لا يُحيي العظامَ إلا الله!! الأمم المتحدة والإصلاح المستحيل
2 محرم 1439
منذر الأسعد

منذ أكثر من 30 سنة، أطلقتُ على الأمم المتحدة لقب " حائط المبكى" ..

وها هي اليوم في دورتها الثانية والسبعين،تُثْبِتُ أنها ما زالت جديرة باللقب، ولذلك أرثي لمن يحلمون بإخراج المنظمة الأممية من موتها السريري ..

مبادئ ومقاصد

لكي نبقى في دائرة الموضوعية، ينبغي لنا أن نحكم على الأمم المتحدة، من خلال المبادئ الأساسية والأهداف المنشودة من تأسيسها، لتقييم الحصاد الذي أنتجته على مدى سبعة عقود من الزمن.

وحرصاً على الأمانة التامة أقتبس عن الموقع الرسمي للمنظمة بإيجاز شديد يقتضيه المقام.

 

ينص ميثاق المنظمة على سبعة مبادئ هي:
1.    مبدأ المساواة في السيادة
2.    مبدأ فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية
3.    مبدأ حسن النية في أداء الالتزامات الدولية
4.    مبدأ منع استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية
5.    مبدأ معاونة الأمم المتحدة في الأعمال التي تقوم بها، والامتناع عن مساعدة الدول التي تعاقبها
6.    مبدأ التزام الدول غير الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة بالعمل وفقاً لمبادئها
7.    مبدأ عدم تدخل الأمم المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء

 

وأما المقاصد –أو الأهداف- فهي:
1.    حفظ السلم والأمن الدولييْن
2.    تنمية العلاقات الودية بين الدول
3.    تحقيق التعاون الدولي في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية
4.    اتخاذ هيئة الأمم المتحدة مرجعاً لتنسيق أعمال الدول الأعضاء، وتوجيهها نحو إدراك الغايات المشتركة

 

فشل ذريع
وزيادةً في الاحتياط نورد أبرز الشواهد على إخفاقات الأمم المتحدة  على لسان أحد المخدوعين بشعاراتها..  يقول:
أهداف وشعارات لا يختلف اثنان على أنها تمثل رسالة" إنسانية" بامتياز، وبرنامج عمل طموح للحفاظ على الأمن والسلام العالميين. بيد أن السؤال هو هل استطاعت الأمم المتحدة أن تقوم بدورها المعلن كما يجب؟ أم أن ما أعلن في ديباجتها ظل عبارة عن أمنيات أخلاقية لم تجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي؟ لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الإيجابي لهذه المنظمة الدولية في العديد من الملفات، أو البحث عن حلول للكثير من الصراعات التي اجتاحت وتجتاح العالم، لكن المشكلة التي واجهتها المنظمة الدولية، كانت غالباً في آلية اتخاذ قراراتها، ناهيك عن أثر الدول الكبرى في هذه القرارات، لاسيما تلك التي تمتلك حق النقض «الفيتو»، والتي لا يمكن إنكار تأثيرها على قرارات المنظمة الدولية، وتسييس هذه القرارات بما ينسجم أو يتلاءم مع المصالح السياسية لها.

ويضيف:
من أبرز هذه الملفات ملف الصراع العربي "الإسرائيلي"، وما تفرع عنه من نزاعات لاحقة، إذ فشلت هذه المنظمة الدولية، ورغم انقضاء عشرات السنين، في إيجاد حل منطقي لهذا الصراع، على الرغم من كل المحاولات التي قامت بها في هذا الشأن، ومن يستعيد تفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي، يلاحظ من دون أدنى عناء، أن هيمنة الدول الكبرى على الأمم المتحدة شلت فاعليتها فيما يخص البحث عن السلام في منطقتنا، لاعتبارات سياسية كثيرة، ويكفي للدلالة على ما نقول أن نذكر بأن القرار 194 الذي يؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، كان شرطاً لقبول عضوية "إسرائيل" في المنظمة الدولية، وهو ما لم تعره الأخيرة أي اهتمام، ناهيك عن عشرات بل مئات القرارات الأخرى التي لاقت الموقف نفسه من إسرائيل. وكما هي الحال بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي، فشلت الأمم المتحدة في إيجاد حلول لكثير من النزاعات، مثل النزاع في الصومال والصحراء الغربية وحروب القارة السمراء المتتالية، والفشل الذريع للأمم المتحدة في رواندا، حيث لم توقف جرائم الإبادة الجماعية التي وقعت هناك عام 1994م والتي راح ضحيتها نحو 300 ألف شخص على الأقل، وهو فشل دفع بالأمين العام للمنظمة الدولية إلى الاعتراف بأن الأمم المتحدة ما زالت «تشعر بالخزي» حيال فشلها في منع الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.

