بغية المشتاق في أحكام جلسة الإشراق
9 ربيع الأول 1439
كليم بن مقصود الحسن

لقد أخبرنا نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - عن وقوع الهَرْج في آخر الزمان، ورَفْع العِلْم وشمول الجهل ونزوله بين الناس، جاء ذلك عند البخاري ومسلم عن أبي وائل رضي الله عنه أنه قال: كنتُ جالسًا مع عبدالله وأبي موسى، فقالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن بين يَدَيِ الساعةِ أيامًا، يُرفَعُ فيها العلمُ، وينزلُ فيها الجهلُ، ويَكثُرُ فيها الهَرْجُ»، والهَرْجُ القتلُ .

 

وأخرج البخاريُّ أيضا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقوم الساعة حتى يُقبَضَ العلمُ، وتَكثُرَ الزلازلُ، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويَكثُرَ الهرْجُ - وهو القتلُ القتل - حتى يَكثُرَ فيكم المال فيَفِيض».

 

وأمتنا اليوم تعيش في زمن تكالب عليها العدو وسامها وأذاقها أنواع القهر والضيم، فتكاً وقتلاً وتعذيباً وإهانةً، بحِجَج خدَّاعة انطلت على كثير من الناس. فما هو المخرج وأين المهرب ؟!

 

إن على كل مؤمن في هذه الحالة أن يعود إلى ربه راجياً مبتغياً الأجر والثواب، ويصرف نفسه ووقته في مرضاة الله وهو يرى جل شبابها لاهين في الآلات والأجهزة المسيطرة على الحواس من السمع والبصر والفؤاد، فيهرب منها إلى عبادة ربه سبحانه وتعالى، فالعبادة في أوقات الغفلة لها ميزة، والقيام في هدأة الليل والناس نائمون فيه ميزة، والمتمسك بطاعة الله، إذا قصّر فيها الناس وشغلوا عنها كالكّار بعد الفار، والنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن سبب إكثاره من الصيام في شهر شعبان، قال: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ» رواه النسائي وصححه الألباني، ويأتي الثناء والتأكيد في زمن أوج الغفلة، في زمننا زمن الفتن، في زمن ثوران الشهوات والغرائز وخفاء أمر الحلال والحرام؛ لأن الغالب على الناس في حال الفتن والاضطراب الانشغال عن العبادة، ويزاد البعد والغفلة إلى درجة تسفيه أحلام أولي النهى، وإهمال العقل، والتعلق بسفاهة المنطق وفتنة حرية الرأي المطلق ، وعند الفتن يعلم المؤمن أن من الموازين في حياته يكمن في عودته إلى ربه، فيستبصر حينها بكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، ويستهدي بهديه القائل: «العبادة في الهَرْج كهجرة إليَّ». رواه مسلم. فإذا وجد الوصف الذي علق به هذا الفضل، يوجد الفضل، وكلما وجدت فتنة ينصرف المؤمن إلى عبادة ربه،

 

والناس في خضم الفتن يبحثون ويتلهفون ويركضون إلى السبل الموصلة إلى النجاة بدينهم وأخلاقهم ورضا ربهم ، وقد استلهم فضيلة الشيخ فهد العماري شيئاً من ذلك في كتابه المعنون له (بغية المشتاق في أحكام جلسة الإشراق) ، فبيَّن في مقدمة الكتاب كيف النجاة من الفتن ومن ذلك جلسة الإشراق الجلسة الإيمانية الروحانية الذكرية التدبرية ، بين في كتابه ؛ أسباب ترك الناس لها وآثارها ، و فضائلها ، وأقوال وأحوال السلف معها ، وأحكامها وقد أتى على أكثر من أربعين مسألة فيها ، حاول أن يجيب عن كثير من الأسئلة والمناقشات التي تثار حول أحكام جلسة الإشراق والمسائل المعاصرة التي تكتنفها   بطريقة سهلة مختصرة ،  وقد أصبحت هذه الجلسة في بعض المجتمعات من السنن المنسية وقد زهد الناس فيها  ، علما بأن الجلوس بعد الفجر كان من عادة نبينا صلى الله عليه وسلم، كما في حديث مسلم عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ لما سئل: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . كَثِيرًا، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ.

فنأمل من القراء تحميل الكتاب وقراءته ونشره بين الناس إحياء لهذه السنة النبوية ونشراً للعلم النافع وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

لتحميل الكتاب