الناشط غليس الموصلي: هذه نسبة تدمير مدينة الموصل، وهؤلاء فقط هم من بقوا فيها.. هدف التحالف لم يكن محاربة داعش.. هكذا تعامل التنظيم مع القرى الشيعية
4 رجب 1438
موقع المسلم

كشاهد عيان لما حصل في مدينة الموصل، أمكن للناشط غليس الموصلي أن يمنحنا صورة واضحة لما جرى في تلك المدينة التي تعرضت لهجوم تشاركت فيه إيران وميليشياتها الإيرانية والعراقية مع التحالف الدولي، ومهد له استيلاء داعش عليها في عملية مريبة تبين هدفها الآن بوضوح.

كشف لنا الموصلي عن حجم الدمار، ومستوى معاناة العوائل العراقية السنية العربية في الموصل، ووضع تقديراً تقريباً لأعداد أهلها المتبقين في المدينة، فكان هذا الحوار مع موقع "المسلم"..

 

حوار: موقع "المسلم"

 

-    رسمياً ما هو حجم المناطق التي سيطرت عليها القوات العراقية قياساً إلى مساحة الموصل؟

الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آلهوصحبه..
أول شيء أشكر الله سبحانه وتعالى ثم أشكركم على استضافتكم لي، وحالة الموصل هي حالة خاصة، تختلف عن كل مناطق العراق، لأنها منطقة سنية بحتة، فتقدر نسبة السنة العرب أكثر من 90% والبقية من اليزيدية وغيرهم، وهي مدينة كبيرة حيث تعد ثاني مدينة بالعراق بعد بغداد من حيث تعداد السكان، وقد تكالبت عليها الأمم جميعاً، ودخلوها بطريقة الأرض المحروقة.

 

وهذه الطريقة قد أفضت إلى تدمير معظم أرجاء الموصل، من المباني والبنى التحتية للجامعات والمساجد والمستشفيات، برغم سلمية أهلها وانخراطهم في أعمالهم وتجاراتهم بعيداً عن معتركات السياسة. فلم يبق من مدينتهم نتاج هذا التدمير سوى الساحل الأيمن، وهو يعد مساحة صغيرة من هذه المدينة المعروفة بتاريخها وثقافتها.

 

وفي اعتقادي، أنهم (التحالف الدولي والقوات والميليشيات العراقية وغيرها) لو أرادوا إخراج هؤلاء المقاتلين أو داعش أو غيرهم من الموصل لأخرجوهم منذ الشهر الأول؛ لكنهم لا يريدون لأن الهدف من هذا الاحتشاد والقتال هو استنزاف أكثر عدد من الشباب السني وتشريدهم، وتسكينهم خياماً، وتهديم البنية التحتية بحيث يضطر السكان إلى مغادرة بيوتهم وأراضيهم، وأن يلجؤوا إلى الخيام حيث لا تعليم ولا صحة.. الخ، فالله المستعان.

 

-    نعم، فهل معظم المناطق تحت سيطرة القوات العراقية؟

نعم أغلبها، سوى نحو 10% أو ما يدور حول هذا.

 

-    كم كان عدد السكان تقريباً قبل النزوح وكم أصبح الآن تقريباً؟

كان عدد سكان الموصل تقريباً مليون وثمانمائة ألف، أما الآن فما بقي تقريباً إلا نحو 10% من السكان، لأن الناس اضطرت مجبرة؛ فهم قد صاروا بين المطرقة والسندان؛ إن بقوا فَتَحْت القصف والإهانة وإن خرجوا أمام نار فلا حول ولا قوة لهم.

 

وقد التقيت أهلنا في الخيام من أهل الموصل، منهم تجار وأطباء ومهندسون وأصحاب شهادات عليا، وجدت من أبنائهم من يرتدي الملابس المتسخة، ليس لديهم من الثياب إلا ما عليهم، حفاة الأقدام، وهم كانوا من أهل اليسر والعزة والثراء المادي.. وتركتهم وهم يبكون، وأنا أبكي من حالهم الذي صاروا إليه.

 

فحسبنا الله فيمن دبر هذا لهم بليل؛ فالمصاب كبير، والتدبير واضح من وراءه، لا أقول الحشد أو غيره؛ فهؤلاء ما هم إلا أدوات بيد المشروع الصهيوني العالمي الساعي لتمزيق الأمة واستنزاف شبابها.

