قلمٌ نظيفٌ في زمن النخاسة
23 جمادى الأول 1438
منذر الأسعد

الدكتور حسام عقل كاتب محترم ومفكر نزيه وصاحب قلم جريء.. وما أصدق الحكمة العربية العريقة التي تقول: لكل امرئ من اسمه نصيب.. فالرجل حسام بتار في الذود عن هوية أمته، وهو ذو عقل متوقد وصاحب حجة ناصعة قوية.

 

من يعرف قلمي المتواضع يشعر بشيء من الدهشة، من تلك الأوصاف الإيجابية التي أطلقتُها على هذا العملاق، الذي يتعمد إعلامُ السفاهة العربي أن يحجب عطاءه عن الناس، فلا يبقى أمامه إلا بعض الصحف الإلكترونية الرصينة تمنحه ما يستحقه من تقدير.

 

إلا أن القارئ الكريم سيعذرني عندما يتابع هذه السطور، التي خصصتها لموقف مشرف، وقفه الدكتور عقل في وجه واحد من أبرز أصنام التغريب الحاقد على الإسلام باسم العلمانية! مع علمه بالثمن الباهظ الذي قد يضطر إلى تسديده في مواجهة طوفان لئيم كاسح مدعوم بأنياب وأحقاد خارجية وداخلية!

 

وإذا مدَّ الله في الأجل أتناول لاحقاً موقفاً له مماثلاً عرَّى فيه الدكتور عقل صنماً تغريبياً آخر لا يقل انحطاطاً عن صاحبه..

***

جابر عصفور كما يعلم جميع المتابعين من أكبر أوثان التغريب في المنطقة العربية..

وقد تصدى له الدكتور حسام ونسف كثيراً من أباطيله، وفي هذا السياق نشر مقالاً عنوانه: جابر عصفور..زوابع الشيخوخة، قال فيه: "خرج د (جابر عصفور) علينا، بعد صمت مهيب، منذ أطيح به خارج وزارة الثقافة، حقيبته الوزارية المفضلة، ليقارن بفجاجة مستفزة تحمل النفس الطائفي الرديء، بين (الإسلام) و(المسيحية)، على هامش قضية تجديد (الخطاب الديني)، العلك الذي تمضغه كل الألسن هذه الأيام دون وعي، وبدت المقارنة شديدة الضحالة تكاد تماثل ضحالة من يقارن بين (برشلونة) و(ريال مدريد) ليغازل غضب الجماهير ويستفز عصبيتهم الكروية الملتاثة"..

 

ثم أضاف: "قال د عصفور، حين سحبته أسئلة الصحفيين إلى المساحة الطائفية السوداء من السؤال المتصل بمساحات التماس أو التخالف بين الإسلام والمسيحية في موضوع تجديد الخطاب تحديدا: (...على الأقل فإن المسيحية لم يوجد بها عنف مسلح..!!) وهي عبارة _ فضلا عن خطئها التاريخي المؤكد _ تكاد تسقط باستفزاز لا يمكن تحمله أو تمريره، في المساحة المقابلة المفهومة ضمنا على الإسلام وتجعل (العنف المسلح) حكرا عليه وسمة ملتصقة به لا تنفك عنه ولا ينفك عنها! كانت كلمات عصفور بهذه الصياغة سخيفة إلى أبعد غايات السخف، ضحلة بكل معاني الضحالة، مفعمة بالنفس الطائفي بصورة حقود موتورة نستنكر أن تصدر حتى عن مراسل أجنبي أو محلل عنصري أو حاخام متهوس..............! وحين سئل عن تجديد الخطاب الديني المسيحي، أسوة بتجديد الخطاب الديني الإسلامي، قال محاولا أن يفتعل اللباقة واللياقة: (هذا شأن داخلي خاص بالمسيحيين وحدهم!) وبرز سؤال عفوي في أذهان القراء: (ولماذا لا يتعامل بعشر معشار هذه اللباقة واللياقة مع عقائد المسلمين وتاريخهم الوجداني والثقافي؟!) أم أنه _ مجاراة للتوجه العام الآن! _ فضل أن يرتكن على الحائط الواطيء الذي يغتاله الجميع معنويا هذه الأيام بعد أن أبرق الخطابان الرسمي والإعلامي بالضوء الأخضر _ بحسب فهم البعض _ فانفجرت كرنفالات الاستباحة بجنون غير مسبوق في تاريخ مصر الفكري الحديث!".

 

ثم يأتي رصاص القول لنسف هراء عصفور: "هل كان حقا يا د عصفور ما قلته من أن تاريخ المسيحية، لم يعرف عنفا مسلحا، وأن الإسلام _ وحده _ هو من عرف العنف المسلح؟! وهل قرأت تاريخا غير مانعرفه من تاريخ سطره المؤرخون الثقات؟! هل راجعت تاريخيا يا د عصفور، مذبحة (سان بارثلميو) بين الكاثوليك والبروتستانت والتي راح ضحيتها ألوف الأبرياء؟! وهل تابعت تاريخ الحروب الطائفية العنيفة في أوروبا، خصوصا حرب الثلاثين عاما في ألمانيا، وهي مجازر دمرت مدنا وطمرتها تحت الرمال؟! هل راجعت تاريخ منظمة (الألوية الحمراء) في أوروبا حيث ارتكب (ريناتوكو ريكو) ورفاقه ما يربو على سبعين جريمة قتل بشعة بين عامي 1970 و1988، بما في ذلك الاختطاف ونهب البنوك واغتيال رئيس الوزراء الإيطالي (ألدو مورو) عام 1978؟! وهل راجعت جيدا مجازر (محاكم التفتيش) الكاثوليكية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ضد من اعتبرتهم الكنيسة _ آنذاك _ (هراطقة) ومارقين، حيث قدر بعض المؤرخين ضحايا هذه المحاكم ب (خمسة ملايين) من البشر؟! خمسة ملايين يا د عصفور وهو ما يوازي الآن تعداد "دولة" بحجم إسرائيل؟! وهل راجعت ما صنعه المجرم الأمريكي المتهوس دينيا (كريس كايل) في مسلمي العراق؟! ألم يكن هذا كله عنفا مسلحا أم تراه كان شيئا (تنويريا) آخر لا نعرفه؟!"!

 

ثم يطلق الدكتور عقل رصاصة الخلاص على عصفور فيقول له: "وماذا تنتظر من وراء هذه المغامرة الآن من الحصاد والمكتسبات بعد أن مضت قاطرة العمر ودنت محطة الخريف، وقد كان المجلس الأعلى للثقافة _ سنوات طويلة _ ضيعة خاصة بك لا يقربها إلا من ترضى عنهم وتعمدهم برضائك السامي؟! وما زال المجلس _ حتى الآن _ ضيعة خاصة بتلامذتك الذين يكملون ما بدأت بذات الروح الإقصائي المؤدلج الأسود، على نحو تعمقت معه جراح مصر ونزفت دون توقف، وكنت سبباً مباشراً من أسباب هذا النزيف الذي أحنق الصدور وملأها بالأحقاد المؤدلجة والطائفية التي نسدد فاتورتها الآن؟!"!!