إسلام "منزوع الدسم"
21 شعبان 1438
منذر الأسعد

ليس هناك إسلام ليبرالي وآخر اشتراكي وثالث معتدل ورابع متطرف !!

 

فالإسلام هو الإسلام كما جاء في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وسوف يبقى إلى قيام الساعة، كما أنزله الله سبحانه على خاتم أنبيائه ورسله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم..

 

أما التسميات المبتدعة اللاحقة - ومنها الإسلام المعتدل والإسلام الليبرالي وأشباههما...-  فهي -غالباً-  محاولات هدامة من قبل الأعداء لتشويه الإسلام الحق ، أو استجابة ساذجة يتطوع بها بعض المسلمين متوهمين أنهم ينصرون الإسلام بأسلوب معاصر ( كما في كتاب الاشتراكية والإسلام للراحل مصطفى السباعي غفر الله لنا وله)

 

لذا فليس عنوان هذا المقال إقراراً به على ظاهره وإنما هو سخرية مستحقة، من المساعي العالمية المحمومة لفرض نسخة من "الإسلام" انتقائية مزورة، تقوم على البتر واللصق والحذف والإضافة واللعب بالكلمات وتمييع المصطلحات الشرعية المستقرة.

 

طبيعة المعركة وأطرافها
المعركة – بكل موضوعية - معركة فاصلة لدى الذين يؤججون نارها. وهي حرب من طرف واحد، فليست الأمة الإسلامية عنصراً فاعلاً فيها، باستثناء جيوب مقاومة قوية وصادقة لكنها معزولة وعزلاء..

 

في ضفة العدو، ثمة سعي ماكر لإلصاقها بـ"اليمين" العنصري الذي يجمع غلاة العلمانية الحادة وعتاة الصليبية الشرسة.. إلا أنها عند التمحيص حرب يشارك فيها الجميع ولكن بدرجات متفاوتة وضمن توزيع أدوار شديد الدهاء. فالساسة المتدثرون بملابس " الاعتدال" هناك يمارسون التضييق على الإسلام والمسلمين، متذرعين بضغوط اليمين الشعبوي الصاعد! (أهي مصادفة أن تلتقي عند نقطة الحقد على الشعب السوري - بما تمثله ثورته من عمق إسلامي عام - أطياف اليسار المتنوعة وقوى اليمين الصاخب الصلف؟)!

 

هذه الحرب الوجودية ليست جديدة بالرغم من أن زخمها الراهن وانتقالها إلى العلانية الوقحة يوحيان بذلك .. من يرجع إلى مقالات "الاستعماري" الفرنسي  هانوتو  قبل 117 سنة والتي رد عليها محمد عبده، يتيقن مما أقول.
ولنتنبه إلى أنها سبقت مؤامرة سايكس/بيكو التي مزقت أواصر العرب لينتهي تبعثرهم في 22 دولة!

 

هانوتو كان يعيش مشاعر متناقضة، فهو يزهو باحتلال بلاد المسلمين، لكنه – مع ذلك - مذعور من دينهم، حتى إن وسواسه القهري بلغ به حد الإشفاق على بوذية الصين من أقليتها المسلمة!

 

وعلى مشارف نهاية القرن الميلادي العشرين نفسه، كان الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون يعيش الاضطراب ذاته، بالرغم من كل المتغيرات التي طرأت منذ 1900 م! ومن يرجع إلى كتابه الشهير: الفرصة السانحة أو: انتهِزوا الفرصة، تصعقه روح الحرب التي سعى القوم إليها باستمرار لاستئصال الإسلام من جذوره. وخلاصة نصيحته الدموية للغرب: إياكم أن تبددوا هذه الفرصة الثمينة لاجتثاث الإسلام، معتمدين على أدواتنا من الطغاة الذين يجب أن نسمح لهم بشتمنا في هذه المرحلة، لكي تمضي الخطة إلى مآلاتها المرتجاة! ولا يستبعد نيكسون - عند الضرورة! - أن يتحالف الغرب الرأسمالي مع روسيا التي كانت عاصمة الشيوعية، لإحراز النجاح في مهمة القضاء المبرم على الإسلام.

 

عناصر التغذية
مع غض الطرف عن معضلة الحقد الموروث منذ ظهور الإسلام، فإن هناك هواجس فعلية لدى النخبة المهيمنة في الغرب- فكرياً وسياسياً واقتصادياً- وهي هواجس تتغذى منها العداوة التي تتصاعد وتتخذ أشكالاً حادة وفجة ( التضييق حتى على أشهر المصنفين في خانة الاعتدال مثل طارق رمضان – محاربة الحجاب والمآذن ....) .

 

ويتصدر تلك المغذيات: الانتشار المفزع للإسلام في مختلف البلدان وخاصة الغربية منها، بالرغم من الضخ الإعلامي التضليلي الزاعق. كما أن تكاثر المسلمين بالولادات ما زال عنصر قلق لدى دوائر صنع القرار في عواصم الغرب بالرغم من تأثر الدول الإسلامية بدعايات تنظيم الأسرة ومرورها بكوارث بشرية وطبيعية تفتك بأعداد كبيرة من سكانها..

 

وما يزعج النخبة الغربية، فشل عملائهم الطغاة في وأد الميول الدينية، بل إن شدة عدائهم للدين جاءت بنتائج عكسية! وذهبت وحشية تجفيف المنابع هباء منثوراً..

 

المثلث البديل
تلك الإخفاقات المتكررة، أدت إلى اعتماد بدائل مكشوفة ومستفزة، وقوامها ثلاثة أركان رئيسية:
في مقدمتها التحالف الصريح مع الأقليات الدينية والعرقية، لمحاصرة المسلمين وخاصة في المنطقة العربية، وتسليط تلك الأقليات على الأكثرية بكل السبل ( سوريا- العراق- لبنان)، وإذا تعذر إمساكها بمفاصل القوة مباشرة يكون البديل بإقامة تحالف بينها وبين الطاغية المنحدر بالوراثة من الأكثرية المسلمة..

 

 

الركن الثاني في هذه الرؤية: نقل الاتهام الجائر بالإرهاب من تشويه الأمة وترهيبها واستنزاف ثرواتها ومطاردة نخبتها المؤثرة، إلى اتهام الإسلام نفسه في نصوصه وتاريخه الذهبي بالعنف والإرهاب وقمع الآخر!

 

 

والركن الثالث: نقل الحرب إلى أرض العدو - أرضنا نحن - ليصبح الطعن في ثوابت الإسلام عمل زنادقة يقيمون في البلاد المسلمة نفسها، مع توفير حماية كاملة لهم، فلم يعد مقبولاً أن يقتصر ذلك على عملاء يهربون إلى الغرب، فيتبخر تأثيرهم مهما تم تضخيمهم ( مثلما جرى لسلمان رشدي وتسليمة نسرين وآخرين....).