 

-    برأيكم، هل ما تشاهدونه الآن هو عملية تغيير ديموغرافي عبر تهجير قسري أم أن فرص عودة الأهالي ما زالت متاحة؟

أمر الله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، فأمره فوق كل شيء، ونحن نأمل أن يعودوا، لكن الخطة وما رأيناه بعيوننا أنه تهجير قسري، يفوق ما فعله اليهود أنفسهم، فما فعلوه بالفلسطينيين حيث تحولت مخيمات الفلسطينيين إلى بنيان في بلدان أخرى، إنما ما يفعله هؤلاء يستهدف العقيدة كذلك، فعملهم تغيير مناهج التعليم لتكون رافضية.

 

لكن مع هذا لا يفارقنا التفاؤل، فهؤلاء ما يفعلونه كأفعال قطاع الطرق الذين يسرقون ولا يتسللون بمناهج وأفكار؛ فأفعالهم التخريبية لا تبقي لهم أي تعاطف أو تحمل على ترسيخ أقدامهم.

 

-    ما حجم الدمار في شرق وغرب الموصل؟

والله حجم الدمار كبير؛ فهدفهم هو التدمير وليس قتال داعش؛ فلو أرادوا لأخرجوها بسهولة، وبقيت المدينة على حالها وأهلها في أمان، لكن كانت بغيتهم هي التدمير والتهجير ليس في الموصل وحدها بل تمتد في أقضية ونواحي نينوى بوجه عام.

 

هل من بيانات عن الأعداد الحقيقية للضحايا المدنيين، وكيف تفسرون الصمت على إذاعة معلومات كهذه؟

لا يوجد إحصاء لأن كثيراً من الضحايا هم تحت الأنقاض، فأعداد القتلى كبيرة والمهجرون أكبر والمنكوبون أكبر، فالرقم عالٍ جداً.

أما بالنسبة للصمت فالصمت واضح والله المستعان، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل ونعرف من وراء الأمر بالصمت، ونفوض أمرنا لله سبحانه وتعالى.

 

-    هل تخضع عملية إغاثة اللاجئين الموصليين لنظام رسمي صارم أم أن ثمة وسائل لمد يد العون من المنظمات الإغاثية بالخارج؟ (وإذا كانت الثانية فأي الجهات الخارجية تنشط الآن؟ تركية / خليجية الخ؟)

هناك عدة مناطق، ففي من جهة كردستان أربيل ودهوك هناك مخيمات لأهل الموصل، وهي تتبع غالباً لإقليم كردستان، والجمعية الخيرية الأكثر نشاطاً تبع البرزاني، وتتحكم في المواد الإغاثية، فلا يصل شيء إلا عن طريقهم، وهناك جمعيات كثيرة، لكنها تخضع للأهداف السياسية لحكام الإقليم. وقد حاول بعض الشباب التوزيع فرفض تحركهم، وألزموهم بتسليم تبرعاتهم لهم، وهم بدورهم يوزعونها ممزوجة بالإهانة والتوجيه.

 

وهناك مخيمات بأطراف الموصل من جهة الرمادي يعيش أهلها على الفتات، وخيامها بلا غطاء أو فراش، ولا يوجد بجهتهم إلا النزر القليل من التبرعات المحدودة، وكثير من المواد الإغاثية تباع لهم من تجار الأزمات؛ فنحو 80% مما تسمى جمعيات خيرية هي من المرتزقة يتاجرون على حساب الفقراء، فيأخذون جزءاً ويوزعون جزءاً، وهناك تمييز في التوزيع تتحكم فيه علاقات هؤلاء المرتزقة. لكن مع هذا فالخير موجود، وأهله، نسأل الله ألا يقطعهم، وهم ما زالوا قلة لا يفون لأهل المخيمات بما يحتاجونه، والعالم صامت، وصمته مقصود.

 

-    هل يمكنكم وضعنا في صورة المعاناة التي يعاني منها اللاجئون الآن، والباقون داخل المدينة؟

في الحقيقة لم أقابل من هم داخل المدينة؛ فمستحيل أن أقابلهم أو أسمع منهم، لأنهم مثل الأسرى، ومعاناتهم لا توصف من جميع النواحي، فهم لا يدرون بأي لحظة يمكن أن يموتوا أو تنتهك أعراضهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

بعض من بقوا حين يستجوبوهم: "لماذا أنتم جالسون مع داعش؟"، فيقول: "أنا لم أجلس، أنا في بيتي مطمئن، أنتم من أتيتم بداعش ومكنتموهم من الموصل، فما ذنبي أنا؟!"، فيقال له: "لا، ما دمت بقيت في الموصل فأنت راضٍ عن وجودهم"!! وتجد بعض العوائل المنكوبة تجد فيها نساء فقط، فالرجال إما صفوا أو سجنوا في وضع مخيف.

