أن تكون الأقليات المسلمة في معظم دول العالم - إن لم يكن كلها - مستهدفة داخل بلادها وأوطانها وأبناؤها مضطهدون في عقر دارهم ويُسامون سوء المعاملة ويتعرضون للتمييز و التضييق لمجرد أنهم مسلمون موحدون ......هو حقيقة لم يعد يجادل فيها منصف وعاقل , فأخبار حوادث اضطهاد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها التي تبثها وسائل الإعلام يوميا أكثر من أن يحصيها مقال , ومشاهد القتل والتنكيل والتهجير التي يتعرض لها المسلمون في أراكان و......لا يمكن لعين البصير أن تخطئها .
أما أن تتعرض أقلية من الأقليات المسلمة في العالم إلى استهداف خارج أوطانها فضلا عن داخلها وأن تتم ملاحقة أفراد هذه الفئة المستضعفة في بلاد المهجر ودول الشتات ....فهو أمر جد خطير وسابقة لا ينبغي المرور عليها دون ردة فعل ولو بتعليق أو حتى بيان رفض واستهجان .
نعم.....هذا ما تمارسه حكومة الصين الشيوعية تجاه مسلمي الإيغور داخل بلدهم الأم ووطنهم التاريخي "تركستان الشرقية" المحتلة وخارجها , فلم تكتف بحملة القمع والتضييق والاضطهاد التي تشنها ضدهم في ديارهم والتي دفعتهم للهجرة القسرية , بل راحت تلاحقهم في دول الشتات وتطالب بترحيلهم وإعادتهم إلى الصين بدعوى الخشية مما تسميه "التشدد والتطرف" .
أما داخل ما يسمى إقليم "شينجيانغ" ذو الغالبية المسلمة من الإيغور فقد وصل مستوى اضطهاد السلطات الصينية لهذه الأقلية حدودا بعيدة , فبالإضافة إلى منع الرجال من إطلاق لحاهم ومنع النساء من ارتداء الحجاب ومنع المسلمين من تأدية أهم أركان دينهم "الصلاة والصيام" وحرمانهم من تسمية مواليدهم بأسماء إسلامية.....أجبرت السلطات الصينية أفراد مسلمي الإيغور على تحميل برنامج "جينوانغ" على هواتفهم المحمولة لمراقبتهم أيما كانوا وتحديد موقعهم أينما حلوا .
البرنامج الذي يعتبر خرقا فاضحا لأخص خصوصيات الإنسان وإجراء قمعيا بامتياز أطلقت عليه وسائل الإعلام الصينية وصف "تطبيق الأخ الأكبر" في محاولة لتغيير الحقائق والتلاعب بالمصطلحات وتسمية الأشياء بغير مسمياتها والتمويه على حقيقة هذا الإجراء العنصري القمعي .
لا يكتف هذا البرنامج بمراقبة الملفات التي يضعها مسلمو الإيغور على هواتفهم المحمولة وتحديد المواد "الإرهابية" والدينية "غير القانونية" من فيديوهات وصور وكتب ومستندات إلكترونية" , بل يستخرج أيضا بيانات تطبيقات المحادثات والمعلومات المخزنة على شرائح الهواتف المحمولة لنقلها إلى خادم تتحكم به السلطات الصينية .
وإذا أخذنا بعين الاعتبار شدة العقوبة التي فرضتها السلطات الصينية – وهي الاعتقال لمدة 10 أيام - على متجاهلي هذه التوجيهات , ومدى الاهتمام بآلية تنفيذ القرار من خلال نشر حواجز التفتيش في مختلف الأماكن العامة ..... فإنه يؤكد حجم شراسة الحملة التي تشنها الصين ضد الإيغور .
أما استهداف السلطات الصينية لمسلمي الإيغور خارج وطنهم الأم المحتلة فقد جسدتها الحملة الأخيرة التي تشنها ضدهم في دول الشتات من خلال المطالبة بإعادة حتى طلاب العلم منهم و الدارسين في تلك الدول للتحقيق معهم ومن ثمّ ترحيلهم .
فقد أشارت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى أن الصين طلبت من الطلاب المسلمين الإيغور في الخارج العودة ، وطلبت من سلطات الدول في الخارج ترحيلهم أو اعتقالهم ، لدرجة أن بكين ضغطت على أحد المسلمين الإيغور في أمريكا من أجل العودة ، وقامت دول في أوروبا باعتقال عدد منهم .
وبما أن الحملة ضد المسلمين عموما قد أضحت عنوان المرحلة الحالية في المنطقة والعالم بأسره بعد أن تمّ اتهام دين الله الإسلام وأتباعه في كافة أرجاء الأرض - سواء كانوا أقلية أو حتى أكثرية - زورا وبهاتنا بــ"التطرف والعنف وما يسمى الإرهاب" ....فقد استجابت الكثير من تلك الدول لطلب السلطات الصينية وتعاملت مع اتهامات الصين لمسلمي الإيغور في الخارج على أنها حقائق !!
لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول القارة العجوز وحدها التي نفذت بشكل أو بآخر ما طلبته السلطات الصينية فيما يخص الطلاب الإيغور , بل هناك أنباء عن قيام دول عربية وإسلامية بحملة ملاحقة واسعة بحق تلك الأقلية داخل أراضيها ربما تمهيدا لترحيلهم وإعادتهم إلى الصين التي تسومهم سوء العذاب والاضطهاد .
إن أقل ما يشير إليه استهداف السلطات الصينية لمسلمين الإيغور في الخارج وملاحقتهم حتى في دول الشتات...هو مدى الاستضعاف الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية , حيث لم يعد يأمن فيه أحد أبنائها على نفسه حتى بعد أن يُضطر للهجرة القسرية من مسقط رأسه وأرضه التي نشأ وترعرع فيها !!!!