اغتيال الروس لبطلة القرم.. جريمة بلا عقاب أو إعلام!
15 ربيع الأول 1439
أمير سعيد

"فيجي كاشاكا" البالغة من العمر 83 عاماً، مناضلة من تتر القرم، يعدها التتر المسلمون هناك "أسطورة النضال التتري"، لم يتحمل جسدها الواهن العليل قسوة قوات الأمن الروسية التي تحتل شبه جزيرة القرم المسلمة، أثناء اقتحام بيتها البسيط بغية اعتقالها؛ فأصيبت بنوبة قلبية مفاجئة أودت بحياتها.

 

فيجي ليست إلا نموذجاً يحكي القهر والقمع الذي يتعرض له مسلمو القرم، الذين يدفعون ثمناً كبيراً لإسلامهم وموقعهم الاستراتيجي المتميز وضعف الدول الإسلامية وتواطؤ الدول الغربية واستعدادها لتقديمهم كإتاوة يدفعها الأوروبيون لكف يد البطش الروسي عنهم، أو التنازل عنها إن لزم الأمر ضمن إطار صفقة يشرون فيها تماسك أوكرانيا ويشترون مقابلها تنازلاً روسياً في ملفات التصعيد الروسي العسكري في أوروبا، والعلاقة مع تركيا، وتأمين الغاز.  

 

جرى احتلال القرم بأسلوب رخيص، لم يقبله العالم في الكويت حين شكل الرئيس العراقي صدام حسين فور احتلاله الكويت في أغسطس من العام 1990، حكومة موالية له، للتمهيد لإعلان انضمام الكويت للعراق، لكن العالم قبل هذا الأسلوب السلطوي في القرم التي كانت ذات غالبية مسلمة، حيث هبطت قوة مظلية روسية فاستولت على مبنى البرلمان وحكومة القرم الذاتية، ثم أعلن روس البرلمان المسموح لهم بعقد جلساته الانفصال عن أوكرانيا ثم الانضمام لروسيا في مسرحية واضحة قبلها العالم لأسباب معروفة، إذ قبل حصول هذه الجريمة كتبت هنا – قبل أربع سنوات – " ككل القضايا في هذا العصر التي يكون المسلمون أحد عناصرها تقدم رقابهم لتوضع على المذبح! قواعد الاستراتيجيات تقضي بهذا؛ فالعنصر الأضعف في أي صراع هو المرشح دوماً لتكون كل التسويات على حسابه؛ فالأضعف يخسر عادة بينما أطراف الصراعات تتفاوت في معايير المكاسب والخسائر! وإذا كان المسلمون اليوم لا يملكون من أسباب القوة ولا يستندون إلى دولة كبرى تدافع عن حقوقهم مثلما هو الحال بالنسبة للآخرين فمن الطبيعي أن تقهرهم أي تسوية".

 

تمت الجريمة على أية حال، وصار المسلمون في وضع مزرٍ في أرض كانت موسكو قبل ثلاثة قرون تدفع لها الجزية، وكان الانتقام، حيث لم تشبع موسكو من التهجير المتكرر لأهلها حتى شرعت في مواصلة ضغطها السلطوي القمعي على مسلميها دون غيرهم من الأوكران أو الروس، بطبيعة الحال.

 

ووقف العالم متفرجاً كعادته، فعشرون اجتماعاً عقدها الزعماء والنشطاء القرم في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي والأمم المتحدة والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا منذ عام ونصف العام لم تسفر عن شيء يذكر، حيث رفضت الدول الكبرى تصعيد القضية في مجلس الأمن، ولم تجد عواصم أوروبا الضعيفة قوة تكفي للضغط على روسيا الصاعدة عسكرياً وسياسياً.

 

لكن حتى في مسألة إنسانية بحتة كحالة العجوز البسيطة فيجي تجاهل إعلام العالم - لاسيما أوروبا - مأساتها، فلا منظمة حقوقية نددت، ولا منظمة للمرأة شجبت، ولا وسيلة إعلام تحدثت عن تغول القوة الروسية على امرأة ريفية مسنة ضعيفة جداً كفيجي رحمها الله.

 

وقع اغتيال المناضلة التترية كان قاسياً على تتر القرم والدونباس، ومرارة القهر أنستهم عشرات الاعتقالات الأخرى؛ فالرسالة التي تريد إيصالها موسكو إليهم أن لا محرمات لديها أو قيم يمكن مراعاتها في سبيل فرض هيمنة سلطتها على الإقليم الذي يتحكم بالبحر الأسود.