ضامن "خفض التصعيد" بسورية يُصَعّد !!
7 محرم 1439
د. زياد الشامي

ليست المرة الأولى التي يكون فيها المحتل هو الخصم والحكم بآن واحد والمجرم القاتل والقاضي بنفس الوقت فقد تكرر ذلك في السنوات الأخيرة من عمر الثورة السورية كثيرا وخصوصا بعد العدوان العسكري الروسي على سورية لصالح النظام النصيري وانطلاق مسلسل ما يسمى اجتماعات "أستانا" بعد "جنيف".

 

 

إنه منطق القوة الذي يفرض فيه القوي الباغي المعتدي شروطه وما يريده على الضعيف تحت لافتات المفاوضات والحل السلمي والتفاهمات و المصالحات والاتفاقيات التي لا يطبق منها إلا ما ينبغي أن يقوم بها الجانب الضعيف فحسب بينما ينتهكها القوي ويخرقها حتى قبل أن يبدأ سريان مفعولها .

 

 

هذا هو حال جميع الاتفاقيات والتفاهمات التي تمت بين النظام النصيري وأسياده الروس والرافضة من جانب وبين فصائل الثورة السورية من جانب آخر خلال سنوات الثورة السورية التي شارفت على بلوغ السبع سنوات .

 

 

لم يمض سوى أيام قليلة على صدور البيان الختامي لاجتماع أستانا6 منتصف الشهر الجاري والذي نص على شمول محافظة إدلب مناطق ما يسمى "خفض التصعيد" الأربع في سورية لتقوم القوات الروسية والنصيرية بخرق الاتفاق الموقع وشن مئات الغارات الجوية على محافظة إدلب وريفها وريف دمشق .

 

 

اللافت في الأمر أن روسيا التي من المفترض أن تكون - مع تركيا وإيران – الضامن لتنفيذ اتفاق مناطق "خفض التصعيد" هي من تخرق هذا الاتفاق وتقوم بتصعيد غير مسبوق ضد المدنيين والبنى التحتية وخصوصا المشافي والمراكز الطبية في إدلب وريفها .

 

 

فمنذ بداية هذا الأسبوع وطائرات الاحتلال الروسي لا تتوقف عن قصف المنشآت الطبية في إدلب وريفها , فقد استهدفت الغارات مراكز الدفاع المدني في خان شيخون وبلدة التمانعة القريبة منها ومحطة تحويل الكهرباء في مدينة خان شيخون وبلدة كفر عين ومحطة تحويل سراقب بريف إدلب الشرقي ، وهو ما أدى إلى إصابتها بأضرار مادية كبيرة وخروجها عن الخدمة بالكامل وذلك بعد تدمير عدد كبير من الآليات وسيارات الإسعاف في مركز الدفاع المدني على وجه الخصوص.

 

 

كما تعرضت مدينة خان شيخون لأكثر من 40 غارة جوية منذ أيام ما أدى إلى سقوط 9 شهداء وأكثر من 15 جريح بعضهم في حالة خطرة .

 

 

الغارات الروسية على مدن وبلدات ريف إدلب أسفرت يوم الأحد الماضي عن سقوط 11 شهيدا وعشرات الجرحى بينهم نساء وأطفال , كما استهدفت أمس الثلاثاء مشفى شام الجراحي بمدينة كفرنبل بريف إدلب فأخرجته عن الخدمة وهو ما دفع مدير المشفى الدكتور "مرام الشيخ" إلى تحميل المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، المسؤولية الكاملة وراء استهداف مشفى شام والطواقم الطبية الأخرى في سورية بسبب سكوتهم عن هذه الجرائم، مؤكداً أن هذا الاستهداف هو الثالث من نوعه الذي يطال المشفى .

 

 

كما نوه "الشيخ" إلى تأثير هذه الاستهدافات الممنهجة على المدنيين حيث تقوض فرص بقائهم في الداخل وتدفعهم للهجرة , وأشار إلى أهمية المشفى باعتباره من أكثر المشافي تطورا في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي , إذ كان يوفر الرعاية الطبية لـ 600 ألف شخص، كما كان يستقبل 4000 آلاف مريضاً شهرياً، إضافة إلى إجرائه 400 عملية جراحية شهرياً.

 

 

يعتبر مشفى "شام" هو المشفى الرابع الذي تدمره طائرات الاحتلال الروسي خلال أسبوع واحد ، حيث سبقه مشفى الرحمة في مدينة خان شيخون بريف إدلب ومشفى الأطفال والنسائية ببلدة التح , وكيف لا يحدث هذا التدمير الكبير وعدد  الغارات الروسية على إدلب قد تجاوز خلال أسبوع واحد  ٥٠٠ غارة، في حين بلغ عدد الشهداء حتى الأمس ١٢٥ جلّهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال .

 

 

لن نتحدث عن عمليات القصف التي تنفذها الطائرات الروسية وطائرات النظام النصيري على قرى وبلدات محافظة حماة منذ أكثر من عشرة أيام , ولا عن خروقات وانتهاكات النظام النصيري لاتفاق "خفض التصعيد" في الغوطة الشرقية بريف دمشق التي لم تتوقف يوما بعد التوقيع على الاتفاق وكان آخرها أمس إذ حاولت قوات النظام النصيري ومليشيا ملالي قم التقدم على جبهتي جوبر وحوش الضواهرة شرقي دمشق إلا أنها فشلت للمرة الـــ... بعد اشتبكات عنيفة مع فيلق الرحمن وجيش الإسلام ............... فهي من الكثرة والعنف والإجرام بدرجة لا يمكن إجمالها فضلا عن بيانها في مقال .

 

 

كثرة تلك الخروقات من الأطراف الضامنة لاتفاق ما يسمى "خفض التصعيد" وعلى رأسهم روسيا دفع المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات في قوى الثورة والمعارضة السورية د . رياض حجاب للتغريد على حسابه على تويتر بالتساؤل : "من يوقف جرائم ضامني خفض التصعيد؟! .... جرائم يشهدها المجتمع الدولي بصمت مريب .....لك الله يا شعب سورية الجريح .

 

 

ليس التصعيد الروسي في محافظة إدلب وريفها بمستغرب أو مفاجئ رغم كونها إحدى الدول الضامنة لاتفاق "خفض التصعيد" حسب زعمها فهي تتعامل مع فصائل الثورة السورية بمنطق الغاب والقوة لا بمنطق الالتزام ببنود الاتفاقيات الموقعة .

 

 

وعلى الرغم من حقيقة تعرض الثورة السورية لأكبر مؤامرة دولية لإجهاضها وإفشالها إلا أن ذلك لا ينفي تحمل الفصائل الثورية المسلحة لجانب لا بأس به من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المؤسفة الآن , حيث لا يخفى على أحد استفادة أعداء الثورة من تفرق الثوار وتشتت الفصائل بل واقتتالها في بعض الأحيان في الاستفراد بكل جبهة وجهة على حدة وفرض شروط قاسية ومجحفة بحق الثورة والحاضنة الشعبية لها في الاتفاقيات الموقعة دون الالتزام بأبسط بنودها المتمثل بوقف القصف والقتل المتعمد للمدنيين .