ويشمل ملف الفشل الأممي:مذابح البلقان (البوسنة ثم كوسوفا)  ومحنة  كشمير وأفغانستان وأوكرانيا مؤخراً...

 

كما فشلت في منع غزو العراق سنة 2003، بالإضافة إلى فشلها الواضح في حل "الأزمة" السورية الحالية، والتي أزهقت أرواح مئات الآلاف، وما تفرع عنها من أزمات أخرى، أبرزها أزمة اللاجئين السوريين وحجب  المساعدات الغذائية والدوائية عن ضحايا هذه الأزمة. وتبقى أبرز وصمة عار على جبين المنظمة الدولية، المجزرة الأقرب للتطهير العرقي في بورما، وما يحدث للروهينغيا من قبل السلطات البوذية.

 

ويمضي العاشق الولهان معترفاً:
وهناك سلسلة من الفشل في إيجاد حلول لأزمات عالمية كبيرة كالفقر، والأمية، وحقوق الإنسان وتفاقم مشكلة اللاجئين الذين بلغ عددهم 60 مليون إنسان 2016.

 

النفخ في الرماد
قبل أربعين سنة، كانت هناك بقايا لما يسمى: حركة عدم الانحياز، التي بذلت جهوداً فائقة لمحاولة إصلاح الخلل البنيوي في المنظمة الدولية، حتى إن الجمعية العامة للمنظمة أصدرت في عام 1974 قراراً يقضي بإعادة النظر في ميثاقها، والبحث في السبل المؤدية إلى تعزيز دورها وجعلها أكثر فاعلية!!
وذهبت تلك المساعي أدراج الرياح..

 ثم انتعشت الآمال عقب انتهاء الحرب الباردة عشية انهيار المنظومة الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفياتي سنة 1991م، باعتبار الصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي من الأسباب التي شلت قدرة المنظمة على الفعل، بحسب بعض المنظرين الخياليين..

وسرعان ما انتكست هذه التوقعات الساذجة، وربما كان استخدام حق النقض " الفيتو" من قبل روسيا خلال سنوات المجزرة السورية المستمرة، أفظع تجسيد للقاع الذي هبطت إليه المنظمة.

وكل منصف يعلم علم اليقين أن هذا الدور الروسي دور وظيفي رخيص في خدمة واشنطن وتل أبيب، فأمريكا عندما ترغب لا تكترث بالمنظمة بل إنها تحتقرها علانية.. وها هو الطيران الأمريكي يرمي بحممه على المدنيين في سوريا نفسها، بذريعة محاربة داعش، ومن دون أي قرار دولي..

وفي الوقت نفسه، منع الأمريكيون الجمعية العامة من اتخاذ قرار بوقف حمام الدم السوري الذي تشارك فيه روسيا وإيران رسمياً، وعشرات من فرق الإبادة الطائفية .. مع أن الميثاق ينص على هذا الـمَخْرَج عند تعذر الاتفاق بمجلس الأمن!!

بل إن المنظمة الجائرة ما زالت تعترف بالسفاح كرئيس " شرعي"، فضلاً عن عشرات الفضائح الموثقة لتواطؤ ممثلي الأمم المتحدة في توزيع المساعدات على شبيحة النظام، وحجبها عن ملايين المدنيين العزل المحاصَرين !!

تسويق المستحيل .. المهزلة

ما من عاقل يحمل على محمل الجد تكليف الفاسد – فما بلك بالمفسد؟- أن يتولى إصلاح الفساد..

وهنا مقتل أضغاث الأحلام التي يتبناها بعض المغفلين، ويروّجون لها، فمجلس الأمن هو السلطة الفعلية، لكنه –قانونياً- يخضع لمصالح خمس دول وأهوائها .. وكل دولة دائمة العضوية تستطيع أن تدوس على رغبة الـ 193 دولة الأعضاء في المنظمة.