استقرار الصومال ولو بديمقراطية جدعاء!
24 جمادى الأول 1438
أمير سعيد

بكل مراحلها وتطوراتها تجلب التجارب الصومالية المتعاقبة الألم للشعب الصومالي، ومحبي هذا البلد المسلم العربي الإفريقي؛ فلا تكاد تخرج من محنة إلا تجد نفسها قد انزلقت في أخرى.

 

في النسخة الأخيرة، بعثت رسالة فأل بالطريقة السلسة لانتقال السلطة من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى خليفته "المنتخب" محمد عبدالله فرماجو، وفي حفل بسيط مصبغاً بلون علمها الهادئ، وتقشف نظامها الاضطراري، احتفل بتنصيب المرشح المنتخب فرماجو رئيساً تاسعاً للصومال.
لكن هذا الفأل سرعان ما يخفت صوته عند النظر إلى الطريقة التي انتخب بها فرماجو؛ فالقشرة الديمقراطية التي غلفت العملية الانتخابية أخفت خلفها الجسم الحقيقي للمشكلة الصومالية؛ فالانتخابات لم تكن "انتخابات" بالمعنى الحقيقي لها؛ فقد جرت وفق نظام الانتخاب غير المباشر الذي لا يتيح للشعب الصومالي اختيار رئيسه بشكل مباشر، فلا الشعب انتخب الرئيس بصورة مباشرة صحيحة، ولا تم هذا عن طريق ممثلي الشعب "الحقيقيين"؛ إذ يتشكل البرلمان من أعضاء انتخبوا بطريقة المحاصصة القبلية. وليست حتى هذه الطريقة هي المشكلة؛ فالهدوء الذي شهدته الساحة السياسية النخبوية الصومالية ليس مرده انسجام شعبي ووعي الساسة وإدراكهم لضرورة التوافق، وإنما حصل هذا التوافق عن طريق تدخل الخارج، وهو إذ ذاك لا يمكن أن يجسد الإرادة الحقيقية للشعب الصومالي الأصيل.

 

على قاعدة أهون الشرين يمكننا الترحيب بما تم على اعتبار أنه وفر للصومال شيئاً من الأمن والاستقرار اللازمين لإنقاذ الاقتصاد الصومالي، وبناء مناعة واجبة للتصدي لموجات الجفاف المتوقعة والمتلاحقة في البلاد. يمكن الترحيب رغم أن ثمة شوائب تستوقف الأنظار في طريقة "لملمة" الانتخابات في مرحلتها الأخيرة على نحو مريب، وفي أسسها بالأصل.

 

الانتخابات قامت بعد اختيار نحو 14 ألفاً من الشيوخ ووجهاء القبائل باختيار 275 عضواً للبرلمان، و54 آخرين لمجلس الشيوخ، هؤلاء الأعضاء هم من اختاروا الرئيس عبر ثلاث جولات تنافس فيها 21 مرشحاً، ثم انسحب الرئيس السابق فجأة من السباق في الجولة الأخيرة مفسحاً الطريق لفرماجو، وقاطعاً الطريق على الرئيس الأسبق شيخ شريف أحمد (المصنف كإسلامي وحيد بين المتنافسين الرئيسيين).

 

بدت الطريقة كما لو كانت أقرب إلى نمط "أهل الحل والعقد" الإسلامي منها إلى الديمقراطية الحقيقية، لكنها في الواقع لم تكن لا هذا ولا ذاك؛ فالمال المتدفق من دولة خليجية تعد واجهة إقليمية للإرادة الأمريكية في المنطقة أدى إلى إفراغ العملية الانتخابية من مضمونها، وأدى إلى وصول فرماجو (الأمريكي الجنسية أيضاً) إلى سدة الحكم في هذا البلد الفقير، حيث أمطر الناخبون بعشرات الآلاف من الدولارات لتسيير الانتخابات إلى النحو الذي سارت إليه.

 

لكن حتى لو لم يكن هذا المال قد تدفق؛ فإن آفة الصومال لم تتعافَ منها بعد، ومعضلتها المؤسفة في تغليب القبلية على المصلحة الإسلامية والقيمية كانت ستدفع بها إلى مصير كهذا لا يحدده الصوماليون بل "الجهات المانحة"، و"الحاميات المتعددة الجنسيات"؛ فخلف الجدران الأسمنتية الغليظة، وفي قلب المطار لا يمكن أن يتم الاختيار الصحيح لرئيس دولة عريقة بحجم الصومال، التاريخ والجغرافيا والدور.

 

شيء من الاستقرار وقليل من الأمن يدعوان للتفاؤل حول قادم الصومال، لكن هذا مزعج ألا يتم التوافق والهدوء إلا عبر تدخل إثيوبي وبريطاني ووكلاء عن الولايات المتحدة الأمريكية. فالذين يزرعون نبتة الفوضى الخبيثة في معظم ديار العرب لا يمكن أن يقدموا للصومال الهدوء والسكينة إلا إذا كان الغرض إتاحة هدنة مؤقتة لانتهاب مزيد من "غنيمة" اليورانيوم وفسح المجال لعقود نفط مجحفة تتم عبر مناخ ديمقراطي هادئ مصطنع يخفي خلفه الزوابع والعواصف المدارية.

 

بكل حالٍ، هنيئاً للصوماليين بقسط من الهدوء والبناء، ولعل قادمهم أفضل إن شاء الله.