11 شعبان 1438

السؤال

ما نصيحتكم لأهل العلم في تلك المرحلة التي تمر بها الأمة؟

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

فأهل العلم هم ورثة الأنبياء، وهم الموقِّعون عن رب العالمين، وقد رفع الله جل وعلا من ذكرهم، حتى إنه قرن شهادتهم بشهادته، عندما قال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}.

 

وقد بيَّن الله جل وعلا مكانة أهل العلم بقوله: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.

 

وأمَر الناسَ بالرجوع إلى أهل العلم {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

 

والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك قال: "إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر" أخرجه الترمذي.

 

والآيات والأحاديث في منزلة أهل العلم كثيرة جداً، وهذه المنزلة لها تبعة ومسئولية ولا شك، كما قال العلماء: "إن الغرم بمقدار الغنم".

 

فهذه المنزلة العظيمة تفرض عليهم مسؤولية كبرى، ولذلك قال الله جل وعلا: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}، فمسئوليتهم البيان وقول الحق وتبصير الناس بشريعة ربهم.

 

ثم انظر إلى شدة الوصف منه سبحانه لمّا تخلّى أهل الكتاب عن مسئوليتهم، قال سبحانه: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}.

 

ومسئولية العلماء اليوم تشرئب إليها أعناق الناس، فينظرون لأهل العلم؛ رغبةً في الاقتداء والتبصر، وسعياً وراء الفهم والبيان، وبحثاً عن الرؤى الحكيمة والسلوك الصائب.

 

وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، فأجمع المفسرون على أن العلماء داخلون في هذه الآية مع الولاة، في كونهم من أولي الأمر.

 

ومسؤولية العلماء ليست قاصرة على الفتوى الشرعية فحسب - وإن كانت عظيمة - {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

 

لكن مسؤوليتهم مع ذلك بتوجيه الناس ومخالطتهم وحثهم على الصبر والتحمل، وأيضاً قيادتهم بالحكمة إلى الطريق المستقيم.

 

والعلماء ينبغي أن يكونوا في مقدمة الصفوف، فيقودوا الأمم والمجتمعات إلى سبيل الرشاد.

 

واليوم مع الأسف هناك بلاد كثيرة لا يقودها العلماء، (وأذكر أنني ذهبت في عام 1406هـ الموافق للعام 1986م إلى بلد عربي، فوجدت فيه صحوة إيجابية واضحة، من الإقبال على الدروس والمحاضرات والمساجد، لكنني لاحظت أنهم يُقادون بغير العلماء، بل بجهود متناثرة، فألقيت محاضرة بعنوان: العلم ضرورة شرعية، لأني خشيت على هذا البلد من أن يُسيّر إلى مشكلات وفتن، وما مر على هذا إلا ست سنوات تقريباً ودخل البلد في دوامة من الفتن والمشكلات وغيرها وإلى الآن لم تنته!.. قرابة ثلاثين عاما).

 

وهكذا فالعلماء هم المسؤولون عن توجيه الناس وبيان طريق الحكمة {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}، فكثير من الناس تقودهم عواطفهم بعيداً عن الوحي.

 

ولهذا أذكِّر مرة أخرى إخوتي بتحمل مسؤولياتهم، وأن يكونوا أيضاً واسطة خير بين الناس وبين الولاة لأن عموم الناس قد لا يَصِلون إلى الولاة، ولكن بعض العلماء يَصِلون؛ فليكونوا وسطاء خير.

 

فهم في الوقت الذي هم يوجهون الناس فيه، هم أيضاً يبيِّنون الحق للولاة وينصحونهم، فيبيِّنون لهم ما يجب وما يحرم، وبهذا أيضاً يضيِّقون الهوة التي ربما تقع في بعض البلاد الإسلامية؛ فتأمن الأوطان، وتسلم الأعراض، ويُقام شرع الله جل وعلا.

 

وأخيراً أنبه إلى أن: هذه مسؤولية العلماء، ولكن إذا قام العلماء بواجبهم، واجتهدوا في ذلك، لكن لم يُستجب لهم، فلا يجوز حينئذ أن يُلاموا، ولا يصح أن يُحمَّلوا المسؤولية، فالله جل وعلا يقول: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}.

 

فإذا تولوا - يعني دعوا وأمروا ونهوا، ولم يَستجب لهم الناس أو لم يَستجب لهم الولاة - فهنا قد انتهت مسؤوليتهم، فالعلماء ليسوا أفضل من الأنبياء الذين يقول الله جل وعلا عنهم: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، فيجب الاعتدال في مثل هذه المسألة، والمسؤولية كبيرة، ونسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.