“المتحولون” هم أشْخَاص عاشوا في خضم الصحوة الإِسْلَامِيّة، وتربوا في المحاضن الدعوية، تشربوا التدين وذاقوا لذة الإِيمَان لكن بعضهم نحا نحو التشدد والغلو فتعرض للفتن فوقع فيها، فصار إلى الطرف النقيض. بعضهم انحسر عن الدين رويداً رويداً، وصار وبالاً على الدعوة وشوكة في حلق دعاة الإِسْلَامِ. البعض فتن بالمنصب والبعض تزينت له الدنيا ومتاعها فأقبلوا يعبون منها.
يعرفون تجارب الدعوة، ويذكرون أخطاء بعض العلماء، يستحضرون مواقف شخصية، وملاحظات جزئية، ويجيزون كل ذلك لأجل الانْتِصَار الشخصي ولتمرير أفكار جديدة تسلخ الدين من النفوس وترقق الإيمان في القلوب.
في كل قضية فقهية يبحثون عن الفتوى الأسهل، والرأي الألطف حتى لو كان المفتي نكرة، والقائل طالب علم في بلاد الواق واق. الأمْر ليس اجتهاداً فقهياً فهم ليسوا أهلاً لذلك، وليس بحثاً عن الحق فهم أهل دنيا لكن الشيطان لعب بهم، وبعض الكبار عرف كيف يستغلهم.
بعضهم كان له في شبابه نشاط دعوي طيب وجهود ممتازة، وعندما كبر صار همه إرضاء من فوقه، أو من يغدق عليه المال. فتنهم الإِعْلَام فصدرهم فصار البعض محللين وخبراء في الجماعات الإرهابية، والأحزاب الإسلامية، ما أسرع ما نزعوا أثوابهم وتخلصوا من تاريخهم!
بعض المتحولين انْتَقَلُوا من “التطرف الديني” إلى التطرف الليبرالي” وصاروا أسوأ من العلمانيين يوظفون خلفيتهم الدينية في التشويه والإِسْقَاط وحرف المفاهيم، بعضهم صاروا كتاباً ومحللين! والبعض مؤلفي مسلسلات ومعدي برامج وثائقية! وظفوا الإعلام بقوة، وكانوا دَائِمَاً شوكة في خاصرة التدين، وسكيناً في صدر الفضيلة، يستحضرون ثقافتهم الدينية الهزيلة للإساءة وتوجيه الجماهير لما يضرهم.
يتصيدون أخطاء الدعاة، ويسترجعون تاريخ البعض، ويخلطون أمراضهم النفسية مع مصالحهم الشخصية.
التزلف أسلوبهم، والنفاق ديدنهم، وتحقيق المراد همهم، باعوا الضمير، وصادقوا الشيطان، ومنهم مقل ومنهم مكثر. وجدوا أحضاناً دافئة، وصدوراً حانية، وفرت لهم سبل الراحة وأُعطوا ما لم يحلموا به وهم أصلاً فاقدو العلم والبصيرة ضعيفو الحلم والتفكير.
في كل قضية يكتبون، وفي كل نازلة يحللون، القنوات تستضيفهم، والصحف تفتح صفحاتها لهم، وفي مجالس البعض يوسع لهم، يظنون أنهم على خير بينما هم في زيغ وضلال. لا يهمهم قضايا المجتمع وتنمية الأوطان، بل كل جهدهم الدعاة والمتدينون وطلبة العلم، يفرقون الصفوف، ويثيرون الفتن، ويتصيدون الزلات، يشهرون بالمخطئ، ويشوهون الدعاة، ويزينون الباطل، ويستغلون تاريخهم، إنهم قد خبروا الدعوة، وعرفوا رجالاتها فهم أقرب الناس إلى إصدار الأحكام الصحيحة، وبيان الآراء الهزيلة!
أقبلوا على الدنيا فأقبلت عليهم، مشكلتهم مع الدين وليس مع المتدينين، لكنهم لا يستطيعون التصريح ويكتفون بالتلميح؛ خوفاً من المجتمع أن يتهمهم فيفقدوا زخمهم.
لا يؤمنون بحرية الرأي، وتلاقح الأفكار، واختلاف التنوع، ولا يتبنون النقاش للوصول للحق بل هم أهل الحق والرأي الصواب! يستعينون بأهل السلطة ويستفيدون من أهل الحظوة؛ ليمرروا أفكارهم وينشروا آراءهم.
بحمد الله، جهدهم ضائع، والقبول لهم ضعيف، وتأثيرهم محدود، لكن لأن صوتهم عالٍ، وحضورهم في الإِعْلَام كبير، يظن البعض أنهم نجحوا بل خابوا وخسروا.
المصدر/ تواصل