مواجهة إيران: الرأس أم الأذناب؟
1 شعبان 1438
علي باكير

قامت وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي بإصدار تقريرها الفصلي حول مدى التزام إيران بالاتفاق النووي الذي تمّ التوصل إليه في عهد إدارة أوباما، مشيرة إلى أنّ طهران ملتزمة بهذا الاتفاق، بعدها بيوم واحد فقط خرج وزير الخارجية الأميركية ريكس تيليرسون ليحذّر من الاستفزازات الإيرانية لزعزعة الدول في الشرق الأوسط، لافتاً إلى أنّ الاتفاق النووي لا يمنع إيران من التحوّل إلى قوّة نووية، وإنما يؤخّر تحقيق هذا الهدف.

 

ويتماشى هذا التوجّه في تصريحات تيليرسون مع ما قاله ترمب أيضاً عن عدم التزام إيران بروح الاتفاق النووي، وكذلك مع تصريحات وزير الدفاع ماتيس خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّ الإدارة تجري مراجعة شاملة للملف الإيراني، لا تقتصر على مدى التزام إيران بالاتفاق النووي لعام 2015 فقط، بل لسلوكها في المنطقة أيضاً.

 

بعد عدّة أيام على هذه التصريحات، قام ممثل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في واشنطن بعقد مؤتمر صحفي، كشف فيه عن تفاصيل جديدة لبرنامج التسلّح النووي الإيراني تؤكد أنّه لا يزال نشطاً بالرغم من الاتفاق النووي.

 

حتى الآن، لا يزال موقف الإدارة الأميركية الحازم تجاه إيران يدور في نطاق الأقوال، ولم ينتقل بعد إلى الأفعال، هناك من يفسّر ذلك على أنّه محاولة من إدارة ترمب كسب الوقت، تمهيداً لوضع السياسة الجديدة التي يجري العمل عليها موضع التنفيذ، إذا ما حصل ذلك فعلاً، تكون إدارة ترمب بحاجة إلى حلفاء أقوياء في المنطقة لرد إيران، أو لاحتوائها، أو لمواجهتها.

 

كلما افتقدت الولايات المتّحدة إلى حلفاء أقوياء، أو أكفّاء في هذه المنقطة كلّما صبّ ذلك في صالح النظام الإيراني، واللوبي الموالي لها في واشنطن، إذ يكون من العبث بمكان بالنسبة إلى شريحة واسعة من الأميركيين دفع تكاليف لمواجهة إيران، في الوقت الذي يمكن أن يتم التفاهم معها، علماً أنّ النظام الإيراني حريص على أن يروّج أنّه بالإمكان التفاهم معه، وأنّ بإمكانه أيضاً حماية المصالح الغربية في المنطقة من خلال مكافحة الإرهاب.

 

لسوء الحظ، فإن لعبة الوقت تصبّ دوماً في صالح النظام الإيراني، لأنّ الدول العربية التي من المفترض أن تكون مهيّأة للتصدي الإيراني أثبتت دوماً أنّ نفسَها قصير، ولا تعتمد على مؤسسات فاعلة لتنفيذ سياسات طويلة الأمد، ناهيك عن افتقادها إلى رؤية استراتيجية، وعلى ذلك أن يتغيّر، إذا ما كان هناك إرادة حقيقية للتصدي لإيران.

 

النظام الإيراني أسرع في التحرّك، وأكثر كفاءة في استخدام الموارد، واستغلال المواقف غير الموحّدة للخصوم، وهو يلعب بِنَفَس طويل، ورؤية واضحة لما يريد، ولا يمانع في استخدام تكتيكات قذرة للوصول إلى أهدافه، ولأجل ذلك فقد نجح في التمدد في السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق، ويكون من الصعب مستقبلاً إخراجه من المناطق التي استوطن بها ما لم يتم فعل ذلك الآن، وهي معضلة أخرى تطرح تساؤلات حول أولوية التعامل مع الرأس في طهران أو الأذناب في البلدان الإقليمية.

 

الأكيد أنّه إذا بقي الأمر على حاله فلن يكون هناك فائدة من مواجهة الأذناب طالما بقي الرأس، وهو ما يصعّب من المهمة الحالية بمراحل.