"تنحي" برزاني: غياب دائم أم مؤقت؟!
10 صفر 1439
منذر الأسعد

أعاد رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني خلط الأوراق في العراق ومحيطه، بإصراره على التنحي من منصبه، ورفضه دعوات أنصاره الشروع في تمديد ولايته بعد انتهاء التمديد السابق خلال أيام قليلة مقبلة.

 

سارعت كواليس حكومة العبادي في بغداد إلى تفسير خطوته، بأنها مناورة لاحتواء فشل رهاناته على الاستفتاء الذي أجراه في الشهر الماضي للانفصال عن العراق، ثم خساراته العسكرية المتوالية أمام قوات السلطة المركزية والحشد الشيعي، حتى بات الكرد يتخوفون من القضاء على إقليمهم نهائياً، بحسب تصريحات عضو لجنة تنظيم الاستفتاء ووزير خارجية العراق سابقاً: هوشيار زيباري.

 

الوداع بلا محاسبة

وجَّه برزاني مساء أمس الأحد كلمة وداعية لجمهوره، تضمنت عتباً جريحاً للدول التي يعتبرها أكراد العراق صديقة لهم، وهي تسمية تعني الولايات المتحدة وسائر حلفائها الغربيين.. فهؤلاء هم الذين أسسوا قواعد تفكيك العراق بإنشاء الإقليم الكردي في شماله منذ هزيمة صدام سنة 1991م ووفروا له فرص الحماية والدعم. وهم الذين يشعر برزاني نحوهم اليوم بمرارة شديدة لأنه يتهمهم بخذلان الأكراد..

 

فواشنطن وقفت وقفة المتفرج على حشود المليشيات الطائفية التي تتهمها بالإرهاب، وهي تسترجع -عنوةً-كركوك وغيرها من المناطق المتنازَع عليها.. لكن ما لم يقله برزاني لأنصاره أن حلفاءه رفضوا مشروعه الانفصالي منذ البداية، فعلى أي أساس واصل عناده؟

 

إذا كان أخطأ في حساباته، فإن عليه الاعتذار عن خطئه؛ لا الظهور بمظهر الضحية التي غدر بها حلفاؤها..
حتى تقريعه للأكراد المنافسين تاريخياً في السليمانية واتهامهم بالخيانة لتسليمهم كركوك لجنود العبادي ومرجعية السيستاني، لم يفاجئ أحداً؛ فهؤلاء يراهنون منذ بداياتهم على خامنئي ومخططاته!!

 

غمز برزاني من طائفية السلطة في بغداد، وهو غمز انتهازي؛ لأنه كان –مع غريمه الراحل جلال طالباني- حليفاً لسياساتهم الطائفية لاستئصال أهل السنة، وتهميش من استعصى منهم على القتل والتهجير..

 

الباب الدوَّار

لعائلة البرزاني دور كبير ورئيسي في مسارات القضية الكردية –منذ مشاركة أبيه الملا مصطفى في جمهورية مهاباد الفاشلة أواسط الأربعينيات من القرن الميلادي العشرين-.. ومن يعرف حقائق هذه المكانة وطموحات العائلة وأشياعها الكثر؛ لا يمكنه بسهولة الاطمئنان إلى حكاية تنحي مسعود.. وخاصة أنه قام بتوزيع سلطات رئاسة الإقليم على البرلمان والحكومة والسلطات القضائية!! ولو كان تنحيه بريئاً لنقل سلطات المنصب إلى نائبه، ولترك للبرلمان تحديد موعد لانتخابات رئاسية قريبة!!

 

فهل لعب مسعود لعبة محسوبة لامتصاص آثار قراراته الكارثية، ثم تحضير نجله مسرور للحلول محله في زعامة الإقليم؟

 

هذا ما يرجحه المشككون في خطوته، وخاصة أن توريث المناصب نمط شائع لدى كرد العراق أنفسهم، وهو أسلوب رسخته القوى المتاجرة بالقومية العربية والشعارات اليسارية في المنطقة(خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي السوري ورثته زوجته – بشار الأسد ورث أباه في رئاسة سوريا-...)؟

 

في كل الأحوال، لا يمكن البناء على تنحي مسعود البرزاني للحصول على صورة أفضل لمستقبل أكراد العراق، ما دامت الزعامات المتناسلة تستبد بمصيرهم، ولو من خلال غلاف " ديمقراطي"، بينما يستمر تهميش القوى الحية الناهضة – من إسلامية وحقوقية وليبرالية-، وتواصل الزعامات رهاناتها على " حلفاء" تعود الكرد على خياناتهم من دون أن يتعظوا بها!!

 

خانهم الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي في مهاباد.. وخانوهم من قبل في سايكس بيكو.. وخانوهم أخيراً في مشروع " الاستقلال" الذي توهموا أنه حلم قريب المنال!