8 ربيع الأول 1439

السؤال

أعاني من زوج لا يسارع للخيرات، هو يصلي ويصوم ويزكي، لكنه لا يحب المسابقة في العبادات ولا يسارع في الصالحات ولا يهتم بالاقتداء بالسنن والمستحبات، هو لا يمنعني منها، لكنه لا يعينني عليها، ولا يعين أولاده عليها، فقط يهتم بشأن أسرتنا فيما يخص الدنيا والدراسة والأموال وفقط.. ما نصيحتكم؟

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:

فالبيت المؤمن يقوم على التناصح والتواصي بالحق والصبر، كما يقوم على التعاون والتعاضد لفعل الخير، والبعد عما يسبب الفرقة والخلاف.

 

ولاشك أنني اشكر السائلة على غيرتها وحماستها، ورغباتها في الدرجات العليا من الفضيلة، وهو حال صالح للمرأة الصالحة الحريصة على تكوين بيت مؤمن..

 

وهناك خمس وقفات مع سؤالك يا ابنتنا الكريمة:

الأولى: دعيني أعاتبكِ على أسلوبكِ في التحامل على زوجكِ والحدَّة عليه، والرفق ما صاحب شيئاً إلا زانه وما نُزِع من شيء إلا شانه، كما في الحديث.

فما تفضلتِ بوصفه عن زوجك، يجعلني أرى أن هذا الرجل رجل خير ورجل صلاح.

 

فهو يقوم بفرائض الإسلام، وقد جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن أركان الإسلام فقط وأجابه النبي، قال والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق"، فقد وصفه بالفلاح.

 

الثانية: أن الله سبحانه بفضله قد أدخل في الفضل الكبير منه سبحانه، ثلاثة أصناف من الناس، قال الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.

 

قال أبو بكر الوراق: رتبهم هذا الترتيب على مقامات الناس، لأن أحوال العبد ثلاثة: معصية وغفلة ثم توبة ثم قربة، فإذا عصى دخل في حيز الظالمين، وإذا تاب دخل في جملة المقتصدين، وإذا صحت التوبة وكثرت العبادة والمجاهدة دخل في عداد السابقين.

 

وقال الحسن: السابق من رجحت حسناته على سيئاته، والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته، والظالم من رجحت سيئاته على حسناته.

 

وأنا يبدو لي من خلال الوصف أن ذلك الزوج هو من المقتصدين المؤدين للفرائض القائمين بحق الله عليهم، وهذا ممن أدخله الله جل وعلا ممن اصطفى فهنيئاً له ولكم به.

 

والثالثة: أن كونه يقوم بالنفقة عليكم من الحلال، ويهتم بشأنكم، ويتكفل برعايتكم، ودراستكم، فهذا عمل قربة إلى الله ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول" وفي رواية "يقوت"، فلذلك فإن الذي يقوم بنفقة أولاده يعتبر رجل خير ورجل صلاح، وعليكِ فقط أن تذكريه أن يحتسب الأجر والثواب.

 

والرابعة: أنه لا بأس أن تذكِّر المرأةُ زوجَها وتنصحه، وتحثه على الخير، وعلى فعل النوافل والاهتمام بالصالحات، فالله سبحانه يقول: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}، لكن عليها أن يكون تذكيرها رقيقاً رفيقاً، حتى لا ينفر منها نفوراً لا يمكنها بعده أن تنصحه.

 

الخامسة: أنصح كذلك أن تؤدي حق زوجها، ولا تجعل من فعلها للطاعات والنوافل سبباً في البعد عن زوجها والانشغال عنه وإهماله.

 

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمنع المرأة أن تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها، بل قال بعض العلماء حتى الواجب ما دام الوقت واسعاً، لأن عائشة ما كانت تقضي رمضان إلا في شعبان لمقام النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وأخيراً أنصحها بالدعاء لها ولزوجها، والصبر عليه، والقيام بحقه، واحتساب ذلك لله سبحانه. جعلكم الله أسرة مباركة وأصلح لكم الحال والمآل.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.