 

وحالات منها بعضها يحمل أمراضاً، كالسرطان والفشل الكلوي، ومن يحتاجون إلى عمليات كبرى، لا يسمح لهم بدخول المستشفيات بدعوى وجود بعض الممرضين يوزعون بعض الأدوية البسيطة، وحتى الخروج إلى بغداد أو أربيل غير مسموح به، إذ يعتبرون الموصليين أصحاب جنسية مستقلة!

 

ففي الخارج مخيمات وحولها أسيجة شائكة، وفي الداخل يحصل القصف من الطائرات ومن الحشد، الذي هو حشد إيراني في جوهره، يستهدفون بيوتاً ليس فيها إلا نساء وأطفال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

-    هل أصابت الحملة مناطق أخرى ومدن غير الموصل بقدر من تلك المعاناة؟

أصابت نعم، أصابت الفلوجة والرمادي، وتكريت والبيجي (تتبع تكريت) حتى الآن لم يرجع أهلها.
يُلاحظ أن المخطط خبيث، انطلق وفق دراسات على مستوى عالٍ، ليس عشوائياً، وكانت داعش مجرد أداة فيه، فمثلا انظر الطريق الذي يربط بين بغداد والموصل مسافته أكثر من أربعمائة كيلو متر، ساروا فيه حتى إذا ما بقي بينهم وبين بغداد نحو 60 – 70 كم توقفوا!

 

أيضاً، تجنبوا المناطق الشيعية التي مروا بها، حتى لا يعرضوها للتدمير، فالقرى الشيعية في هذا الطريق لم يدخلها هؤلاء ولا سيطروا عليها، فمن العجيب أنه إذا وقعت قرية شيعية بين قريتين سنيتين تجنبت داعش الشيعية وسيطروا على السنيتين، فقتلوا من قتلوا، ثم جاءت ميليشات الحشد وطيران التحالف فقصفوا القرية، وخرجت داعش، ثم جاء الحشد فادعوا أن أهل القرى السنية موالين لداعش وإلا ما بقوا في قريتهم! فأخذوا القرية ودمروا بيوتها بزعم أنهم بهذا يمنعون داعش من العودة إليها!

 

ووالله لقد رأيت هذه القرى في جهة ديالى قد فرغوها من أهلها، وهدموا أبنيتها، وقصفوها، وأما الشيعية فلم تطلق عليها داعش ولا طلقة واحدة، وحتى إن فكرت داعش بدخولها تنهال عليهم القذائف من الطيران فيمنعوا منها، لاعتبارها خطاً أحمر. والعجيب أن القرية السنية التي لا تقدر داعش على اقتحامها يقصف التحالف قوى الجيش لعمل توازن قوى بين الجيش وداعش بغية استجلاب التدمير، والاستنزاف.

 

-    بعد وضع صور وشعارات طائفية في قلب الموصل، أيمكن أن تكون تلك حالة عارضة مرتبطة بظروف الحرب أم أننا بصدد تغيير نوعي لهوية الموصل؟

هو بالفعل تغيير للهوية، بدأ يتضح مع إعطاء المالكي بإيعاز من إيران وما فوق إيران، أوامر للجيش بالانسحاب من الموصل، بدأ الانسحاب يحصل بأوامر تمنع الجيش من سحب معداته معه، بل أمر أن يتركها ويترك السلاح ليكون ذريعة لقتل السنة وتدمير بلادهم. ولقد نجحوا في تحقيق هذا المخطط وقد هيئ المجال لداعش لتستولي على الموصل لهذا الغرض، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

-    ختاماً هل من توصية أو خطاب للعالم الإسلامي والأمة عما تحتاجه الموصل الآن؟

أول شيء نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع الغمة عن هذه الأمة جميعاً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ويستطيع كل منا أن يدعو لأهل الموصل وغيرهم، فكل المضطهدين والمهجرين بحاجة للدعاء والعلاج والغذاء وستر الأعراض؛ فنحن نسأل الله سبحانه وتعالى ثم نناشد إخواننا الذين فيهم خير، وأملنا في الأمة كبير إن شاء الله، فالأمة ولادة وفيها خير وفيها رجال نسأل الله أن يحفظهم، نناشدهم أن يمدوا أيديهم لأهل الموصل وغيرهم من المسلمين المستضعفين، إما بالدعاء أو بأي من أوجه المساعدة. وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يحفظكم ويسددكم ويجزيكم خير الجزاء.