هل تسعى واشنطن حقا لحل أزمة الروهينغيا ؟!
16 صفر 1439
د. زياد الشامي

سؤال جدير بالاهتمام في ظل كثرة التصريحات التي تزعم أنها تسعى لحل أسوأ أزمة إنسانية يشهدها إقليم أراكان وآخرها تصريحات مسؤول أمريكي زار مخيمات لاجئين روهينغيا على الحدود بعد أشهر من حملات القتل والاغتصاب والتهجير وحرق منازل وقرى أقلية "الروهينغيا" التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأكثر اضطهادا في العالم .

 

 

القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون اللاجئين والهجرة "سيمون هينشو" الذي زار مخيمات اللاجئين الروهنغيا في منطقة "كوكس بازار" الحدودية مع ميانمار قال أول أمس الجمعة : إن على سلطات ميانمار تحمل مسؤولية إعادة اللاجئين الروهينغيا إلى ديارهم بعد أن اضطروا إلى الفرار من البلاد وسط حملة عنيفة من جانب قوات الأمن والجيش الميانماري .

 

 

المسؤول الأمريكي و خلال مؤتمر صحفي أمس السبت بالعاصمة البنغالية دكا قال : "يتعين على ميانمار ضمان بيئة آمنة ومستقرة بشكل يمكّن مسلمي الروهينغيا من العودة إلى ديارهم". مضيفا أنه يقع على ميانمار مسؤولية إعادة اللاجئين إلى ديارهم وإن الولايات المتحدة ترغب في جهود سريعة لتحقيق الاستقرار في إقليم أراكان" غربي ميانمار .

 

 

تصريح المسؤول الأمريكي يأتي بعد مزاعم "هيذر نويرت" المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية التي ادعت فيها بأن أزمة الروهينغيا لا تحظى فحسب بـ "أعلى اهتمامات" وزارة الخارجية الأمريكية ولكن الأمر كذلك بالنسبة إلى البيت الأبيض أيضا مؤكدة أن الولايات المتحدة تعمل على تمهيد عودة الروهينغيا إلى ديارهم "طواعية "وبكرامة" حسب وصفها .

 

 

وكانت "نويرت" قد أعلنت منذ أيام أن الوزير "ريكس تيلرسون" سيزور ميانمار يوم 15 نوفمبر / تشرين الثاني الجاري لبحث أزمة الروهينغيا , كما كشف نواب في مجلس الشيوخ الأمريكي (الغرفة العليا من الكونغرس) عن تشريعات من شأنها فرض عقوبات ضد كبار العسكريين في جيش ميانمار.

 

 

"أسوشييتد برس" ذكرت أن “التشريعات المقترحة تتضمن فرض قيود على سفر العسكريين من أجل ضمان وقف أعمال العنف، علاوة على قوانين تلزم بإدخال المساعدات الإنسانية إلى مسلمي الروهينغيا سواء في ميانمار أو اللاجئين في بنغلادش .

 

 

كما أعلنت الخارجية الأمريكية أواخر الشهر الماضي أنها تدرس بالفعل اتخاذ مجموعة من الإجراءات ضد كبار مسؤولي الجيش في ميانمار بموجب قانون "غلوبال ماغنيتسكي" الذي يسمح لواشنطن بفرض عقوبات خارجية على من تعتبرهم يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان .

 

 

أول ما يمكن ملاحظته في تصريحات و "تحركات" الإدارة الأمريكية لحل أزمة الروهينغيا المزعوم هو أنها مجرد تصريحات دبلوماسية وزيارات ميدانية ومقترحات برلمانية بفرض "عقوبات" على ميانمار ليس إلا ... دون أي مؤشر أو ملمح لتحرك جدي لترجمة ذلك على أرض الواقع بعد أكثر من شهرين على بدء حملة التطهير العرقي التي يمارسها جيش ميانمار ومليشياتها البوضية بحق الأبرياء من أقلية الروهينغيا .

 

 

عدم صدور إدانة واضحة وصريحة من الإدارة الأمريكية للحملة القمعية التي يشنها جيش ميانمار بحق مسلمي أراكان فضلا عن عدم ممارسة أي ضغوط ضد حكومة ميانمار أو تهديد بفرض عقوبات , ناهيك عن عدم التحرك في  مجلس الأمن - الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية –  لاستصدار قرار يجبر ميانمار على وقف الجرائم والمجازر والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت – وما زالت - بحق أكثر من مليون مسلم أراكاني منذ أكثر من شهرين والاقتصار على بيانات ضعيفة هزيلة وتعليقات إعلامية لم تزد جيش ميانمار والعصابات البوذية إلا تماديا في سفك الدماء واغتصاب النساء وتهجير من تبقى من مسلمي الروهينغيا ....يؤكد كذب ادعاءات الأمريكان .

 

 

وبإجراء مقارنة سريعة بين تحرك العم سام في مجلس الأمن منذ سنوات لفرض عقوبات على النظام العسكري الحاكم في ميانمار لمجرد قتله راهبا بوذيا واحدا .....وبين عدم اكتراثه حاليا لحملة القتل والاغتصاب والتهجير والحرق الذي يقوم به الجيش الميانماري نفسه منذ أكثر من شهرين بحق مسلمي اراكان ... يمكن التأكد من كذب ادعاءات ومزاعم سعي الإدارة الأمريكية لحل محنة الروهينغيا , فمن كان شريكا في جريمة لا يمكن أن يسعى بحق لحلها .

 

 

قد تكون القراءة الصحيحة لتصريحات المسؤول الأمريكي وتحركات العم سام الأخيرة تجاه محنة الروهينغيا هي : استغلال ورقة محنة الروهينغيا لتحقيق بعض المصالح الأنانية في زمن أضحت فيه ورقة الأقليات ألعوبة بيد الدول الاستعمارية لتحقيق أجندتها وأطماعها التي لا تكاد تنتهي .

 

 

وقد تكون تلك التصريحات والتحركات مجرد تمثيلية ومسرحية للظهور بمظهر المهتم بحل أسوأ ازمة إنسانية تشهدها منطقة شرق وجنوب آسيا , خصوصا بعد أن طالبت 60 جماعة مدنية وحقوقية - بينها منظمة هيومن رايتس ووتش - الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات ضد كبار المسؤولين في جيش ميانمار بسبب أعمال العنف التي يتعرض لها مسلمو الروهنغيا في ولاية أراكان .

 

 

أما أن يصدق عاقل بأن التصريحات الأمريكية بخصوص أزمة الروهينغيا جدية أو أن تحركات العم سام الأخيرة تسعى بصدق لإنهاء معاناة مسلمي أراكان وإعادة المهجرين منهم إلى ديارهم فهو بالتأكيد محال .