 1438
أمير سعيد

خبر صغير لا يسترعي الانتباه، ولم تفرد له وكالات الأنباء تقارير وافية، ولم يتصدر نشرات الأخبار في كبريات الفضائيات العالمية:

"أعربت المنظمة الدولية للهجرة عن قلقها إزاء حالة الآلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء وغيرهم الذين يواجهون ظروف الشتاء القارس في جميع أنحاء أوروبا وشرق البحر الأبيض المتوسط، وذلك عقب وفاة العشرات منهم نتيجة البرد الشديد".

 

سوريون، صوماليون، أفغان، عراقيون، جنسيات مختلفة، معظمها مسلمة، يتعرضون لموت بطيء على طول الحدود البلقانية في الغالب، وفي معظم أرجاء أوروبا الأخرى بدرجة أقل..

 

في التفاصيل من المنظمة ذاتها:
"مقتل أكثر من خمسة آلاف مهاجر أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا خلال عام 2016."

"هناك أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة شخص عالقون في صربيا ويعيشون في مساكن دون حماية كافية من الشتاء."

"الوضع قاس الآن في اليونان."

 

"خمس حالات وفاة سجلت حتى الآن بسبب البرد ويوجد ألف شخص في خيام ومساكن غير مزودة بوسائل للتدفئة في جزيرة ساموس اليونانية"
وفي التفاصيل أيضاً لكن من اليونيسيف:

 

"السلطات في جميع الدول على طول طريق البلقان الغربي تستمر في صد المهاجرين واللاجئين من أراضيهم إلى الدول المجاورة."

 

"عدد من المهاجرين واللاجئين قالوا إن الشرطة استخدمت معهم العنف وقال كثيرون إن هواتفهم صودرت أو أتلفت مما منعهم من الاتصال لطلب المساعدة (...) البعض حتى أبلغ عن مصادرة بعض الملابس مما جعلهم أكثر تأثرا بظروف الشتاء القاسية."

 

 

أخبار لا تثير شهية وسائل الإعلام العالمية، وفي قلبها وسائل الإعلام الأوروبية حيث تقع هذه الجرائم الإنسانية على مرمى حجر من قلب وأطراف شبكات مراسليها العنكبوتية الكثيفة، هذه الوسائل التي ستتجند بعد ثلاثة أشهر من الآن لإحياء ذكرى الأحداث التي قام الأوروبيون بتسميتها بـ"مذابح الأرمن".

 

 

تقول الرواية الشهيرة عن ذلك أن السلطات العثمانية قد 250 أرمينيا بارزاً (ساسة ونشطاء)، وصدرت القرارات بتهجير مئات الآلاف من الأرمن بسبب خياناتهم الموثقة والثابتة تاريخياً من مصادر عثمانية وغربية مستقلة، وانخراط نحو 300 آلاف منهم في الجيش الروسي الغازي لأراضي السلطنة العثمانية، وانقضاضهم على قرى الأكراد والترك والتركمان التي كان رجالها منخرطون في الجيش العثماني (الذي كان يحصر تجنيده الإجباري على المسلمين من الرجال)، قتلاً وتهجيراً، واغتصاباً للنساء، ما أجج مشاعر القصاص في ظل قبضة ضعيفة من دولة أقر العالم الأوروبي كله حينها أنها "الرجل المريض" الذي لا يقوى على التحكم في كل ممالكه، وإخماد كل تمرداته وقلاقله.. وبغض النظر عن روايات المذابح التي قيل إنها وقعت في حق الأرمن؛ فإن إحدى "الجرائم" التي تلاحق من أجلها تركيا منذ أتاتورك العلماني إلى أردوغان المسلم هو ترك الأرمن يموتون في أجواء باردة أثناء تهجيرهم، مع أن هجرة الأرمن كانت إلى الجنوب فيما صارت هجرة السوريين وغيرهم إلى الشمال البارد في وسط أوروبا وشرقها.. الأولى قبل قرن من الزمان (إبريل 1915) عُدت جريمة، لكن الحالية لا يعدها أحد جريمة تستأهل ملاحقة المتسببين بها من الأنظمة السورية والإيرانية والروسية، ولا من تواطأ كالأمريكيين والأوروبيين، أو مارس سياسة إجرامية حيال مهجرين لا يملكون من حطام الدنيا شيئاً لحد مصادرة هواتفهم حتى لا يستغيثون، وملابسهم الشتوية لكيلا يبقون على قيد الحياة!

 

 

تلك كانت "جريمة" تمت إبان حرب عالمية وفي أعقابها ونتاج خيانة أدت إلى هذا التهجير، أما هذه فالأوروبيون يعادون المهاجرين دونما سبب إنساني أو مبرر أخلاقي أو منطق سياسي.. هذه أوروبا الثرية المتعصبة تعاقب من لجأ إليها؛ فيما لم يفعل السوريون واللبنانيون هذا وهم فقراء قبل قرن من الزمان.. ها هي أوروبا المتعصبة تمارس فاشيتها ودونها كل وسائل التواصل والاتصال والنقل، ولديها كامل الإمكانات لإغاثة المهجرين، ولديها هامش التحرك إن هي بخلت أن تطلب معونة أهل الخير في الخليج وغيره.. يحاسبون تركيا على جريمة ظنية قبل قرن فيما هم يمارسونها أمام شاشات التلفزة بشكل وحشي هذا الأوان!